بغداد/ المدى:تتمسك نسرين برفضها ارتداء الحجاب على رغم انتقادات أهالي الحي لعائلتها، ومغازلات الشباب المتواصلة، والكم الهائل من كلمات "العيب والحرام" التي تتلقاها يوميا"، وتقول بنبرة واثقة "إنها مسألة مبدأ، إذا كانت عائلتي التي تضرب جذورها في بغداد منذ بدايات القرن العشرين لا تفرض على بناتها لبس الحجاب أو التديّن، هل استسلم لأهواء دينية غزت بغداد مؤخرا؟ قطعا لا".
في المقابل يتبادل مجموعة من الشباب في مقهى لتدخين الاركيلة عند أطراف حي الكرادة وسط بغداد، نقاشات ثقافية حول تقاليد البغداديين الأصيلة، يخرج الحديث بخلاصة:
أن بغداد العريقة لن تتخلى عن مدنيتها، لصالح أفكار اسلاموية غزت عاصمتهم مع دخول القوات الأميركية البلاد عام 2003.
الجامعات العراقية التي شهدت خلال السنوات الماضية محاولة "ناشزة" لأسلمتها ومحاولة طلبة مناصربن لأحزاب إسلامية، إجبار الطالبات على اللبس المحتشم وزجرهم عن التبرج وارتداء الملابس الغربية، فشلت جميعها في تحقيق مأربها.
فيما تتردد وزارة التعليم العالي هذه الأيام بإصدار قرار لبعض جامعات وكليات ومعاهد العاصمة بعزل الطلبة عن الطالبات، خشية اعتصام طلابي يؤلب الشارع والمجتمع الدولي على الحكومة.
وبرغم أن الاحزاب الإسلامية المعروفة، اتخذت من بغداد مقار لهم، وجلبوا معهم الآلاف من مريديهم القادمين من أقاصي المحافظات الجنوبية ذات الطابع الريفي محملين بأفكار اسلاموية غريبة على بغداد، لم تكن كافية لتغيير انثروبولوجيا أهالي أرخيته والمنصور والأعظمية والصليخ والشواكة والفضل والبتاوين والشالجية.
ولم يستطع عباس القادم من محلة "الحويش" جنوب محافظة النجف الدينية، للعمل في مكتب حزب إسلامي في منطقة الكرادة، التأقلم مع مجتمعه الجديد، فهو غير معتاد على مشاهدة "بنات يرتدون الجينز ولا يضعون حجاب على رأسهم"، ويقول "بغداد بالنسبة لي باريس" كنت أتطلع لزيارتها والعيش بها وهي لم تخيب ظني".
ويعترف عباس الذي تربى تربية دينية في إحدى حوزات النجف بأن الأحزاب الإسلامية ودعاتها ووسائل ترهيبها لم تتمكن من ترويض العاصمة وسكانها، "بل على العكس انها (بغداد) تؤثر ولا تتأثر".وليس مستغربا ان يكون هذا الطالب الديني في السابق، زبونا دائما هذه الأيام في بارات بغداد، يشجن للغناء الصاخب الذي تنتجه هذه البارات بفرح مشوب بقلق من أن تقوم قوات الأمن باقتحامهم عنوة وإفساد سهرة بغدادية من جديد.
ولم ينس أصحاب ملاهي وبارات العاصمة وروادها حتى اليوم، مداهمة مفاجئة لنوادي الصيادلة والأدباء والسينمائيين وعدد من المطاعم والملاهي في مناطق الكرادة والعرصات والأندلس في أيلول من العام الماضي وأغلقت بالقوة من قبل قوات أمنية نظامية ترتدي زي الشرطة، ضربت الموجودين فيها من المواطنين، والمفارقة كان بين الزبائن مسؤولون ورجال أمن وأعضاء أحزاب إسلامية يرتادون هذه النوادي.
وبرغم هذه الحادثة، عاودت هذه النوادي نشاطها رغم حاجز الخوف، فيما فشلت عشرات المحاولات من أحزاب وشخصيات إسلامية بتمرير قانون لمنع استيراد ومنع المشروبات الكحولية في مجلس النواب، فيما جوبهت محاولة شديدة من قبل مجلس محافظة بغداد لإغلاق هذه النوادي بتظاهرات شبابية واسعة في ساحة التحرير منددة بتقييد الحريات".
صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي العراقية "كالفيس بوك"، تمنح المثقف البغدادي المخضرم، المتألم لواقع بغداد الحالي، فسحة امل عندما يتصفح نقاشات شباب وبنات البغداديين، فهم لا يكّفون من انتقاد اساليب اسلاومية رجعية، يتناقلون في ما بينهم مقولات الكاتب العراقي الكبير علي الوردي، يتداول آخرون أبيات شعر غزلية، فيما تعاني المنشورات الدينية من جفاء المعلقين والمعجبين.
الأحزاب الدينية، "الضيف الثقيل" لبغداد وسكانها، بدأت تعي صعوبة ترويضها، بنفس صعوبة جعل شابات من محافظتي كربلاء او العمارة ترك العباءة الإسلامية والحجاب ولبس التنورة القصيرة في الأماكن العامة، هذه الأحزاب بدأت تغير وجهها، بوجه آخر يعترف للبغداديين بعراقتهم وثقافتهم .
579 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع