الانقلاب على محمد مصدق عام ١٩٥٣: كيف تغيرت إيران تماما

 حدث غيّر شكل الحياة في إيران

سبعة عقود لم تكف إيران لتستعيد عافيتها بعد الانقلاب الذي أطاح برئيس الوزراء محمد مصدق، بل دخلت في توترات كبيرة مع الولايات المتحدة وعقوبات اقتصادية ونظام سياسي ديني يخنق الحقوق والحريات ويدفع الإيرانيين للنزول إلى الشوارع مطالبين بأبسط حقوقهم والدخول في مواجهات مع السلطة.

العرب/طهران - مرت سبعون عاما على الانقلاب الذي دبرته وكالة المخابرات المركزية الأميركية والذي أطاح برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق، ولا يزال مثيرا للجدل ومعقدا بالنسبة إلى إيران مع استمرار توتراتها مع الولايات المتحدة.

واعتبرت الثيوقراطية الإيرانية مصدق رمزا للإمبريالية الغربية، وبدا الانقلاب الذي أطاح برئيس الوزراء بسبب مخاوف الولايات المتحدة من ميله المحتمل نحو الاتحاد السوفييتي وفقدان النفط الخام الإيراني في ذلك الوقت مدعوما من رجال الدين الشيعة البارزين في البلاد.

لكن التلفزيون الحكومي الإيراني المتشدد يبث اليوم مقاطع تصف الانقلاب بالدليل الذي يظهر كيف لا يمكن الثقة بالولايات المتحدة، بينما تمنع السلطات عامة الشعب من زيارة قبر مصدق الواقع في قرية خارج طهران.

وتعدّ هذه الصراعات شائعة في إيران، حيث من الممكن سماع عبارة “الموت لأميركا” في صلاة الجمعة في طهران، بينما يقول الكثيرون في شوارعها إنهم يرحبون بعلاقة أفضل مع الولايات المتحدة، ولكن مع تلاشي ذكريات الانقلاب مع الذين عاشوا خلال هذه الفترة، أصبح التحكم في رمزيته أكثر أهمية لحكومة البلاد وشعبها.

الانقلاب يمثل بالنسبة إلى المرشد الأعلى تهديدا من الولايات المتحدة، من خلال العقوبات الاقتصادية أو الاحتجاجات

وقالت رانا وهي رسامة تبلغ من العمر 24 عاما “ربما فعلت الولايات المتحدة ذلك خوفا من قوة الاتحاد السوفييتي الناشئة. لكن الأمر يشبه الرغبة في حدوث زلزال للتخلص من جار سيء”. وتحدثت إلى وكالة أسوشيتد برس ولم تذكر لقبها خوفا من الانتقام، حيث لم تتلاش الضغينة بالنسبة إلى الإيرانيين.

وخلع مصدق (1882 – 1967) في عملية مشتركة بين المخابرات الأميركية والبريطانية سميت بعملية “أجاكس”، ولم تعترف الولايات المتحدة بمسؤوليتها فيها إلا في عام 2013 بنشر معظم الوثائق الحكومية التي كانت سرية في السابق وأظهرت أن الحكومة الأميركية كانت مسؤولة عن التخطيط للانقلاب وتنفيذه، بما في ذلك رشوة الساسة الإيرانيين، وكبار المسؤولين الأمنيين والجيش.

ونشأ انقلاب أغسطس 1953 بسبب مخاوف الولايات المتحدة من رغبة الاتحاد السوفييتي المتزايدة في التوسع على حساب إيران مع تحريض الشيوعيين داخل البلاد. ومهّد البريطانيون الطريق جزئيا، حيث أرادوا استعادة الوصول إلى صناعة النفط الإيرانية التي أممها مصدق في وقت سابق.

ورغم أن الانقلاب بدا فاشلا في البداية، إلا أنه أطاح بمصدق وعزز سلطة الشاه محمد رضا بهلوي. كما أشعل الثورة الإسلامية في 1979، التي شهدت فرار الشاه المريض من إيران وإدخال روح الله الخميني الحكم الديني الذي لا يزال قائما في البلاد.

ووضع العديد من الذين تحدثوا إلى وكالة أسوشيتد برس الانقلاب والعلاقات المحتملة مع الولايات المتحدة الأمر في سياق الاقتصاد الإيراني المتعثر. وتضرر الاقتصاد بسبب سنوات من العقوبات بعد انهيار الاتفاق النووي مع القوى العالمية منذ العام 2018.

وقال حسين البالغ من العمر 47 عاما، الذي يدير كافتيريا يتوافد عليها سائقو سيارات الأجرة في جنوب طهران، إن انخفاض التوترات مع الولايات المتحدة “سيجلب لي المزيد من المال. ينفق سائقو سيارات الأجرة الآن أموالا أقل مقارنة بالسنوات الماضية، بسبب هذه العلاقات السيئة والعقوبات”.

وأضاف ماجد شمسي الذي يعمل ناقلا للطرود في وسط طهران “أعلم بهذا التاريخ المرير، لكن على هذا أن ينتهي قريبا. يبحث الشباب في إيران عن حياة أفضل ولا يمكن أن يأتي ذلك نتيجة العداء مع الولايات المتحدة”.

وشملت الاحتجاجات الشائعة التي شارك فيها المعلمون والمزارعون وغيرهم في إيران هتافات تقول “عدونا هنا، لقد كذبوا علينا حين قالوا إنه الولايات المتحدة”.

وأضاف المعلم رضا سيفي البالغ من العمر 26 عاما “يجب على إيران أن تقبل اليوم اتفاقا مع الولايات المتحدة مثلما فعلت لإطلاق سراح مزدوجي الجنسية. أنا أحتاجه لضمان مستقبل أفضل لنفسي وللجميع”.

ولكن كما حدث خلال الصفقة المبرمة مع الولايات المتحدة، توجد حدود للمدى الذي يمكن أن تتحرك فيه الحكومة الإيرانية في ذكرى عزل مصدق.

ففي نهاية الأسبوع الماضي بثت قناة “برس تي.في” الناطقة باللغة الإنجليزية والتابعة للتلفزيون الحكومي مقطعا يظهر فيه صحافي يقف في شارع مصدق شمال طهران. لكن الشرطة حالت على مدى السنوات العشرين الماضية دون وصول أولئك الذين يريدون زيارة قبره في موطنه قرية أحمد آباد الواقعة على بعد حوالي 90 كيلومترا شمال غرب طهران. وتمنع الجدران العالية والبوابة المغلقة أولئك الذين يريدون الزيارة، بينما يستجوب أعوان الأمن أولئك الذين يبدو أنهم غرباء عن المنطقة. ووجد البعض طرقا أخرى للاحتفال بالذكرى السبعين للانقلاب.

وقال إبراهيم نظري البالغ من العمر 32 عاما، بينما كان هو وزوجته وطفلاه يقفون بجانب قبر حسين فاطمي، وهو وزير الخارجية في حكومة مصدق الوطنية الذي أُعدم بعد الانقلاب “لم أتمكن من الذهاب إلى قبر مصدق لإحياء ذكراه، لكنني زرت قبور أنصاره وحلفائه مثل فاطمي الذي كان بطلا مثله”.

وقال المعلم إحسان رحماني وهو زائر آخر لقبر فاطمي “زرعت الولايات المتحدة الكراهية في قلوب الإيرانيين من خلال الانقلاب”.

ويمثل انقلاب 1953 بالنسبة إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي ما يعتبره تهديدا مستمرا من الولايات المتحدة، سواء من خلال العقوبات الاقتصادية أو الاحتجاجات التي اجتاحت إيران بعد وفاة مهسا أميني العام الماضي.

وأخبر خامنئي أعضاء الحرس الثوري شبه العسكري الإيراني يوم الخميس، أن واشنطن خططت للإطاحة بالحكم الديني في البلاد من خلال انقلاب مثل الذي حدث في 1953 من خلال جيشها. ونفذت إيران عمليات إعدام جماعية وعمليات تطهير لجيشها النظامي بعد الثورة.

وقال خامنئي حسب نص نُشر على موقعه الرسمي على الإنترنت “حاول الأعداء تقويض الثورة وشلها من خلال خلق أزمات مستمرة. ثم تآمروا عليها وحاولوا إنهاءها على نحو مماثل للانقلاب الذي حدث في 19 أغسطس 1953، إلا أن الحرس أحبط مساعيهم، ويكنّ له أعداء الثورة لذلك الكراهية والعداء”.

وردا على ذلك، تعهد قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي بـ”طرد” القوات الأميركية من المنطقة. وتزامنت تصريحاته مع وجود حشد عسكري أميركي كبير في الخليج، مع احتمال صعود القوات الأميركية إلى السفن التجارية وحراستها في مضيق هرمز، الذي تمر عبره 20 في المئة من جميع شحنات النفط.

لكن لا يزال البعض يأمل أن تتمكن إيران من التوصل إلى حل مع الولايات المتحدة، كما حدث مؤخرا مع المملكة العربية السعودية.

وقال محسن البالغ من العمر 29 عاما وهو بائع في متجر للأثاث في شمال طهران “أحلم أن يسمح المرشد الأعلى بإجراء محادثات وعلاقات أفضل مع الولايات المتحدة. لقد سمح باستعادة العلاقات مع السعودية. ويمكنه أن يسمح بنفس الشيء مع الولايات المتحدة”.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1015 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع