د. اسعد شريف الامارة
معهد لتعليم التحليل النفسي" من فرويد إلى لاكان "
رابطة الفضاء الفرويدي الدولي " عيون الكلام " ALYP
التحليل النفسي ليس علم له حدود ، أو له نهاية كما له بداية ، أو نظريات توضع فروضها وتختبر مثل باقي النظريات ، التحليل النفسي هو معرفة واسعة بالنفس ، ومعرفة النفس لا تنتهي لأنها دينامية متجددة مما يعطي ديمومة المعرفة ومسايرتها للعالم الخارجي للإنسان ، فضلا عما يدور في النفس في مواجهة أحداث الحياة اليومية ، ويقول المحلل النفسي الألماني " ليون . س. برينر " في محاضرة له بعنوان تكوين المحلل النفسي ، في رابطة الفضاء الفرويدي الدولي في باريس يوم 21 / 11 / 2024 لطلبة التحليل النفسي في الرابطة والباحثين والاطباء العرب والاجانب ، كل تحليل نفسي هو نقد للمجتمع ، لأن المجتمع يتغير باستمرار ، ونقول بأن النفس البشرية تواكب هذا التغيير مما يجعلها في مواجهة مستمرة بين النفس والتغيرات البيئية الخارجية ، لذلك فإن التحليل النفسي لا ينفصل عن السؤال المركزي حول كيفية دخول الحقيقة في حياة الإنسان كما يقول جاك لاكان المحلل النفسي الفرنسي ومجدد فكر سيجموند فرويد، ويضيف أيضًا أن بعد الحقيقة ، غامض وغير قابل للتفسير ، ولا شيء يُمكن من ضبط ضرورته ، لأن الإنسان يتعايش مع عدم الحقيقة .
يتعلم الفرد في هذا المعهد المتخصص في تعليم التحليل النفسي كيفية تأهيل محلل نفسي معالج وكذلك دراسة منظمة عن كيفية التفسير والتحليل في موضوعات الحياة المعاصرة وأزماتها مستندًا في ذلك أن بعض الناس يسقطون ضحايا هذا التغيير فنجد الكثيير في المجتمعات المتحضرة ، أو الأقل تحضرًا يسقطون صرعى العصاب " الاضطرابات النفسية " مثل القلق – الحصر ، المخاوف المرضية " الفوبيا" ، الاضطرابات النفسجسمية ، الاكتئاب النفسي ، توهم المرض ، الوساوس ، وكذلك الاضطرابات الذهانية " العقلية" مثل الفصام ، برانويا العظمة والاضطهاد ، وأنواع الهوس ، والاكتئاب العقلي السوداوي – الميلانخوليا . كل تلك يتعلم الدارس في هذه الرابطة المتخصصة أساليب متنوعة في مجال العلاج النفسي التحليلي .
يتعلم الباحث أيضًا في التخصص النفسي التحليلي ليس فقط أساليب العلاج النفسي ، وإنما مدخل نفسي لمعرفة خبايا الاعلام والسياسة والتفسير النفسي التحليلي للفنون والأداب ، واللغة وهي منبع اللاوعي – اللاشعور ومعرفة تلك الأثريات الانثروبولوجية وإنعكاسها على السلوك المعاصر في حياة الشعوب .
عودنا التحليل النفسي على الاعتقاد بأن الوعي ليس سوى قشرة خارجية وأن العلم هو البحث عن المخبوء ، لا يُفسر المعلوم إلا بالمجهول وهذا المجهول هو ما يكون تحت الظاهر كما دونه لنا روجيه باستيد في كتابه السوسيولوجيا والتحليل النفسي ، ويضيف " باستيد " قوله تنبأ ميشيل فوكو بالتكوين القادم للغة مشتركة تجمع كل العلوم الأنسانية وقد تكون كلام اللاوعي – اللاشعور ، لأن الاثنولوجيا ، مثل التحليل النفسي ، لا تستجوب الإنسان بذاته ، بل تلك المنطقة السرية التي تجعل أية معرفة عن الإنسان سهلة ، لأنها تتوصل إلى معايير يتمم الناس ، انطلاقًا منها ، الوظائف الحياتية ، القواعد التي يحافظون من خلالها على حاجاتهم ، من هنا يستشف ميشيل فوكو إمكانية وجود اثنولوجيا تحليل نفسية ، وإن كانت رؤية التحليل النفسي الفرويدي تختلف عن رؤية فوكو .
يتناول تعلم التحليل النفسي في رابطة الفضاء الفرويدي " عيون الكلام " دور اللغة عند الإنسان ، استنادًا على مقولة الإنسان بما هو إنسان بقدر ما هو يتكلم ، ويذهب بعيدًا في دراسة اللغة وتأثيرها في وجود الإنسان .
التحليل النفسي تشكيل جديد للاوعي – للاشعور وهذا ما يمكن لمسه في دراسة التحليل النفسي في هذا الملتقى العلمي الثقافي الفكري ويقوم بتعليم أساليب التأويل ونحن نعرف ويعرف معنا من يهتم بالمعرفة النفسية المعمقة بأن التأويل في التحليل النفسي يعطيه معنى. يدرس التحليل النفسي الرمزية بمختلف أنواعها في الحياة اليومية المعاشة وفي الحلم ، ويدرس الهفوات وزلات اللسان والقلم . يطرح التحليل النفسي في دروسه العلمية – النفسية العميقة بأن هذيان المريض يحمل معنى ودلالة ، وهو بنفس الوقت يحاول معرفة الصراع النفسي بين قطبيه الأطروحة والأطروحة المضادة ، وكما يقول العلامة مصطفى زيور أن الهذيان محاولة لاستعادة ديالكتيك الوجود مع الآخر بعد انقطاع . وكما قدمت المدرسة الفرويدية وأصولها في تكوين الاضطرابات النفسية والعقلية والانحرافات بعدًا عميقًا في التكوين المرضي عند الإنسان ، فإن تصنيف جاك لاكان لم يبتعد عن رؤية سيجموند فرويد بل عمق هذا الرؤية حينما صنف الاضطرابات بثلاثة أنواع * بنية العصاب ، * بنية الذهان ، * بنية الانحراف ، وكان يقصد "لاكان" بذلك التصنيف هو أن يبعد وصمة العار أو الدونية وربما التقليل مما يعانية مريض النفس أو العقل ، لذا فإن هذا التصنيف ليس فيه وصمة عار ، مخجلة بقدر ادعاء البعض هذا مريض ، وهذا سليم . وخلاصة القول أن تعلم التحليل النفسي كتدريب للعلاج النفسي التحليلي ، أو معرفة ثقافية أو لمعرفة عالم الابداع والفنون والأدب وحياة الإنسان المعاصرة بكل تناقضاتها التي تسبب الاختلال النفسي ، فإنه " اي التحليل النفسي" هو ممارسه إجتماعية تمس الفرد بكينونته وعمقه ، والمجتمع بكل تكوينه وما ورث من قيم وعادات وتقاليد ولغة وما تحويها من بعد لاواعي – لاشعوري عبر الأجيال .
719 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع