شفق نيوز/ أثارت الدعوة السعودية الصادرة ليل أمس الجمعة لرعاياها في لبنان إلى المغادرة "السريعة"، الكثير من القلق بين اللبنانيين، واستغرابهم أيضاً إذ باعتقادهم أنه ما من شيء استثنائي يجري يتطلب هذا الاستدعاء الليلي العاجل، برغم الأجواء المحلية والإقليمية التي تتسبب بالكثير من التوجس.
وبحسب مراقبين صرّحوا لوكالة شفق نيوز، فإن أموراً كثير تجري في المنطقة وتحتاج إلى مراقبة وتدقيق، منها تأخر السعوديين في إعادة فتح سفارتيهما في طهران ودمشق، إلى توتر ملف حقل الدرة الغازي في الخليج بين الرياض والكويت وطهران، وكذلك اشتباه المسؤولين العراقيين بوجود مخططات لتوتير الوضع الأمني العراقي خصوصاً بما يتعلق بحوادث حرق القرآن المتكررة.
وإلى جانب الهجمات المفاجئة التي تعرضت لها قوات الأمن المصرية قبل أيام ومقتل وإصابة العشرات في اعتداءات يُعتقد أن تنظيم داعش يقف خلفها، بالإضافة إلى عودة التوتر لبعض الجبهات السورية والغارات التي يشنها الروس والسوريون على مواقع لتنظيم جبهة النصرة الإرهابي، خصوصاً في محافظة إدلب.
الإنذار السعودي الليلي
وكانت السفارة السعودية في لبنان قد أصدرت بياناً ليل أمس الجمعة تحذر رعاياها من التواجد والاقتراب من المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة في لبنان، مطالبة السعوديين بمغادرة الأراضي اللبنانية بسرعة وأهمية التقيد بقرار منع سفر السعوديين إلى لبنان، ودعتهم إلى التواصل معها للحالات الطارئة على رقم هاتفي محدد.
ثم تبعتها السفارة الكويتية في لبنان والتي ناشدت مواطنيها المتواجدين في لبنان التزام الحيطة والحذر والابتعاد عن مواقع الإضطرابات الأمنية في بعض المناطق والتقيد بالتعليمات الصادرة عن السلطات المحلية المختصة. ولم توجه السفارة الكويتية دعوة لمواطنيها للمغادرة لكنها دعتهم إلى التواصل معها على رقم طوارئ خاص.
وفي الوقت نفسه، طلبت السفارة الألمانية من رعاياها في لبنان التواصل معها وتحديث بياناتهم وأماكن تواجدهم والابتعاد عن أي منطقة اشتباكات.
اشتباكات عين الحلوة
ولم تحدد السفارات الثلاث مواقع الاشتباكات التي تشير إليها، إلا أنه تدور منذ أيام عدة مواجهات مسلحة داخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، وهو يقع في مدينة صيدا، كبرى المدن في الجنوب اللبناني، وبعيدة عن العاصمة بيروت مسافة نحو 40 كيلومتراً، ومن غير المعتاد أن يزورها السياح السعوديين أو الكويتيين، خصوصاً الآن في ظل المواجهة المسلحة التي جرت بين تنظيم فتح وجماعات إسلامية مسلحة داخل المخيم نفسه وأوقعت عشرات الضحايا بين قتيل وجريح.
وبحسب المعلومات المتوفرة، فإن حدة التوتر في المخيم الفلسطيني، وهو الأكبر في لبنان والأخطر تسليحاً، تراجعت بقوة خلال اليومين الماضيين، مع دخول وساطات فلسطينية ولبنانية عديدة لتهدئة الموقف، فيما فرض الجيش اللبناني إجراءات أمنية مشددة في محيط المخيم الفلسطيني وعند مداخله لمنع امتداد الاشتباكات إلى صيدا نفسها.
وفي ظل ظهور تكهنات باحتمال قيام الجيش اللبناني بعملية عسكرية داخل المخيم، وهو احتمال مستبعد تماماً بحسب العديد من المراقبين، اضطر الجيش إلى إصدار بيان اليوم يقول فيها إن "بعض مواقع التواصل الاجتماعي تداولت معلومات نقلاً عن مصدر عسكري حول تحضير الجيش لتنفيذ عملية عسكرية في مخيم عين الحلوة، ويهم قيادة الجيش أن تنفي صحة هذه المعلومات، وتؤكد أنها تتابع بدقة الوضع الأمني في المخيم. كما تشدد على ضرورة العودة إلى بياناتها الرسمية حصرا للحصول على المعلومات".
انفجار مرفأ بيروت
ومع ذلك، فإن البيان السعودي المباغت ليلاً أثار بلبلة واسعة، بتزامنه مع الذكرى السنوية الثالثة لانفجار مرفأ بيروت الذي أوقع أكثر من 230 قتيلاً وآلاف الجرحى ودمر أحياء واسعة في العاصمة، بينما لم تصل التحقيقات في الانفجار إلى أي نتيجة واضحة.
كما أن البيان التحذيري السعودي جاء في ظل مؤشرات مشجعة على حركة سياحية كبيرة يشهدها لبنان، حيث تضع التقديرات أرقام الواصلين بنحو مليوني شخص، يأمل اللبنانيون أن يساهموا في تحريك العجلة الاقتصادية المنهارة في البلاد.
وتراوحت التقديرات والقراءات في البيان السعودي، ما بين التخوف من انفجار الوضع في مخيم عين الحلوة، بل وبعض الاتهامات للسعودية بتورطها في إشعال فتيل التوتر في المخيم الفلسطيني، وصولاً إلى التحسب من احتمال توتر الوضع جنوباً مع إسرائيل التي يواجه رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو أزمة داخلية حادة وترت علاقته مع واشنطن، ولا يستبعد معلقون إسرائيلون من احتمال قيامه بالبحث عن "مهرب" خارجي، بعمل عسكري أو أمني في الساحات المحيطة، من غزة والضفة الغربية، إلى لبنان أو سوريا.
حقل الدرة
كما تتشكل هذه المناخات على أجواء بروز ملف متوتر في علاقات السعودية والكويت مع إيران، فقبل أيام، أصدرت وزارة الخارجية السعودية بياناً قالت فيه إن "المملكة والكويت تجددان التأكيد على أن ملكية ثروات حقل الدرة الطبيعية مشتركة بين البلدين فقط.. وندعو إلى التفاوض على أساس أن المملكة والكويت طرفاً تفاوضياً واحداً وإيران طرف آخر وفق القانون الدولي"، بينما ردت طهران على هذا البيان بالتأكيد على ملكيتها للحقل واستعدادها للدفاع عن حقوقها فيه.
سوريا والسعودية
وترافق ذلك، مع أنباء تتحدث عن تأجيل السعودية عمليات ترميم سفارتها في حي المزة في دمشق في ظل تكهنات بتعثر جهود التطبيع بين الرياض ودمشق، حيث تداول الإعلام السعودي في الفترة الماضية أن العديد من بنود التطبيع الذي كان متوقعاً، منذ عودة سوريا إلى حضن الجامعة العربية، لم يتحقق حتى الآن، ومن بينها التصدي لعمليات تهريب المخدرات وتقليص الحضور الإيراني في سوريا.
وبرغم استعادة الرياض علاقتها الدبلوماسية مع دمشق إلا أنها لم تفتتح سفارتها حتى الآن والتي كان بدأ نشاط ترميمها في آذار/ مارس الماضي، فيما كان من المتوقع تعيين السفير السعودي الجديد في العاصمة السورية في حزيران/ يونيو الماضي.
الرياض وطهران
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه برغم مجيء وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان إلى طهران في حزيران/ يونيو الماضي، إلا أنه لم يفتتح السفارة السعودية قائلا إن ذلك سيحدث "قريبا"، من دون أن يحدد موعداً لذلك، برغم أن نحو خمسة شهور قد مرت على الاتفاق التاريخي الذي جرى برعاية صينية بين السعودية وإيران في بكين.
الدور السعودي في لبنان
ولبنانياً، فأنه من المعلوم أيضاً أن السعودية تعتبر لاعباً حاسماً في تقرير مصير العملية السياسية في لبنان، وهي شاركت مؤخراً في اجتماع اللجنة الخماسية حول لبنان في العاصمة القطرية الدوحة (تضم الولايات المتحدة وفرنسا ومصر وقطر أيضاً)، ولم يتم التوصل إلى حلول أو اتفاق حول اسم المرشح الأمثل لتولي رئاسة الجمهورية بعد نحو تسعة شهور على شغور الموقع الرئاسي الأول في لبنان.
وهناك تقديرات لمراقبين بأن السعودية لم تحسم موقفها بالنسبة لانتخابات الرئاسة في لبنان، بانتظار تبلور تداعيات تفاهماتها التاريخية مع إيران أولاً، حيث تعتبر الرياض أنها ليست مضطرة إلى تقديم "تنازلات" سياسية في لبنان، قبل جني ثمار الوساطة الصينية مع الإيرانيين، وخصوصاً في الملف الأكثر أهمية وهو ملف الحرب في اليمن.
"الأوضاع لا تستدعي القلق"
وفيما يعكس عدم التفهم اللبناني للموقف السعودي المفاجئ ببيان سفارتها في بيروت، أعلن مكتب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اليوم أنه تابع مع وزيري الخارجية عبد الله بو حبيب والداخلية بسام مولوي، التطورات المتصلة بالبيانات التحذيرية الصادرة عن سفارات السعودية والكويت وألمانيا لرعاياها في لبنان.
وأضاف أنه "بنتيجة البحث مع القيادات العسكرية والأمنية، أفادت المعطيات المتوفرة أن الوضع الأمني بالإجمال لا يستدعي القلق والهلع، وأن الاتصالات السياسية والأمنية لمعالجة أحداث مخيم عين الحلوة قطعت أشواطاً متقدمة، والأمور قيد المتابعة الحثيثة لضمان الاستقرار العام ومنع تعكير الأمن أو استهداف المواطنين والمقيمين والسياح العرب والأجانب".
وبينما طلب ميقاتي من وزير الخارجية التواصل مع الأشقاء العرب لطمأنتهم على سلامة مواطنيهم في لبنان، فإنه طلب من وزير الداخلية دعوة مجلس الأمن المركزي للانعقاد للبحث في التحديات التي قد يواجهها لبنان في هذه الظروف الإقليمية المتشنجة، واتخاذ القرارات المناسبة لحفظ الأمن في كل المناطق اللبنانية.
1427 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع