انقلاب وشيك يهدد الرئيس
كثافة الاتهامات الموجهة لرئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي بالتورط في الفساد قد لا تؤشّر على حزم استثنائي في محاربة الفساد وعزم على محاسبة الفاسدين مهما كانت مواقعهم في الدولة، بقدر ما تمثل دليلا على اشتداد خلافاته مع خصومه السياسيين، وبلوغ جهود إزاحته من المنصب منعطف الحسم.
العرب/بغداد - يواجه رئيس مجلس النواب العراقي محمّد الحلبوسي سيلا من الاتهامات تتراوح بين ضلوعه في قضايا فساد مالي والتواصل غير المشروع مع جهات أجنبية والتواطؤ مع الكويت في قضية خور عبدالله والعمل على إلغاء قانون المساءلة والعدالة والدفع بقانون العفو العام بهدف تبرئة مطلوبين للعدالة وإعادة إدماجهم في الحياة السياسية.
وبينما يقول مقربون من الحلبوسي إنّ جميع التهم الموجهة إليه كيدية وتمثّل ضريبة بروزه على الساحة السياسية، يؤكّد خصومه أن التهم الموجهة إليه مدعومة بالوثائق وستأخذ طريقها إلى القضاء.
ودار الحديث قبل أشهر عن خلافات حادّة بين رئيس مجلس النواب من جهة ورئيس الحكومة محمّد شياع السوداني والإطار التنسيقي الذي يقف وراء حكومته، من جهة مقابلة، سببها عدم التزام قيادات الإطار بتنفيذ تعهّدات تجاه الحلبوسي ومقرّبين منه كانت قد قطعتها أثناء مفاوضات تشكيل الحكومة.
وتحدّثت مصادر سياسية آنذاك عن مساع بذلها رئيس مجلس النواب بهدف تجميع أكبر عدد ممكن من الشخصيات والقوى السياسية السنيّة لتأسيس إطار تنسيقي مضاد للإطار المكوّن من أحزاب شيعية.
وبات تضخّم ثروة الحلبوسي ومقرّبين منه موضع تركيز استثنائي ودافعا لتحريك دعوات قضائية ضدّه.
ودعا حيدر الملا عضو تحالف العزم، رئاسة الوزراء وهيئة النزاهة إلى التحرّك للكشف عن “مصدر الملايين التي ينفقها رئيس مجلس النواب على مظاهر البذخ المبالغ فيها.. وعلى طائراته الخاصة في رحلاته”.
وأظهرت وثيقة متداولة في وسائل إعلام محلّية توجيه هيئة النزاهة لرسالة إلى مكتب مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب تطلب فيها معلومات عن امتلاك محمّد الحلبوسي وزوجتيه لعقارات وحسابات بنكية في كلّ من الأردن وبلاروسيا.
وسبق لرئيس البرلمان العراقي أن واجه اتهامات تتعلق باستقطاع نسب من أموال المشاريع في محافظة الأنبار وتقاضي عمولات لقاء منح رخص إقامة بعض المشاريع.
ويقول خصوم الحلبوسي إنّ الرجل أسس له نفوذا راسخا في المحافظة التي سبق له أن تولى منصب المحافظ فيها، وذلك بتنصيبه أتباعه وأقاربه في المناصب الهامّة بمختلف الإدارات في الأنبار.
إلى ذلك ربطت وسائل إعلام عراقية تابعة لقوى شيعية، الاثنين، اسم حزب الحلبوسي بقضية فساد في دائرة الصحة بالأنبار. وقالت إنّ لجانا من هيئة النزاهة بدأت النظر بملفات فساد في الدائرة تتعلق بالتزوير والحصول على مبالغ مالية ضخمة بطرق غير قانونية من قبل قيادات في حزب تقدم برئاسة محمد الحلبوسي.
ونقل موقع المعلومة الإخباري عن مصدر في الهيئة قوله إنّ “النزاهة فتحت ملفات فساد دائرة صحة الأنبار على خلفية اعترافات موظفين أثناء التحقيق معهم بضلوع زملاء لهم في الدائرة المعنية في عمليات تزوير لقرارات اللجان الطبية ومراسلات مؤسسة الشهداء وسرقة أدوية بكميات كبيرة من مخازن مديرية صحة المحافظة، فضلا عن قضية سرقة صكوك بنكية مخصصة لشراء أدوية الأمراض المزمنة”.
وأوضح المصدر أنّ معظم المتورطين بملفات الفساد هم من قيادات وأعضاء الحزب الحاكم في الأنبار الذي يتزعمه رئيس مجلس النواب، موضّحا أنّ كميات كبيرة من الأدوية اختفت قبل أكثر من عام تقريبا دون معرفة مصيرها، ما دعا لجان النزاهة في بغداد إلى فتح ملفات الفساد وملاحقة المتورطين وإحالتهم إلى القضاء.
وطالب النائب بالبرلمان العراقي رفيق الصالحي الحلبوسي بالكشف عن ذمته المالية، مؤكّدا على ضرورة تفعيل قانون من أين لك هذا، ومعتبرا أنّ رئيس مجلس النواب أجدر بتطبيق القانون على نفسه باعتباره رئيسا للسلطة التشريعية.
وتتجاوز التهم الموجهة للحلبوسي مجرّد التورط في قضايا فساد مالي إلى إجراء اتّصالات غير قانونية مع أطراف خارجية والتواطؤ معها ضد المصالح العليا للعراق.
وثارت مؤخّرا عاصفة انتقادات في وجه الحلبوسي إثر زيارته لتركيا ولقائه الرئيس رجب طيب أردوغان في أنقرة.
واعتبر تحالف الفتح أحد مكونات الإطار التنسيقي أنّ تلك الزيارة جزء من حملة يقودها رئيس مجلس النواب لحشد الدعم الإقليمي لإلغاء قانون المساءلة والعدالة الهادف، بحسب التحالف، إلى إعادة أعضاء حزب البعث إلى السلطة.
وقال القيادي في تحالف الفتح علي الفتلاوي إنّ الحلبوسي “استخدم عنوانه الرسمي لأجل طلب الدعم لمشروعه بإعادة البعثيين إلى العملية السياسية من خلال إلغاء المادة 25 من قانون المساءلة والعدالة”.
ولم تستثن قوى سياسية في إطار شيطنتها للحلبوسي وتخوينه تهمة التواطؤ مع الكويت في قضية خور عبدالله المتعلّقة بتقاسم المنفذ البحري على مياه الخليج العربي، حيث ألغى القضاء العراقي مؤخّرا اتفاقية مع الجانب الكويتي تتعلق بعملية التقاسم.
وقال عضو حركة حقوق الممثلة لكتائب حزب الله العراق حسين الكرعاوي إن صمت رئيس البرلمان عن ملف خور عبدالله يثبت أن هناك تواطؤا وتلقيا للرشوة من أجل تجاهل هذا الملف على حساب مصلحة الشعب العراقي.
ويقول متابعون لتطورات ملف رئيس مجلس النواب العراقي إنّ تورّط الرجل في الفساد، في حال ثبت قضائيا، لن يكون أمرا استثنائيا في البلد الذي خسر مئات المليارات من الدولارات بسبب فساد طبقته الحاكمة، لكنّهم لا يبرئون في المقابل خصومه مؤكّدين أنّ ملفّات الفساد غالبا ما يتم فتحها بشكل انتقائي لتستخدم سلاحا لتصفية الحسابات وإزاحة الخصوم السياسيين من قبل آخرين لا يقلّون عنهم فسادا.
991 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع