الشرق الأوسط/لندن/عبير مشخص:من الصعب على من يخطو داخل قاعة العرض في كلية تشيلسي للفن والتصميم في لندن الإفلات من التأثير المباشر الذي يبعثه عمل الفنانة العراقية هناء مال الله، الذي يحتل جانبا كبيرا من الحائط. العمل الذي أطلقت عليه الفنانة عنوان «ليلتي 16 - 17.01 1991»، يمثل مركز المعرض الجماعي الذي تحتضنه الكلية بمناسبة الذكرى العاشرة على غزو العراق تحت عنوان «بعد 10 سنوات، تأملات حول غزو العراق».
يشارك في المعرض الفنانان كينارد فيليبس بعمل كولاج، تجتمع فيه صور محورية من ذاكرة الحرب، يحمل العمل عنوان «الحرب على الحرب»، ويلاحظ فيه أن الصور محاطة بأسماء لشركات كبرى عالمية، في إشارة إلى الأسباب التجارية والمستفيدين من تلك الحرب. إلى جانب آخر يوجد عرض فيديو للشاعر البريطاني هارولد بنتر وهو يلقي قصيدة مناهضة للحرب.
الفنانة هناء مال الله علقت لـ«الشرق الأوسط» على المعرض بقولها: «هذا المعرض يقام ضمن الاحتفالات بمرور عشر سنوات على غزو العراق، وهو مشاركة من كلية تشيلسي للفنون والتصميم، وستقوم أيضا جامعة (يو إس إل) بتنظيم معرض آخر».
تشير الفنانة إلى أعمالها المعروضة وتقول: «أقول دائما أنا لست فنانة سياسية، ولكن الخلفية التي عشت فيها في العراق، 35 عاما من الحروب والعنف، يمكنك أن تربطي بين عملي والعنف والحروب بهذا التصور. ليس معقولا أن أعيش 35 عاما تحت حكم صدام والحروب والحصار ولا أتأثر بذلك، فالعنف أثر في بذلك، وهذه هي العلاقة مع السياسية التي تظهر بأعمالي».
العنف الذي عاشته مال الله يظهر جليا في عملها هنا، اللوحة الضخمة تصور إحدى ليالي بغداد أثناء الحرب، وتحديدا 17 - 16 من عام 1991، بداية حرب الخليج الثانية. اللوحة تثير الإحساس بالدمار ورائحة الحرائق تتناثر أمامنا قطعا من قماش محترق، وعظاما منتثرة، وقطعة من لحاف أحمر ممزق مبقور الأحشاء.
تقول الفنانة: «عنوان العمل يرمز إلى ليلة قصفت بغداد، بالنسبة لي احتلال العراق بدأ في ذلك العام». تقترب من اللوحة وتشير: «هنا أحشاء المدينة، سعف نخيل وجذور النخل وبذور وقطعة من لحاف، أحضرتها كلها من العراق». رمزية اللحاف هنا واضحة، فهو يرمز إلى الحماية والأمان اللذين تمزقا عبر القصف الليلي لبغداد. تشير إلى سعفة نخل مثبتة أعلى اللوحة وتقول إن سعفة النخل تعبر عن خروج الحياة من الخراب، نجدها إلى جانب الجذور والبذور التي جلبتها الفنانة من بغداد، تجتمع كلها إلى جانب القماش المحروق واللحاف المبقور وهيكل طائر الهدهد الذي يتوسط اللوحة والعظام المنثورة كلها ترسم صورة لوطن مفقود محترق. تشير إلى أرقام متناثرة على اللوحة قائلة: «كل منها يعني شيئا، أعددت رسالة الدكتوراه في المنطق وكل رقم في (الرقعة الإسلامية) يعبر عن حرف، وهنا يمكن ترجمة تلك الأرقام إلى كلمات (موت، وحياة، وبينهما المتناقضات)».
اللوحة الثانية للفنانة، التي تحمل عنوان «نقاط العنف»، عبارة عن بقية اللحاف الأحمر، اليدوي الصنع، نراه هناك بتفاصيل تطريزه البسيطة كأنما ينقل لنا أحلاما وأنفاسا هادئة مرت تحته، لكن اللحاف هنا يحمل حروقا متناثرة. تقول: «هذه النقاط مأخوذة من خارطة لأهداف قصفت في بغداد في ليلة واحدة»، وتستطرد: «اللحاف هو أمان وحماية يرتبط بالنوم في بيت آمن، ومع ذلك فالقصف على بغداد كان يحدث دائما بالليل، وهو ما أراه أذى نفسيا، القصف الليلي مخيف أكثر من النهاري، فالأصوات والحركة تخفت في الليل وبالتالي يصبح صوت القصف مخيفا جدا، اللافت أن القصف دائما ما كان ينتهي في الفجر».
مفهوم العنف كما تراه مال الله يتعدى العنف الجسدي إلى أنواع متطورة، «هناك عنف عالمي مغطى بالتكنولوجيا وبالحياة البراقة، أنا غادرت العراق منذ 5 سنوات ولكني أعيش تحت أنواع أخرى من العنف.. فبعد كل هذا أعيش هنا كلاجئة، أعاني في استخراج أوراقي للإقامة هنا ولمحاولة البدء من الصفر، أرى كل ذلك نوعا من العنف المعنوي. بعد العنف الجسدي الذي عشت خلاله أعاني الآن من العنف المعنوي. هناك فرق بين العنف زمن صدام، عنف الديكتاتور، والعنف الحالي، فهو تشكيلة من الخراب والفوضى والدمار والفساد».
الحرب والدمار يمثلان جانبا رئيسيا من حياة مال الله، «عشت عبر حروب متواصلة، فمنذ نشأت وأنا أرى الحروب حولي من حرب إيران إلى حرب الخليج إلى الهجوم الأميركي. أعتقد أن الفن هو فقط من أنقذني، الفن حماني من أشياء كثيرة».
وبالنظر إلى الأعمال المشاركة في المعرض تقول: «الفرق بين أعمالي هنا وأعمال الفنانين البريطانيين المشاركين أنهم يعبرون عن رؤيتهم لغزو العراق عبر ما نقل إليهم في وسائل الإعلام، ولهذا كان تعبيرهم هنا من الإعلام وبصورة قريبة إلى المتلقي. مثلا عمل كينارد فيليبس عن الحرب يحمل صورا بثتها شاشات التلفزيون، رامسفيلد في غرفة العمليات، قالوا لنا إن الحرب ستكون تقنية (ديجيتال)، بمعنى آخر العنف العالمي أصبح ديجيتال، هنا نرى تركيب صور عن العنف، أهم فكرة عن هذا العمل هي أن الحرب كانت لصالح شركات نرى أسماءها تحف بأطراف اللوحة، البعض يقول إن هذا العمل مباشر ولكني أراه أهم عمل بالنسبة لي».
إلى جانب أعمال مال الله وكينارد فيليبس نرى أيضا مجموعة من شاشات التلفزيون تعرض لقطات تسجيلية من طريق سريع خارج بغداد لتنتقل لشاهد داخلية من أحد قصور صدام، تتداخل المشاهد مع شهادات لجنود بريطانيين شاركوا في الحرب، بالإضافة إلى روايات مواطنين.
544 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع