صندوق استثماري للمخابرات البريطانية للمال والأعمال والحرب!

وائل زكير/ البيان:في عالمٍ يتسارع فيه التطور التكنولوجي وتتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية، بدأت المملكة المتحدة تكشف النقاب عن أحد أذرعها الأكثر سرية: صندوق الاستثمار الاستراتيجي للأمن القومي (NSSIF)، الذي ظلّ يعمل في الظل لسنوات، بتمويل مشاريع ذات صلة بالأمن والدفاع، مثل الطائرات المسيّرة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وشبكات الاتصالات المشفّرة.

الصندوق، الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بوكالات الاستخبارات البريطانية مثل MI5 وMI6 وGCHQ، يستعد اليوم للعب دورٍ علني أكبر، بعد قرار الحكومة البريطانية رفع ميزانيته بـ330 مليون جنيه إسترليني خلال أربع سنوات، في محاولة لتعزيز الأمن القومي من بوابة الابتكار.

وبحسب صحيفة " بوليتيكو" الأمريكية فإنه على الرغم من تحفظ الصندوق عن الكشف عن ميزانيته السابقة، أكدت الحكومة في استراتيجيتها الصناعية الأخيرة أن التمويل الجديد يهدف إلى تسريع الاستثمار في شركات التكنولوجيا المتقدمة ذات الاستخدام المزدوج، وسط "تزايد أهمية التقاطع بين الأمن الوطني والابتكار التكنولوجي".
وبحسب الصحيفة يعمل الصندوق على تكثيف حضوره العلني، عبر تعيين مسؤول للاتصال والمشاركة في الفعاليات العامة، في تحوّل يُقرأ على أنه استجابة مباشرة للتهديدات العالمية المتغيرة، واستخلاص للعِبر من الحرب في أوكرانيا، حيث لعبت التكنولوجيا دورًا محوريًا في مسار المعارك.
من الظل إلى العلن
تأسس الصندوق عام 2018، في وقتٍ كانت فيه الديمقراطيات الغربية تعيد تقييم موقعها في سباق التكنولوجيا. وكان وراء الفكرة أنتوني فينكلشتاين، خبير الأمن السيبراني والمستشار العلمي السابق للأمن القومي، الذي استلهم المشروع من صندوق "In-Q-Tel" الأميركي، الذراع الاستثماري لوكالة المخابرات المركزية.
ونقلت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية عن فينكلشتاين قوله "كنت مهتمًا للغاية بالطرق الأفضل التي يمكن لمجتمع الأمن القومي في المملكة المتحدة من خلالها الابتكار بشكل أسرع وبتأثير أكبر .. واستخدام ذلك أيضًا كرافعة للنمو في المملكة المتحدة"، موضحًا أن تفكيره تأثر بـ In-Q-Tel، وهو صندوق استثماري أمريكي يهدف إلى إنشاء خط ابتكار للتكنولوجيا الجديدة لوكالة المخابرات المركزية.
وبعد محاولة غير ناجحة لإنشاء صندوق مشترك مع الولايات المتحدة وأستراليا، أُطلق المشروع بشراكة بين الحكومة البريطانية وبنك الأعمال البريطاني، ليعمل على الاستثمار طويل الأمد فيما يُعرف بـ"رأس المال الصبور"، في شركات ناشئة واعدة في مجالات حساسة مثل الأمن والدفاع.
استثمارات دقيقة.. وسرية
يستحوذ الصندوق على حصص في شركات ناشئة تُعتبر أساسية لاحتياجات بريطانيا السيادية. كما يدير برامج لتطوير نماذج أولية سريعة للتكنولوجيا وتجربتها داخل القطاع الحكومي، وفق ما يؤكده خبراء شاركوا سابقًا في أعماله.
ومن بين أبرز استثماراته الأخيرة، مساهمته في جولة تمويل لشركة "Tekever" البرتغالية المتخصصة في تصنيع الطائرات المسيّرة، والتي أعلنت لاحقًا عن استثمار بقيمة 400 مليون جنيه إسترليني في المملكة المتحدة.
ومنذ عام 2023 ، استثمرت مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات الوطنية 220 مليون جنيه إسترليني في صناديق وشركات ناشئة تُطوّر تقنيات ثنائية الاستخدام، بدءًا من الرقائق المُدعّمة بالتقنيات الكمومية ووصولًا إلى شبكات الأقمار الصناعية لرصد الأرض.
وقالت الصحيفة إنه وفقا لخبراء فإن ظهور الصندوق في ظلّ توتر جيوسياسي متصاعد وتغيّر تكنولوجي متسارع ليس مصادفة، وقالوا إن هذا لا يعكس فقط إجماعا متزايدا على أن الصراعات المستقبلية سوف تشكلها تكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي مع استخلاص الحكومات للدروس من الحرب في أوكرانيا، بل إن الميزة العسكرية والنمو الاقتصادي يعتمدان بشكل متزايد على تبني الابتكار المتطور.
وعلى نحو أكثر تقليدية، قالوا إن الجمع بين صندوق الاستثمار الوطني للشركات الناشئة والمراهنات التجارية الاستراتيجية وكسر الحواجز أمام الشركات الناشئة يوفر مخططا لمعالجة التحدي الدائم الذي تواجهه المملكة المتحدة في تحويل شركاتها الناشئة الواعدة إلى شركات رائدة راسخة.
ويأتي توسيع دور صندوق الأمن القومي والدفاع الوطني في سياق تسارع الجهود الغربية لتوفير التكنولوجيا المتقدمة بسرعة إلى الخطوط الأمامية، لا سيما بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا. ففي قمة حلف شمال الأطلسي التي عُقدت في يونيو، تعهد القادة بتسريع اعتماد التكنولوجيا الجديدة داخل الحلف إلى أقل من 24 شهراً.
وزادت التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، بدءاً من تسليح الصين لسلاسل التوريد ووصولاً إلى السياسات التجارية المتقلبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، من المخاوف بشأن السيادة التكنولوجية وأثارت الحاجة لضمان الوصول إلى تقنيات حيوية.
ويقول فيليبس من "الصندوق الوطني لريادة الأعمال الاجتماعية" إن المشهد تغيّر خلال السنوات الأخيرة، موضحًا: "قبل أربع أو خمس سنوات، لم يكن هناك اهتمام كبير من رواد الأعمال بهذا المجال. كانوا يركزون على تغير المناخ والصحة وغيرهما، أما اليوم، فهناك جيل جديد مستعد للدخول إلى ساحة الدفاع والتكنولوجيا الأمنية".

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

892 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع