صورة من الأرشيف
الحرة / خاص - واشنطن:يسلط النزاع العشائري القائم بين عشريتين بارزتين في محافظة ذي قار جنوبي العراق منذ نحو ستة أشهر، الضوء على مدى عجز السلطات في الحد منها ووقف نزيف الدم الذي تسببه هذه الظاهرة التي غالبا ما تترافق مع عنف مسلح يؤدي إلى سقوط ضحايا.
بدأ النزاع في أبريل الماضي بسبب منشور على فيسبوك انتقد فيه أحد سكان المنطقة قائممقام قضاء الإصلاح بسبب مستوى الخدمات في القضاء.
ونتيجة لذلك هاجمت مجموعة تنتمي لعشيرة القائممقام الشخص الذي انتقده على فيسبوك وضربوه، ليتطور بعدها الخلاف ويصاب بإطلاق ناري، وفقا لمصادر من داخل القضاء.
تسبب الحادث في إثارة غضب العشيرة الأخرى، التي ردت باطلاق النار على أحد أفراد العشيرة المنافسة، مما أدى بالنهاية إلى نزاع شامل بين العشيرتين، بلغت حصيلة ضحاياه لغاية اللحظة ستة قتلى، ثلاثة من كل عشيرة.
ومؤخرا أعلن عن وساطة قامت به مرجعية النجف الدينية بزعامة آية الله العظمى علي السيستاني لحل الأزمة، حيث صدر بيان عن العشيرتين أكدا فيه استجابتهما للوساطة الرامية لحل الأزمة.
وتسعى المرجعية الدينية الشيعية التي تحظى بنفوذ واحترام كبيرين في عموم العراق وخصوصا في المحافظات الجنوبية من البلاد، لوضع حد لتلك المشاجرات.
فخلال السنوات الماضية وجهت دعوات لوقف هذه "الصراعات والتجاذبات، التي أدخلت البلد في دوامة عدم الاستقرار والتخلف".
يقول الناشط والمراقب السياسي من ذي قار، حسين العامل، إن "مشكلة النزاعات العشائرية عويصة وقديمة ومن الصعب حلها".
ويضيف العامل في حديث لموقع "الحرة" أنه "لا يمكن للحكومة المحلية أو الاتحادية السيطرة عليها، وبالتالي تضطر المرجعية للتدخل في قضية هي لا شأن لها بها".
ويرى العامل أن "جهد المرجعية مبارك ومرحب به من قبل كل الأطراف، لكنه بالنهاية ليس من مهامها، بل هو مهمة الدولة التي يجب أن تضمن السلم الأهلي وتجد حلولا نهائية للمشاكل العشائرية".
عند وقوع أي نزاع بين عشيرتين، يتطور من خصام إلى خلاف يودي أحيانا إلى مقتل أشخاص من الطرفين. وحين تتأزم الأمور بسبب تشنج أحد الأطراف والسعي للثأر، تتدخل عشائر أخرى للحل بمنح "عطوة" أي هدنة إلى حين التوصل إلى صيغة حل.
بعدها، يجلس الطرفان المتنازعان في ديوان أو منزل شيخ عشيرة المقتول مع وجهاء محايدين، ويبدأ التفاوض على "الفصل العشائري" الذي غالبا ما ينتهي بدفع مبلغ من المال أو رحيل أهل القاتل عن المنطقة.
فيما يتعلق بالخلاف بين العشيرتين في قضاء الإصلاح، يؤكد مراسل "الحرة" أن اتفاق الوساطة الذي رعته مرجعية النجف تضمن تشكيل لجنة مكونة من تسعة أشخاص مهمتها التوصل إلى حل نهائي للأزمة.
سيتم ترشيح أربعة أشخاص من كل عشيرة لعضوية اللجنة على أن ترشح وزارة الداخلية العراقية شخصا واحد، ليكون العدد النهائي تسعة، مهمتهم التوصل إلى حل والتصويت عليه بالأغلبية.
ويعرب الشيخ واثق الزركاني، أحد شيوخ محافظة ذي قار، عن أمله في يسهم تدخل المرجعية في لعب دور مهم لحل النزاعات العشائرية وخاصة في قضاء الإصلاح.
ودعا الزركاني في حديث لموقع "الحرة" شيوخ العشائر إلى التكاتف مع المرجعية والقوات الأمنية من أجل وقف نزيف الدماء.
وأشار إلى أن العديد من وجهاء وشيوخ العشائر في المنطقة يعملون من أجل "القضاء على هذه النزاعات" التي وصفها بأنها "ظاهرة سلبية".
تنتشر في عموم العراق الذي يبلغ عدد سكانه 40 مليون نسمة، منهم 40 في المئة دون الـ14 عاما، حوالى 7,6 مليون قطعة سلاح خفيف، وفقا لمسح أجري عام 2017، فيما قد يكون عدد الأسلحة غير المعلن عنها أكبر بكثير.
لا تقتصر أسلحة العشائر على الرشاشات الخفيفة، فهي تملك صواريخ ومدافع رشاشة وعجلات مدرعة وأسلحة أخرى ثقيلة تستخدم أحيانا خلال القتال العشائري. ويؤدي ذلك إلى وقوع نزاعات طويلة الأمد أحياناً قد تدوم سنوات.
يقول حسين العامل إنه "خلال الأشهر التسعة الماضية تمكنت السلطات المحلية في ذي قار من حل 120 نزاع عشائري، فيما هنالك 10 لم تحسم بعد".
ويضيف أن "هذا يعني أن المحافظة تشهد شهريا 15 نزاعا عشائريا على الأقل، ناهيك عن حوادث مماثلة في محافظات أخرى مجاورة كالبصرة وميسان".
يعزو العامل سبب استمرار النزاعات العشائرية إلى "تأخر القضاء في حسم القضايا محل الخلاف بين الأطراف، وبالتالي فإن الضحايا يستعينون بعشائرهم للحصول على حقوقهم".
كذلك يشير العامل إلى انتشار السلاح خارج الضوابط الذي بحوزة العشائر قائلا: "بدأت العشائر باستخدام الطائرات المسيرة والهاونات والأسلحة الثقيلة ولم يعد الأمر مقتصرا على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة".
ويتابع العامل أن "الميليشيات أيضا بدأت تتدخل من خلال الوقوف إلى جانب طرف على حساب طرف آخر، وهذا شيء خطير وفاقم من الأزمة".
بدوره يدعو الشيخ واثق الزركاني السلطات إلى اتخاذ خطوات من شأنها الحد من استفحال ظاهرة النزاعات العشائرية.
من أهم هذه الخطوات وفقا للزركاني "حصر السلاح بيد الدولة ونزع سلاح العشائر وتوعية أفرادها من خلال حثهم على التسامح وعدم اللجوء للعنف والامتناع عن المشاجرات ووقف الرمي العشوائي والاقتتال فيما بينهم".
ويرى الزركاني أن "نزع سلاح العشائر أمر صعب، وبالتالي يجب أن يكون هناك تعاون بين شيوخ العشائر والسلطات من أجل الوصول لهذه النقطة".
920 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع