العلاقات الطبيعية المفترضة
لا تزال الأرقام المتعلقة بظاهرة العنف الأسري في العراق في تصاعد على الرغم من الإجراءات الحكومية الرامية للحد من تنامي هذه ”المشكلة الخطيرة“ وفقا لناشطات في مجال حقوق المرأة. ويشهد العراق، خصوصا إقليم كردستان، زيادة ملحوظة في عدد حالات تعنيف الرجال من قبل زوجاتهم حيث وصل بعضها إلى القتل والانتحار.
العرب/بغداد - تستمر حالات العنف الأسري وحالات الطلاق في الارتفاع في العراق بشكل غير مسبوق، وأصبح تداول الأخبار التي تتحدث عن ظاهرة تعنيف الرجال أمرا طبيعيا بالنسبة للعراقيين، تؤكدها الإحصاءات الرسمية رغم وجود الكثير من الحالات غير المبلغ عنها، حيث أفادت وزارة الداخلية العراقية بأن نسبة تعنيف الزوجة لزوجها في العراق تبلغ 17 في المئة، بينما تبلغ نسبة تعنيف الزوج لزوجته 57 في المئة.
وكشف تقرير رسمي صادر عن وزارة الداخلية العراقية هذا الأسبوع أن “إحصائية دعاوى العنف الأسري المسجلة من يناير إلى مايو 2024 بلغت 13857 دعوى، غالبيتها عنف بدني”.
وقال المتحدث باسم الوزارة، العميد مقداد ميري، خلال مؤتمر صحافي، الأربعاء، إن ثلاثة أرباع المتعرضين للعنف الأسري كن من الإناث. وبين ميري أن “مديرية حماية الأسرة والطفل لديها دراسة أجرتها لمدة 5 أعوام عن العنف الأسري بدأت منذ عام 2019 ولغاية 2023”.
وقال ميري إن الدراسة “أشارت إلى وجود ارتفاع بظاهرة العنف في المجتمع، وهو ناتج عن تغيرات اقتصادية وثقافية واجتماعية وفهم خاطئ للدين وتفشي البطالة وانفتاح غير متقن على مواقع التواصل الاجتماعي الذي شجع على ازدياد العلاقات غير الشرعية خارج منظومة الزواج، مما أدى إلى زيادة حالات الخيانة الزوجية، فضلا عن زيادة حالات تعاطي الكحول والمخدرات بشكل كبير”.
ويعد العنف الأسري ظاهرة عالمية لكنه ما يزال يسبب مشاكل كبيرة في في العراق.
وفي حين لا تتوفر دراسات وطنية أحدث، تستمر منظمات حقوق المرأة في الكشف عن معدلات عالية للعنف الأسري.
وتتزايد حالات العنف الأسري في العراق بصورة مقلقة ومطردة، دون أن تلوح في الأفق بوادر انفراج في ظل عدم وجود قانون يحد منها ويحمي ضحايا هذا العنف، وهم في غالبهم من النساء والأطفال. وقد دفع ذلك إلى تزايد الأصوات التي تطالب بتشريع قانون العنف الأسري.
وفقا للتقديرات الرسمية، فإن إقليم كردستان يتصدر العراق بأعداد المعنفين من الرجال، في حين سجلت المحاكم 14 ألف حالة تعنيف أسري خلال العام 2021 التي شهدت ارتفاعا في عدد الشكاوى التي قدمها الرجال ضد زوجاتهم.
ويرصد الإقليم تزايدا بهذا الجانب منذ 2007، حيث تم تأسيس منظمة حماية حقوق الرجال، والتي تصدر إحصائيات سنوية متزايدة عن حالات العنف ضد الرجال، وعند تأسيسها في 2007 تم رصد 33 حالة عنف ضد الرجال وبقيت تتصاعد الحالات حتى “تم تسجيل 533 شكوى من رجال تعرضوا للعنف من قبل النساء في كافة مدن إقليم كردستان خلال 2020، فيما بلغ عدد الرجال المنتحرين في الإقليم 91 رجلا، إضافة إلى مقتل ثمانية على يد زوجاتهم بمساعدة آخرين”.
وكشف اتحاد رجال كردستان، مطلع العام الحالي عن حصيلة العنف ضد الأزواج من قبل أسرهم والذي أفضى إلى وفاة ثمانية رجال وانتحار 60 آخرين خلال العام 2023.
وقال رئيس الاتحاد، وهو منظمة غير حكومية، علي برهان في تصريح لوكالة شفق نيوز إن “ثمانية أزواج تم قتلهم من قبل زوجاتهم بمعاونة طرف ثالث، فيما انتحر 60 رجلا، وبلغ العدد الكلي لحالات العنف الأسري ضد الرجل أكثر من 600 حالة، في إقليم كردستان خلال العام الماضي”.
وأشار إلى “تزايد حالات الخيانة الزوجية في صفوف النساء بسبب وسائل التواصل الاجتماعي وأجهزة الاتصال”.
وأرجع رئيس الاتحاد أسباب تزايد حالات العنف الأسري إلى “مواقع التواصل الاجتماعي، والخيانة الزوجية، وانعدام الاحترام بين الشريكين، وتراجع الحالة الاقتصادية بسبب أزمة الرواتب وما نتج عنها”.
وتنوعت حالات العنف التي يتعرض لها الرجال، ما بين العنف الجسدي والنفسي والجنسي بالإضافة إلى الضرب والطرد من البيت والخيانة الزوجية مع تدخل أقرباء الزوجة في العلاقة الزوجية ومنع الزوج من رؤية الأطفال، وفقا للاتحاد في إحصائية سابقة.
ويلقي خبراء قانون باللائمة على التقصير الحكومي في إقليم كردستان في تنفيذ بنود قانون رقم 8 لسنة 2021 الخاص بمكافحة العنف الأسري الذي أدى إلى زيادة حالات العنف.
بينما يعزو باحثون سبب تزايد هذا العنف إلى “بث ودبلجة الكثير من المسلسلات الأجنبية التي أسهمت بشكل واسع في تغيير الكثير من المفاهيم الاجتماعية والأسرية داخل المجتمع الكردي، وجعلت الأسرة الكردية تواجه خطر التفكك، وهو ما أسهم من ثم في زيادة حالات الطلاق والعنف بالإضافة إلى القتل والانتحار، وكذلك مخلفات الأزمة المالية”.
ويقول الباحث الاجتماعي أحمد مهودر إن “قضية الاعتداء على الرجال في العراق، ورغم ارتفاعها خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أنها لا تعد ظاهرة كون المجتمع العراقي يتعامل بالأساس مع الرجال حصرا أي بمعنى أن المجتمع يعزز دور الذكور بشكل كبير”.
ويرى أن التأثر بالبلدان الأجنبية وما ينقل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي كان له الدور الأبرز وراء انتشار قضية تعنيف الرجال في المجتمع العربي عموما، مشيرا إلى أن “القوانين والعادات والتقاليد الغربية تتيح للمرأة حرية كبيرة، وقد تصل إلى إمكانية الاعتداء ضربا على الرجال”.
وتابع أن العديد من الأسباب التي تقف وراء انتشار حالات الاعتداء بحق الرجال، نفسية وشخصية الرجل ذاته، سواء كان ممن يعانون من أمراض نفسية أو من اهتزاز بالشخصية، وفقا لمهودر.
وأقرت الحكومة العراقية السابقة في عام 2020، مشروع قانون مناهضة العنف الأسري داخل مجلس الوزراء، وأرسلته إلى مجلس النواب الذي لم يتمكن من إقراره، وسط تجاذبات ومخاوف وعراقيل من قبل الكتل السياسية المتنفذة، بحجة أن القانون تقليد لقوانين غربية، ويمنح المرأة حق الحصول على رعاية حكومية، وهو ما تراه تلك الأحزاب يشجع النساء على التمرد.
ويعمل أعضاء في البرلمان منذ مدة على خلق رأي مساند للتشريع، وإقناع الكتل السياسية المتخوفة من إقراره، والمضي نحو تمريره داخل مجلس النواب أثناء الدورة البرلمانية الحالية رغم الصعوبات التي تواجههم.
يشار الى أن المادة 41 من قانون العقوبات العراقي تنص على أنه “لا جريمة إذا وقع الفعل (الضرب) استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالا للحق، تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعا أو قانونا أو عرفا”.
وتتزايد بشكل مخيف حالات العنف الأسري المسجلة وما تتعرض له النساء والأطفال تحديدا، سواء داخل محيط أسرهم وعوائلهم أو في الفضاء المجتمعي العام، وثمة الكثير من الحالات التي تظل مجهولة وتبقى طي الكتمان، الأمر الذي يدفع باتجاه المطالبة بتشريع قوانين وعقوبات تعالج هكذا حالات.
وترى سعاد (اسم مستعار) أن “انتشار الظاهرة بسبب ضعف شخصية الرجل، وهو ما يتيح للمرأة السيطرة الكاملة على حياة الرجل وعائلتها بشكل كامل”.
وأضافت أن “الحالة المادية قد تكون أحد الأسباب التي تدفع الرجل إلى تقبل التعنيف من قبل زوجته”، مشيرة إلى أن “الحكومة والجهات المعنية هي من تتحمل ارتفاع وانتشار هذه الظاهرة السلبية التي باتت تهدد المجتمع العراقي”.
وفي بيان رسمي لوزارة الداخلية العراقية، فإنه منذ مطلع العام 2022، وإلى منتصف شهر أغسطس الماضي، جرت معالجة 754 حالة تعنيف للنساء، و233 حالة تعنيف مماثلة لرجال، ومعالجة تعنيف 55 طفلا، إضافة إلى إعادة 62 فتاة هاربة، ورصد ومتابعة 22 طفلا هاربا، فضلا عن انتشال 22 من كبار السن نتيجة التعنيف.
وسبق أن ألقت القوات الأمنية في محافظة الديوانية القبض على امرأة قتلت زوجها بواسطة طابوقة (بلوكة). وقالت الشرطة إن المتهمة قتلت زوجها البالغ من العمر 35 عاما أثناء نومه، وضربته بواسطة مطرقة من الخشب (طخماخ) 3 ضربات على رأسه، ثم أجهزت عليه بواسطة (بلوكة) على صدره حتى فارق الحياة.
وفي تقرير لمركز الرشيد للدراسات، ذكر بأنه “قد تبدو الأرقام قليلة بالنسبة للعراقيين، إلا أن ما تسجله السلطات الأمنية والصحية كبير وبالغ الخطورة”، فيما شدّد على الوقوف بجدية ضد هذا النوع من العنف الذي وصفه بـ”الجديد على العراق”، مؤكدا أن “إهمال هذه الأشكال المتطوّرة من العنف سيؤدي إلى ولادة جيل يؤمن بالعنف ولا يخضع للقانون”.
ويبدو أن الحديث عن أن هذه الظاهرة جديدة على المجتمع العراقي يتعلّق فقط بانعدام الإحصائيات أو المراكز المتخصصة لرصدها، وبحسب أرقام المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، فإنه في عام 2020، تم تسجيل 3006 حالات عنف من الرجال ضد النساء، وبالمقابل 412 حالة عنف من النساء ضد الرجال، ما يعني أن نسبة العنف ضد الرجال تبلغ 13 في المئة من العنف ضد النساء.
وبحسب نشطاء، فإن هذه الأرقام لا تمثل سوى جزء بسيط من الأرقام الواقعية، خصوصا في محافظات وسط وجنوب البلاد، حيث يتحرج الرجال من تقديم شكاوى حول تعرضهم للتعنيف من قبل زوجاتهم، على العكس من إقليم كردستان الذي مع تأسيس منظمة حماية الرجل تظهر الأرقام وجود انسجام وتقبل لتسجيل شكاوى من هذا النوع.
ومن الواضح من حالات العنف التي تفضي إلى موت الرجل أحيانا، والتي بلغت نحو 17 في المئة من حالات العنف ضد الرجل، فإن غالبية الحالات تتم بالتنسيق بين الزوجة وعشيقها وهو ما تظهره مقاطع الفيديو التي تنشرها القوات الأمنية خلال إجراء كشف الدلالة للزوجات وشركائهن من الرجال الذين أسهموا بجرائم القتل من هذا النوع.
وتقول الناشطة في مجال حقوق الإنسان براء أمين في تصريحات صحفية إن “مواقع التواصل الاجتماعي لها الدور الأبرز في تصاعد حالات العنف بين الأزواج، وفي ما يتعلّق بالنساء وبحسب الحالات المسجلة، فإن النساء من هذا النوع منزعجات من الحياة مع أزواجهن التي تكون بقمة الروتينية والملل وسط انشغالات الحياة الصعبة في العراق، فيما تعيش الزوجة هذه الحياة تشاهد في هاتفها ومواقع التواصل الاجتماعي العديد من العلاقات وأساليب الحياة المثالية، فضلا عن المشاكل التي تدفع الزوجة إلى كره زوجها وإمكانية إقامة علاقات غير مشروعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي مما يدفعها إلى التفكير بالتخلّص من زوجها لعيش الحياة التي تشاهدها في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يمنيها بها الرجل الذي تقيم معه علاقة غير شرعية، وعادة ما يساهم بقتل زوج عشيقته”.
ويستعرض الباحث والمختص بعلم الاجتماع علي كريم السيد عدّة أسباب وراء هذا النوع من العنف، حيث يشير إلى مقولة وصفها بالخطيرة لعالم النفس التطوري ديفيد بوس بأن “الناس مفتونون بالقتل، وهو غريزة متأصلة من تاريخ تطوري قديم”، وبينما يستغرب من عدم دراسة هذه الظاهرة أكاديميا، اعتبر أن “لكل حادثة دوافعها الخاصة، مثل الخيانة أو الانتقام أو التخلّص من شريك صعب وغيرها من الدوافع التي يجب أن تدرس علميا”.
فيما يقول رأي آخر إن الطبيعة المجتمعية المحافظة تلاشت بسبب التقدم الذي يحصل في العالم، ولم تعد المرأة أضعف من الرجال باعتبارها تعمل في المنزل وخارجه، لذلك أصبحت أكثر عنفا، وأكثر قدرة على استهداف الرجال، خصوصا بوجود نساء أخريات تحرض الزوجات على عدم الانصياع لأوامر الرجال وأيضا على عدم السماح لهم بالقيام بدورهم كأرباب للأسرة.
528 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع