مجموعة الرأي/ لندن - عن الانتخابات ومجلس النواب في العراق
تعتبر الانتخابات آلية من آليات الديمقراطية وليست هي الديمقراطية كما يجري الحديث عنها في العراق بعد احتلاله عام 2003 وما قبله، وجرت انتخابات واستفتاءات عديدة خلال الفترة هذه، ولكن الانطباع العام عنها، انها غطاء شكلي لمفهوم الديمقراطية، التي تدعي القوى المتنفذة في العراق بها. فضلا عن الحديث عن التزوير والتلاعب في النتائج والأولويات وصولا إلى خرق مستمر لما تم الاتفاق عليه بين من اشترك في العملية السياسية، كما يسمونها، والتي لم تقدم حلا بديلا لكل الادعاءات التي أعلنت أو سوقت للشارع العراقي.
والدليل هو الحراكات الشعبية المستمرة والتي قدمت قرابين تعدت المئات من الأبرياء والالاف من المصابين، الذين خرجوا احتجاجا على زيف العملية السياسية وفشل الإدارات الحكومية التي تقدمت المشهد السياسي، باعتراف وجوه بارزة فيها. وكانت أخرها ما حصل في المدن الجنوبية والوسطى والعاصمة بغداد منذ تشرين الاول العام الماضي، والتي رفعت شعارات واضحة عن خيبة الشعب العراقي من العملية السياسية وأمله في التغيير والاصلاح الشامل.
من بين الإجراءات التي تمت إسقاط الحكومة السابقة ( التي رأسها عادل عبد المهدي) والاتيان بحكومة جديدة، (برئاسة مصطفى الكاظمي)، خارج سياق التصريحات السابقة، الدستورية والعرف السياسي، وحتى شعارات ساحات الحراك الشعبي، وطرحت لتجميل صورتها موعدا لانتخابات مبكرة في حزيران القادم. ولكنها كسابقاتها تقول بالوعود ولا توفر الإمكانات المطلوبة والقواعد القانونية والعملية لها، حيث لازال الكلام عن الانتخابات تصريحات إعلامية اكثر منه عملا جديا، وفي الواقع لا يمكن أن تتم الانتخابات دون قانون لها معترف به وجديد في صياغته وأسلوبه ليحقق فعلا انتخابا وتمثيلا نزيها، ولابد من تفعيل قانون الأحزاب التي تتزايد كالفطر دون برامج سياسية ولا مصداقية واقعية لضرورتها التاريخية، كما يتطلب مراقبة محكمة اتحادية مكتملة النصاب وقادرة على الاشراف على الانتخابات بنزاهة وأمانة وفوق كل هذا لا شفافية في سير العملية الانتخابية من مفوضيتها العليا الى سيرها العملي وتطبيقاتها. الأمر الذي يشير بأنها عملية قيصرية لولادة عسيرة لمجلس نواب اخر، لا يغير من تركيبته الطائفية والإثنية، ولا يصلح ما آلت اليه أوضاع البلاد والعباد. في الوقت الذي ينعم فيه أعضاء المجلس برواتب ومخصصات خيالية وامتيازات لم يحظ بها أي عضو برلمان في أية دولة في العالم، من اغناها إلى افقرها. وهو ما يضيف على الانتخابات عبئا يرهق ميزانية الدولة ولا يقدم البديل الوطني الذي يخدم الدولة العراقية ويغير في المشهد السياسي القائم . فضلا عن العجز في أداء مهمات البرلمان وتطبيق قراراته.
أن الانتخابات الحقيقية هي التي تتم على أساس قانون انتخابات عادل، ومفوضية مستقلة وقانون أحزاب ديمقراطي وشفافية كاملة ومصداقية وطنية، يتحقق منها تمثيلا فعليا للشعب، وتجدد العملية السياسية بما يخدم الوطن الحر والمستقل. وهذا مطلب الانتفاضة والحراك الشعبي، والاصرار عليها كطريق حضاري سلمي للإصلاح أجمع كل العاملين في المشهد السياسي الان عليه، ولابد منها لانقاذ العراق من سوء ما وصلت إليه احواله، بالتخلص من المحاصصة الطائفية والاثنية والفساد والزبونية وضياع هيبة الدولة وصراع الزعامات على حساب تشويه صورة العراق في الواقع المحلي وعند المحافل الدولية.
لقد قدمت التجربة التي مرت على العراق خلال سنوات ما بعد 2003 نماذج إنتخابية سلبية ومخيبة للامال الوطنية وكشفت عن خسارة كبيرة على جميع الصعد والمستويات، واهمها بناء الدولة الوطنية. وهنا السؤال عنها والجواب عليه بالعمل الجاد من أجل مشاركة شعبية عريضة على أساس برامج وطنية ومشاريع تقدمية والانتقال الفعلي لعراق جديد. فما هي الاحتمالات والخيارات الحقيقية لقيام انتخابات نزيهة هذه المرة، إذا أريد اجراؤها فعلا؟
خيارات معقدة
هنا خياران لا يتمتعان بثقة او وفاق :أولها الاشراف الدولي من الأمم المتحدة والمنظمات المستقلة عن دول الاحتلال ودول الجوار ، وثانيها التعويل على توازنات الكتل الحاكمة بعد ان تشرذمت وأصبحت مهددة داخليا وخارجيا.
• تجربتنا مع الامم المتحدة ليست مشجعة، مع تقدير الموقف المشرف لبعض ديبلوماسيها وقت الحصار كهانز سبونيك و دنيس هاليدي. وليس واضحا مسيرتها وقدرتها على استرجاع دور التحكيم والحكمة بعد هزيمة اليمين المتطرف بأمريكا وتعاظم ضعف المعسكر الغربي. والحال أسوأ مع الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
• ومن جهة أخرى تنعدم الثقة بالاحزب الحاكمة التي لايراها اغلب العراقيين الا مجموعات من أمراء الاحرب، والعوائل الاقطاعية – الدينية - السياسية و اللصوص المتوافقين على توزيع الريع النفطي فيما بينهم مع حصص في وظائف الدولة، والعقود، وإجازات الاستيراد والعقارات. ولم تبدر اية مؤشرات انها مستعدة لاعادة الدولة والقنون واحترام إرادة الناس ما دام لديهم مالهم وسلاحهم وزبائنهم المعتمدين معاشياً عليهم كما في نمط الاقطاع القديم.
• ويبقى الخيار الثالث الوطني، أي نهوض جبهة عريضة من خارج الكتل المتسلطة، الامل الاوضح لاستعادة البلد عافيته، وفرض انتخابات نزيهة عبر آليات جديدة. ووجوده عامل رئيسي سواء في مسار الاشراف العالمي على الانتخابات، ومسار اضطرار السياسيين انفسهم لالية اكثر عدالة من الماضي. وهذا الخيار الوطني قد تصاعد بانتفاضة تشرين ٢٠١٩ المجيدة التي برز فيها الجامعيون المحرومون من العمل والكرامة، من بين ما يزيد عن المليون ونصف عراقي وعراقية من خريجي المعاهد والجامعات منذ الاحتلال، بكفاءات تفوق ما لدى جماعات اللصوص الحاكمة. لقد تدخلت جميع الأطراف الخارجية والداخلية لاستثمار هذه الانتفاضة او حرفها. لكن الشباب المنتفض قد اثبت انه هو أيضا قادر على استثمار تناقضات خصومه ، محافظا على ثباته واستعداده للتضحية، بمئات من الشهداء والاف من الضحايا الاخرين.
بدون نضوج البديل الوطني، لا يمكننا إنتظار الخير من الوضع العالمي الجديد بعد هزيمة اقصى اليمين في أمريكا وانحساره عالميا ، أي أن يسترجع العالم بعض التوازن ويعي ضرورة استعادة الشرعية والحكم الوطني في بلدان مثل العراق بالتعويل على قرارات تسندها انتخابات نزيهة، في العراق كما في بقية العالم.
سعد ناجي جواد ، كاظم الموسوي، صباح المختار ، منذر الاعظمي
3943 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع