السياحة في دجلة .. قوارب بدائية تعيد الحياة الى النهر الخالد

              

أصبح التوجه الى ضفاف نهر دجلة عند البغداديين ، عادة شبه يومية بعد فترة انقطاع طويلة سببتها الظروف الأمنية وحالة الحرب ، والمنع لأسباب أمنية فرضتها السلطات طوال سنين.

إيلاف/ وسيم باسم/بغداد: لم يعد مساء بغداد في الكثير من المناطق ساكنا موحشا بعدما شرع الناس في التوجه الى ضفاف دجلة حيث الكازينوات والمطاعم المطلة على النهر، قاصدين رحلات نهرية بدأت تصبح حدثا بارزا ليس في بغداد وحدها بل وفي الكثير من مدن العراق. والى جانب المشاريع الخاصة ، فان وزارة النقل شرعت في رعاية سياحة نهرية عبر القوارب التي تستخدم لأغراض النقل العام أيضا. وطيلة عقود كانت الزوارق النهرية سواء للسياحة أو للنقل ممنوعة على العراقيين ، ليس في بغداد فحسب بل في كل أنحاء العراق ، وتعتبر حيازة زورق في ذلك الوقت عملية معقدة تتطلب موافقات أمنية لا يتم الحصول عليها بسهولة .

بل ان امتلاك قارب نهري في ذلك الوقت ، فِعْل يعاقب عليه القانون بحسب مالك القوارب عبد اللطيف أحمد الذي يمتلك اربعة ، تنقل الناس بين ضفتي نهر دجلة. لكن أحمد يقول ان الرحلات النهرية في العراق مازالت بسيطة ولمسافات قصيرة ، وتحتاج الى التطوير وشراء قوارب متخصصة تتوفر فيها وسائل الأمان وهو ما ليس متوفر الآن. وتابع قائلا: أغلب القوارب اليوم خشبية من صنع محلي بدائي لا تتوفر فيها وسائل الأمان ، كما ان الكثير منها قديم مضى عليه عقودا من الخدمة.

ويتوقع أحمد ان تشهد السنوات القادمة رحلات نهرية عبر المدن اذا ما تم الاستثمار في هذا القطاع الذي يدر على الاقتصاد واردات مالية. ويصف أسعد حسين المهندس المدني الذي يشرف على بعض مشاريع تطوير نهر دجلة ، ان الرحلات النهرية في دجلة امينة لان مياهه هادئة على الدوام فليس ثمة أمواج عاتية أو عواصف قوية. لكن حسين يؤكد ان النهر ضحل في الجزء الأكبر منه مما يصعب جعل الملاحة فيه عملا تجاريا واقتصاديا جديا.

وارتبط اسم العراق بالحضارات النهرية التي تأسست على نهري دجلة والفرات منذ فجر الحضارات الاولى ، فقد نشأت في سومر عام 3500 ق.م ، وازدهرت الحضارة الآشورية التي مازالت آثارها الى الان تقع على نهر دجلة. كما أن الرحلات في دجلة والفرات قديمة ، وكانت وسيلة لنقل الضائع لاسيما المنتجات الزراعية بين المدن لفترة طويلة. ومن امثلة ذلك ، ان الناس اعتادوا على نقل محاصيل الانتاج الزراعي بين بغداد وسامراء عبر دجلة منذ عشرينات القرن الماضي. وفي الكثير من المدن التي يمر بها نهرا دجلة والفرات ، شرع الناس في اقتناء القوارب التي تنقلهم في جولات بحرية .

وفي مدينة الديوانية (193 كلم جنوبي بغداد) يشهد نهر المدينة لأول مرة حركة قوارب في بعض الامكان في النهر ، وقسم منها يُدار بطريقة ارتجالية من قبل اناس قرّروا استثمار النهر في النقل والسياحة .
و في منطقة الهاشمية والحلة مركز محافظة بابل (100 كم جنوب بغداد)، نجحت الحكومة المحلية في تسيير نحو سبعة قوارب نزهة نهرية محققة نجاحا جيدا ودخلا جيدا للحكومة المحلية عبر استثمار القطاع النهري . وينوي كريم الجنابي اقامة مطاعم عائمة على شط الحلة الذي هو احد فروع نهر الفرات المهمة . ويتابع :هذا النهر يستقبلك دائما ، شرط ان تخلص له وتزوره .

وفي منطقة الاعظمية في بغداد حيث يشتهر الكورنيش المطل على دجلة ، يشير حاتم مالك الذي استقل قاربا معنا في دجلة أن الانسان العراقي لجأ منذ اقدم الازمان ، الى هذا النهر للتخفيف عن الضغوط النفسية والمخاوف والقلق الذي ينتابه. وتابع قائلا: العراقيون محرومون من هذا النهر بسبب الحروب وما رافقها من اجراءات امنية ، كما ان العراقيين ابتعدوا عنه اكثر بسبب الفوضى وأعمال التفجيرات وإلقاء الجثث في النهر ايام الحرب الطائفية منذ عام 2003 .

وبحسب أحمد ، فان الامر اليوم افضل ، فيمكنك ان تسير بجميع الاتجاهات، او تتجول عبر القارب مع شيء من الحذر. لكن سعيد امين ، الخبير الصحي يحذر من ان مياه دجلة مازالت ملوثة ، كما ان الرحلات البحرية تزيد من تلوثه بسبب الوقود المستعمل لتسيير محركات القوارب ، عوضا عن بعض الناس ينقصهم الوعي البيئي حيث يلقون بالفضلات وهم يتجولون بالقوارب في وسط النهر. ويشير امين الذي اصطحبنا في قارب عند مرسى الزوارق في متنزه أبو نواس ان النقل النهري اليوم على رغم ازدهاره فانه يحتاج الى استثمار يجعل منه مشروعاً ناجحاً .

ومازالت الكثير من المراسي بدائية جدا وتفتقد الى المواصفات الملاحية المطلوبة، اضافة ال أن الزوارق الموجودة تخلو من شروط الأمان، مما تزيد من المخاطر على حياة الركاب. وفي الضفة الاخرى من النهر ، حيث تقع الجامعة المستنصرية ، وهي بناء شامخ منذ العصر العباسي ، يرسو مركب ابو كاظم الذي يتسع ل 13 راكبا حيث يشير كاظم الى ان هذه المراكب تشكل مصدر رزق للكثير من الأسر. أما البلاّم (قائد الزورق) ، حسام العتابي الذي يقود قاربا نهريا في دجلة منذ نحو ثلاث سنوات، فيقول ،ان الاعياد والمناسبات تشهد اقبالا واسعا من قبل الجمهور الذي يرغب في التجول عبر النهر .
ويتابع : ذلك يعني ان أي خطة لتطوير النقل البحري ستلقى نجاحا كبيرا .

ويحصي عامر حوالي عشرين مرسى شٌيّد او أُعيد تأهيله على ضفتي النهر ، حيث أصبحت هذه المراسي محطات لنقل المسافرين بين ضفتي النهر ، حيث يدفع الزبون 500 دينار عراقي لنقله مسافة تبلغ حوالي 1000 متر وسط النهر. وبحسب عامر، فان هذه الزوارق أصبحت وسيلة نقل تخفّف من الازدحام المروري في شوارع بغداد لاسيما على الجسور التي تربط بين ضفتي النهر في الكرخ والرصافة.  يقول عامر : حين ينحسر الزبائن نستخدم المراكب لغرض صيد الأسماك.

 وفي قارب آخر ، استقل احمد (مدرس) مع زوجته وطفليه ، عازما على نزهة نهرية وعد بها أسرته منذ أشهر. ويقول أحمد ان النزهة النهرية هذه ، أصبحت حديث زملاء العمل والجيران ولهذا قرر تجربتها للمرة الاولى في حياته. وعانى دجلة في بغداد وبقية أنهر العراق من غياب تام للزوارق منذ عام 2003 ، حيث نُهِب قسم منها ، وتضرّر القسم الآخر فلم يعد هناك امكانية لاستخدامه ، كما ان النهر نفسه لم يعد صالحا للنزهة والسياحة النهرية بسبب كثرة الجثث الطائفية فيه لاسيما في السنوات الستة الاولى التي اعقبت غزو العراق .

وبحسب المهندس عصام عامر من الشركة العامة للنقل البحري فان المشاريع القادمة ستجعل من النهر حاضنة للقوارب الحديثة والمراسي وأماكن الراحة العائمة. ولم تعد ضفة دجلة تزدحم بالقوارب فحسب بل ، عادت الروح ايضا الى فعاليات الصيادين لاسيما الهواة الذي يقضون اوقات ممتعة وهم يصطادون الاسماك من النهر. وبسبب الانتشار الكثير للقوارب في النهر ، يشير ضابط الشرطة النهرية علي حسن الى ان السلطات اضطرت الى تحديد مسارات الزوارق لكي تقلل من الاخطار المحتملة ومنها الغرق . وتابع قائلا: تعمل الشرطة النهرية بمساعدة غوّاصين أكفاء على رصد المخاطر ومعالجة الموقف. وكان نهر دجلة شهد في شباط من هذا العام غرقْ المركب العائم لمطعم لبناني عائلي في منطقة الجادرية جنوب بغداد، حيث كان على ظهره ما يقارب الـ100 شخص أغلبهم من النساء والأطفال.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

915 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع