إدمان أحد طلابها كان بداية انطلاق الفكرة
باحثة نفسية وتربوية غيّرت اختصاصها المهني من أجل عراق خال من المخدرات.
دفع انتشار المخدرات في البيئة التربوية العراقية بالباحثة التربوية والنفسية إيناس كريم إلى ترك مهنة التدريس والعمل كمرشدة نفسية والتفكير في إنقاذ الشباب من الإدمان؛ حيث أسست أول منظمة لمكافحته وأطلقت عليها اسم “نقاهة لعراق خال من المخدرات”، كما نظمت الورش والندوات التي تتناول المسائل ذات العلاقة بالمخدرات من أجل التوعية بمخاطرها.
العرب/بغداد - “أعتقد أن الأمر لم يكن سهلاً؛ أعني أن أرى كل هذه الحالات أمامي ولا أنهار، خاصة بعدما اكتشفت أن أحد طلابي الطيبين مدمن على المخدرات، وأنه دون أن ينتبه وصل إلى مرحلة سيئة للغاية، جعلته صامتا ومنعزلاً، ثم بدأ التغيب شيئا فشيئا. صرت أسأل نفسي كتربوية ومدرّسة قبل كل شيء: ماذا أفعل؟ وما هو دوري لإنقاذ هذا المسكين؟”، هكذا بدأت إيناس كريم تروي لوكالة الأنباء العراقية حكايتها مع مكافحة المخدرات.
إيناس صاحبة الـ33 عاما هي باحثة نفسية وتربوية، جادة للغاية بطريقها الذي اختارته؛ فبعد أن عملت في سلك التدريس لسنوات قررت فجأة أن تتركه وتعمل كمرشدة نفسية، تأخذها قدماها من مكان إلى آخر من أجل مكافحة إدمان المخدرات والتوعية بمخاطره، من خلال تأسيسها لمنظمة “نقاهة لعراق خال من المخدرات”. وهي الأولى التي تستقطب المدمنين وتعمل على علاجهم نفسياً وإعادة دمجهم في المجتمع.
وتوضح إيناس في حديثها لوكالة الأنباء العراقية أنها شعرت بالخوف حينما أدركت أن المخدرات قد تنتشر في البيئة التربوية بعدما علمت بأمر أحد طلبتها؛ ما جعلها تحاول على الأقل كمواطنة، مثلما تصف نفسها، التوعية بمخاطر هذا الأمر، فارتأت دراسته وغيّرت اختصاصها المهني. وعلى مدى أكثر من سنة جمعت الكثير من المعلومات وتدربت على طرق التعامل مع المدمنين.
وتقول “رسمت خطة صغيرة لي في بادئ الأمر، تشمل إعداد الورش والندوات التي تكافح المخدرات في العراق، وذلك لانتشارها الهائل والمرعب في البلاد، إننا ربما لا نستوعب خطرها، لكنها فتاكة ومحطمة، وتخترق عقول المراهقين والشباب دون رحمة، فعملت على التنسيق بين منظمتي الخاصة وبين مؤسسات الدولة العلاجية حتى نستطيع توعية وعلاج أكبر عدد ممكن من الشباب”.
وتبين إيناس أنها استطاعت توسيع عملها في منظمتها، من خلال الوصول إلى المدمنين واحتوائهم، وحتى توفير العلاج لهم، وربطهم بمراكز التأهيل والمستشفيات. لكن إذا رفض المدمن العلاج فإنها لن تتركه، بل تبذل مجهوداً أكبر من خلال تواصلها المستمر مع المرضى وبقائها معهم أثناء دوراتهم العلاجية لتقدّم إليهم الدعم النفسي وتشجعهم.
وتابعت “أقضي شهوراً كاملة، متنقلة من مستشفى إلى آخر، فقط من أجل البقاء معهم. بعضهم لا يرفض العلاج ليأسه، بل لكونه يشعر بالخوف من عودته إلى المجتمع مرة ثانية، وكيفية استقباله له، لكني أعدهم بتوفير الفرص لهم مرة أخرى، إذ بعد خضوع المُدمن للعلاج والتأهيل النفسي نقوم بتدريبه على مهنة معينة حتى يستطيع الحصول على فرصة عمل سريعة، لأنه من الضروري ألا يبقى المدمن عاطلاً عن العمل عقب علاجه”.
ويعاني كل من يحاول العلاج من نقص الأماكن المخصصة لمشكلة الإدمان على المخدرات، حيث توجد في بغداد ثلاثة مستشفيات فقط للتأهيل الاجتماعي وعلاج هذا الإدمان، وهي “القناة للتأهيل الاجتماعي” و”العطاء” و”ابن رشد”. وتوجد بعض مراكز التأهيل في بعض المحافظات ولا توجد مثل هذه المراكز في المناطق الأخرى مما يعرقل فرص العلاج للراغبين في الإقلاع عن المخدرات، حيث يضطرون للسفر إلى بغداد من أجل الحصول على العلاج.
وأشارت كريم إلى أن “توفير هذه المراكز سيسهم بشكل كبير في مكافحة آفة الإدمان وتحسين جودة الحياة للمجتمع العراقي بشكل عام، ويعتبر توفير مستشفيات علاج الإدمان في جميع أنحاء العراق خطوة ضرورية لمعالجة هذه الآفة المنتشرة”.
وتضيف أنها من خلال عملها الذي يدخل عامه الثالث تمكنت بواسطة منظمتها من مساعدة وعلاج أكثر من 2300 شخص من كلا الجنسين، لكن للأسف، بعد الشفاء يعود بعض المدمنين إلى تعاطي المخدرات. وتشير الإحصاءات إلى أن المخدر الأكثر انتشاراً في العراق هو مادة الكريستال، بالإضافة إلى مادة الكبتاغون. وأسعار هاتين المادتين منخفضة مقارنة ببقية المواد المخدرة، ولا تزالان تشكلان خطراً جسيماً على صحة المدمنين الجسدية والنفسية.
وتعتبر فئة الشباب والمراهقين الأكثر استهدافاً من قبل التجار الذين يبدأون بتوزيع المواد المخدرة بشكل مجاني، مستغلين مشاكلهم المادية والعائلية والعاطفية، حتى التأكد من بداية إدمانهم لابتزازهم وأخذ المال، الأمر الذي تسبب في حدوث كوارث في البلاد وجرائم لا حصر لها خلال السنوات الماضية. وسبق أن قتل مدمنون آباءهم وأمهاتهم من أجل الحصول على المال لشراء المواد المخدرة.
إن الظاهرة المدمرة لترويج المواد المخدرة بين الشباب تثير قلق إيناس التي تؤكد لوكالة الأنباء العراقية أن بعض الشباب يروجون لتلك المواد بذريعة أنها تساعدهم على استيعاب دروسهم بشكل أفضل، أو أنها مجرد فيتامينات ومقويات.
وأوضحت “يشعر الشاب -أو الشابة- بعد تعاطيه هذه المواد بسعادة مؤقتة، ولكن بعد مرتين أو ثلاث مرات من التعاطي يكتشف أنه بحاجة إليها، ويتحول إلى مدمن، وهذا ما يجعله ضحية للمتاجرين بالمخدرات الذين يستغلون حالته ويستدرجونه ليصبح مروجاً وتاجراً لتلك المواد الضارة”.
كما تواجه إيناس الكثير من المصاعب بسبب عملها في هذا المجال، إذ غالباً ما تتلقى المشاكل لكونها امرأة، موضحة أنه في البداية لم يتعاون معها أي أحد، سواء من الدولة أو من غيرها.
وتضيف “غايتي هي مساعدة المدمنين الذين يخشون كل شيء حتى أهاليهم وردود أفعال المجتمع، إنهم بحاجة إلى الدعم والاحتواء، لذلك تعالج المنظمة الشباب من كل المحافظات، لا نفضّل منطقة على أخرى، في كل مكان تمتلك المنظمة متطوعين ضد مخاطر الإدمان، يساعدون أي مدمن في الحصول على فرصة للعلاج من الإدمان”.
وتنتشر المخدرات وتباع وتوزع في المناطق الفقيرة والمحرومة في بغداد العاصمة والمحافظات الأخرى، وخاصة منها الجنوبية. ولا توجد إحصائية رسمية منشورة لأعداد المتعاطين للمخدرات في البلاد، ولكن حسب مسؤولين أمنيين تنتشر المخدرات بين الشباب من كلا الجنسين.
وحسب عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية السابق علي البياتي، فإن الأعداد المعلنة رسميا للعام الماضي 2022 تمثلت في اعتقال 14 ألف شخص بين متعاط ومتاجر، بينهم 500 من النساء والأحداث، حيث تقوم عصابات الاتجار باستغلالهم لغرض الترويج والنقل.
ولفت البياتي إلى أن المخدرات تنتشر أكثر في المناطق الفقيرة والمدن التي تعاني نسب بطالة عالية، حيث تصل نسبة التعاطي بين الشباب في المناطق الأكثر فقرا إلى 70 في المئة.
وعزا زيادة انتشار المخدرات إلى غياب الحلول التي تعالج الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وقلة الوعي، وكذلك إلى عدم وجود تقنيات حديثة للكشف عن المخدرات في المناطق الحدودية، وتورط جهات سياسية ومجاميع مسلحة، وغياب مراكز التأهيل في العراق.
1070 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع