عراقية عاملة في "مفاعل تموز" النووي
المصدر: أ ف ب -تسعى الحكومة العراقية لدخول "النادي النووي" بإنشاء أول يستعمل للأغراض السلمية وتوليد الطاقة الكهربائية، وسط عقبات تتصدرها الهواجس الأمنية وأثر العلاقات بين بغداد وطهران.
إعلان حكومي
بدأت القصة بشكل فعلي في 30 أغسطس آب عام 2023، عندما أعلن رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، خلال اجتماع للمجلس الوزاري للأمن الوطني، نية العراق إنشاء مفاعل نووي للأغراض السلمية.
وناقش المجتمعون حينها، بحسب بيان مكتب السوداني، "الشروع بإنشاء مفاعل نووي محدود للأغراض السلمية وإنتاج الطاقة الكهربائية النظيفة التي تسهم في تقليل الاعتماد على الموارد الأخرى للطاقة، مثل الغاز والنفط".
رئيس هيئة الطاقة الذرية العراقية وزير التعليم العالي، نعيم العبودي، أكد مساعي العراق لإنشاء مفاعل نووي، مشيراً إلى قطع البلاد أشواطاً عديدة في مجال التفاهمات مع الوكالة الدولية.
وقال العبودي، في تصريح مقتضب لـ "إرم نيوز"، إن "العراق عازم على إنشاء مفاعل نووي للأغراض السلمية لرفد البلاد بالطاقة الكهربائية، وهو حق مشروع على غرار العديد من دول العالم"، مؤكداً إحراز تقدم في هذا المجال، خصوصاً "أننا كسبنا ثقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية عبر خطوات عديدة".
وتعزز الحديث عن "النووي العراقي" خلال زيارة مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، إلى بغداد، حيث التقى رئيس الوزراء العراقي؛ لبحث متطلبات الحصول على رخصة إنشاء العراق مفاعلا نوويا.
وقال السوداني، حينذاك، إن "العراق أودع لدى الوكالة متطلبات انضمامه إلى اتفاقية الأمان النووي والاتفاقية المشتركة بشأن أمان التصرف في الوقود المستهلك، وأمان التصرف في النفايات المشعة، وهو يتطلع للدخول مجددا في مضمار التطبيقات السلمية للطاقة النووية".
من جهته، أكد غروسي الالتزام بالعمل مع العراق في برنامجه ومشاريعه السلمية، التي تتضمن الطاقة وإزالة ملوحة التربة ومعالجة الأمراض وغيرها من المجالات السلمية، وفقاً للبيان.
مخاوف دولية
إلى ذلك، ما زالت مخاوف المجتمع الدولي من امتلاك مفاعلات نووية قائمة حتى مع طي صفحة "مفاعل تموز" العراقي، الذي أنشئ في عهد النظام السابق، وهذا ما ألمح إليه غروسي خلال زيارته للعراق.
وقال غروسي إن الأهم في تعاون الوكالة مع العراق هو "التوقف عن صفحة الماضي، والتحول إلى الاستخدام السلمي للطاقة الذرية".
ويرى مراقبون في الشأن السياسي أن تقارب حكومتي بغداد وطهران قد يكون عائقاً رئيساً أمام قبول الوكالة الدولية امتلاك العراق للطاقة النووية، لا سيما أن خلاف المجتمع الدولي مع إيران يتعلق بشكل أساس بالبرنامج النووي الإيراني.
يقول الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية العراقي، إحسان العكيدي، إن "امتلاك العراق للمفاعلات النووية للأغراض السلمية شيء جيد، خصوصاً أنه يمكن أن يحل مشكلة الطاقة الكهربائية، لكن هذا ليس بالأمر السهل، فالمجتمع الدولي يتخوف من هذه الخطوة؛ بسبب التقارب الإيراني العراقي".
وأضاف، لـ "إرم نيوز"، أن "طهران يمكنها أن تستغل البرامج النووية العراقية لصالحها بأشكال متنوعة، ومثلما دفعت باتجاه تحويل مصانع لها إلى العراق للتهرب من القيود الاقتصادية الدولية، فيمكنها أن تستغل العراق في هذا الجانب لتخصيب اليورانيوم أو الحصول على مواد مشعة وغيرها".
في السياق ذاته، قال المحلل السياسي عمار العاني إن "مساعي العراق لامتلاك مفاعلات نووية حتى لو كانت لأغراض سلمية تواجه برفض أمريكي بريطاني إسرائيلي، أو فرض قيود وشروط تعجيزية مقابل السماح بهذه الخطوة".
وأضاف، لـ "إرم نيوز"، أن "أمريكا عندما وافقت على منح العراق طائرات F16 لم تمنحه طائرات بكامل التقنيات، فهي طائرة عمياء من دون أعين المشغلين الأمريكيين، وكل هذا كان لمخاوف واشنطن من نقل إحدى الطائرات نحو إيران بطريقة الهروب؛ وبالتالي إطلاع طهران على تقنيات الطائرة".
وبيّن العاني أن "العلاقات الوثيقة بين طهران وبغداد حدّت من تقدم العراق في مجالات عديدة على مستوى علاقاته الدولية، وهذا ليس بالأمر الخفي، فكيف ستسمح واشنطن للعراق بامتلاك أجهزة طرد مركزية وغيرها للاستخدامات النووية وهي لن تضمن أن يصل جزء من تلك التقنيات والمواد إلى طهران؟".
الوضع الأمني الداخلي
تتطلب عملية إنشاء المفاعلات النووية وضعا أمنيا على مستوى عالٍ؛ لتأمين تلك المفاعلات من التخريب؛ نظراً لخطورتها على الحياة في حال حدوث أي خرق أو تسريب للإشعاع بسبب استهداف المفاعلات.
وحاول رئيس الهيئة العراقية للسيطرة على المصادر المشعة (IRSRA)، كمال حسين لطيف، تطمين الوكالة الدولية بهذا الشأن، وأشار إلى أن العراق يفكر بإنشاء أول المفاعلات للأغراض السلمية في المناطق الجنوبية من البلاد، "لاستقرار الوضع الأمني فيها، في حين سننتظر أن تستقر الأوضاع الأمنية في المناطق الشمالية والوسطى بهدف التفكير بإنشاء المفاعلات فيها".
وقال لطيف، في تصريح له، إن "اللجنة الوطنيـة للمفاعلات النووية بدأت بشكل جدي دراسة مواقع إنشاء المفاعلات للأغراض السلمية، وهي ستختار موقعين اثنين فقط، أحدهما أصيل والآخر بديل".
هواجس الأمن الداخلي كانت أحد الجوانب المهمة في عدم شروع العراق بإقرار مشاريع استراتيجية عالية المستوى كالمشروع النووي، وهذه الهواجس ما زالت موجودة، خصوصاً مع إمكانية تدهور الوضع الأمني في البلاد بشكل مفاجئ كما حصل في عام 2014.
في هذا الإطار، يقول الخبير الأمني العقيد السابق في الجيش العراقي، علي الشمري، إن "الأوضاع الأمنية في البلاد لا يمكن تقديرها، حتى لو شهدنا استقراراً أمنياً نوعاً ما اليوم، فتجربة عام 2014 وسيطرة تنظيم داعش على ثلث الأراضي العراقية، وترك الجيش والقوات الأمنية مقارها وأسلحتها من دبابات ومدرعات وصواريخ وغيرها، واستيلاء التنظيم على تلك الأسلحة، بالتأكيد ستكون أمام أنظار المجتمع الدولي، خصوصاً أمريكا في حال موافقتها على مفاعل نووي عراقي".
وأضاف، لـ "إرم نيوز"، أن "سيطرة تنظيمات إرهابية مثل داعش، أو فصائل مسلحة تعمل خارج إطار الدول، على تقنيات نووية ستكون كارثة حقيقية ليست على العراق فقط، بل على المنطقة والعالم".
تاريخ العراق النووي
لا تعد مساعي العراق للحصول على مفاعل نووي وليدة اللحظة؛ فبالنظر إلى تاريخ العراق في هذا الاتجاه، نجد أنه يعود إلى عام 1975 عندما اتفق مع فرنسا على إنشاء مفاعلين نوويين في بغداد، خلال زيارة رئيس الوزراء الفرنسي آنذاك جاك شيراك إلى بغداد.
وجرى في ذلك الوقت توقيع عقد بناء مفاعلي "تموز1" و"تموز2" النوويين العراقيين مع هيئة الطاقة الذرية والبديلة الفرنسية في مركزها بمدينة ساكليه، في 17 تشرين الثاني عام 1975، وبعد ذلك بيوم وقع العراق ملحقا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لضمان الاستخدام السلمي للمفاعلين.
وجرى تطوير قدرات العراق تلك في موقع "التويثة" جنوبي العاصمة بغداد، الذي تضمن منشأة مفاعل الماء الخفيف إلى جانب اليورانيوم العالي التخصيب الذي قدمته فرنسا، والمعروف باسم أوزيراك، أو "مفاعل تموز" كما أسماه العراقيون.
وفي عام 1981، تعرض "مفاعل تموز" لضربة جوية إسرائيلية مباشرة، مما أدى إلى تدميره، في حين تعرض لضربة جوية أخرى بعد عشر سنوات على يد القوات الأمريكية. ولم يستأنف البرنامج النووي العراقي منذ ذلك الحين.
1306 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع