العربي الجديد:للمرة الثالثة، خلال أقل من شهرين، جدد مسؤولون عراقيون تأكيدهم قرب نقل الملف الأمني من قوات الجيش، التي تنتشر حالياً داخل المدن الشمالية والغربية، إلى الشرطة المحلية، ضمن استراتيجية أعلنت عنها حكومة محمد شياع السوداني، نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
لكن أيا من مسؤولي الحكومة لم يتطرق لوضع الفصائل والمليشيات المسلحة التي تنتشر داخل تلك المدن، وما إذا كانت ستنسحب هي الأخرى منها أيضاً.
وفي وقت سابق من العام الحالي سلمت قوات الجيش مسؤولية الأمن للشرطة في مناطق ومحافظات عدة جنوبي العراق ووسطه، أبرزها بابل، وكربلاء، وواسط، والمثنى، والنجف، وذي قار.
واعتبر المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة تحسين الخفاجي، في تصريح الشهر الماضي، أن قرار تسليم الملف للشرطة يأتي ضمن تقييمات اللجنة الأمنية العليا، التي يرأسها رئيس الوزراء، لوضع كل محافظة.
لا تطرق حكوميا لوضع المليشيات في المدن
والاثنين الماضي، كشف وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري عن قرب تسليم الملف الأمني بشكل كامل لقوات الشرطة المحلية في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين، والتي تخضع حالياً لإدارة قيادة الجيش العراقي، دون أن يتطرق الوزير، الذي أكد أن الشرطة ستدير ملف الأمن، إلى وضع المليشيات التي تنتشر بشكل مكثف في تلك المحافظات، وتتخذ من منازل ومبان ثكنات لها.
وقال الشمري، خلال ترؤسه اجتماعاً أمنياً للاستماع إلى الإيجاز الشهري لجميع مفاصل وتشكيلات وزارة الداخلية، إنه "من الضروري أن يتهيأ قادة محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار لتسلم الملف الأمني بالكامل خلال العام المقبل، والعمل على تقييم مدراء أقسام النجدة ومراكز الشرطة خلال الفترة المقبلة، مع متابعة النزاعات العشائرية، والقبض على كل من يستخدم الأسلحة فيها وعدم التهاون بهذا الأمر مطلقاً".
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وجه السوداني بتشكيل لجنة لتبادل الأدوار الأمنية داخل المدن بين وزارتي الدفاع والداخلية. وعلى أثر ذلك غادرت وحدات من الجيش عدداً من مناطق العاصمة بغداد وبعض المدن جنوب ووسط البلاد، عائدة إلى معسكراتها، في خطوة هي الأولى منذ 18 عاماً، كان للجيش أثناءها دور رئيس في حفظ الأمن داخل المدن، ضمن قيادات العمليات التي تشكلت منذ مطلع 2007.
وقال النائب عن تحالف "السيادة"، عبد الكريم عبطان، لـ"العربي الجديد"، إنه "من ضمن ورقة الاتفاق السياسي، التي على أثرها شُكلت حكومة محمد شياع السوداني، إخراج كافة الفصائل المسلحة من المدن العراقية وتسليم الملف الأمني لقوات الشرطة. ورئيس الوزراء وعد وقتها بتنفيذ هذا المطلب والشرط الذي وضعته القوى السياسية السنية".
وبين عبطان أن "الوضع في المحافظات المحررة أصبح مستقراً جداً، ولهذا لا نحتاج إلى الانتشار العسكري الكبير داخل المدن السكنية، بل الحاجة الآن لتفعيل الجهد الاستخباراتي فقط، وأن يكون الملف بيد قوات الشرطة، التي من مهامها حفظ الأمن والاستقرار داخل المدن، فيما تكون قوات الجيش جاهزة لأي طارئ في المعسكرات خارج المدن".
ضرورة إخراج المسلحين من المدن المحررة
وشدد على أن "تسليم الملف الأمني للمدن المحررة لقوات الشرطة يجب ألا يشمل إخراج قوات الجيش فقط، بل يجب إخراج أي قوة مسلحة أخرى، خصوصاً أن هناك سيطرة لجماعات مسلحة على بعض المناطق، وهذه السيطرة لها أجندة سياسية ومنافع مالية، ولهذا يجب التخلص منها، وتنفيذ وعود السوداني. لكن بصراحة هناك شكوك بتنفيذ هذا الأمر، خصوصاً أنه مضت شهور طويلة، ولم يحقق السوداني وعده".
لكن رئيس "المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية" غازي فيصل أوضح، لـ"العربي الجديد"، أن "إخراج الفصائل المسلحة من المدن المحررة صعب جداً، بسبب سيطرة تلك الفصائل بشكل كبير على الملف الأمني لتلك المدن، وعدم وجود رغبة حكومية جادة بهذا الأمر لما تواجهه الحكومة من ضغوط، بل وتهديدات تمنعها من ذلك".
أهداف اقتصادية وسياسية لبقاء الفصائل في المدن
وبين فيصل أن "تواصل تواجد الفصائل في المدن المحررة له أهداف اقتصادية، من خلال السيطرة على الكثير من المشاريع، ولهذه الفصائل مكاتب تدير الملف الاقتصادي لتلك المدن من خلال الاستحواذ على المشاريع من خلال قوة السلاح والتهديد. وكذلك لها أجندة سياسية، فهذا التواجد يضمن لها السيطرة على قرار الناخب في تلك المدن، وكذلك الضغط على كتل وأحزاب تلك المحافظات أيضاً من خلال السلاح خارج سلطة الدولة".
وأضاف فيصل أن "عدم تطرق المسؤولين في الحكومة لإخراج الفصائل من المدن المحررة، والاكتفاء بإخراج قوات الجيش، يؤكد أن الحكومة غير قادرة حتى الآن على ضبط السلاح المنفلت، الذي يشكل تهديداً حقيقياً للدولة العراقية، وكذلك يهدد السلم الأهلي والمجتمعي في كافة المدن العراقية، وليس المحررة فقط".
تواجد "الحشد" للحفاظ على الانتصارات المتحققة
وتعليقاً على ذلك، وصف القيادي في "الحشد الشعبي" علي الحسيني، في حديث لـ"العربي الجديد"، فصائل "الحشد الشعبي" التي تتواجد في المدن المحررة بأنها "قوات رسمية تنتشر بعلم وموافقة القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء)، كحال الجيش والشرطة، وهذا التواجد من أجل الحفاظ على الانتصارات المتحققة"، وفقاً لقوله.
وبين الحسيني أن "قوات الحشد الشعبي مطيعة وتعمل وفق أوامر رئيس الحكومة. لكن الحكومة تدرك جيداً أهمية بقاء الحشد الشعبي في المدن المحررة، لضمان أمن واستقرار تلك المدن ومنع عودة الإرهاب لها بأي شكل من الأشكال. ودعوات إخراج قوات الحشد مشبوهة، ولها أجندة لا تريد الاستقرار للعراق".
وتشترك حالياً عدة قوات وتشكيلات عسكرية وأمنية في إدارة أمن المدن، تعمل جميعاً تحت مظلة قيادة العمليات المشتركة الموجودة في كل مدينة، وأبرزها الجيش العراقي والشرطة الاتحادية والشرطة المحلية وجهاز مكافحة الإرهاب وألوية التدخل السريع وقوات "سوات"، والاستخبارات العسكرية والأمن الوطني وجهاز المخابرات الوطني.
وإلى جانب ذلك، تتواجد الفصائل التابعة إلى "الحشد الشعبي"، ويصل عددها في بعض المدن إلى تسعة، على غرار الموصل وتكريت، إضافة إلى ما يعرف بـ"الحشد العشائري"، وهو ما يتسبب بين حين وآخر بارتباك وتداخل صلاحيات، يترتب عليها صدامات ومشاكل بين تلك الفصائل، دون إغفال عسكرة واضحة في المدن تنعكس سلباً على حياة العراقيين.
895 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع