رجال الدين لا يريدون صوتا يعلو على صوتهم
ميدل ايست/بغداد – أفاد تقرير لمعهد "بروكينجز" الأميركي، أن القوى الاسلامية من السنة والشيعة اكتسبت السلطة وتزايد نفوذها بعد سقوط النظام البعثي في العام 2003، وأعادت صياغة الحياة الاجتماعية بشكل كبير مع محاولات مأسسة الطائفية بما يعيد تشكيل المجتمع العراقي ويقوض سلطة الدولة ويساهم في تعزيز تفتيت البلد.
وقال التقرير أن العديد من هذه الجماعات وخصوصا الشيعية منها، شاركت في الانتخابات وفي صياغة الدستور، وتمكنت القوى البارزة منها من الهيمنة على الحياة السياسية، وانهمكت في تعزيز سلطتها والتعامل مع الجماعات السنية المسلحة، ومن بينها فيما بعد ما يسمى بـ(داعش)، ولهذا فإن هذه الجماعات لم تعطِ الأولوية لـ"أسلمة القوانين".
وبدلا من ذلك تبنت تلك القوى بندا دستوريا غامضا ينص على أن "الإسلام هو دين الدولة الرسمي ومصدر رئيسي للتشريع"، وبأن القوانين يجب ألّا "تتعارض مع المبادئ الأساسية للإسلام" أو "مبادئ الديمقراطية".
لكن القوى الاسلامية حاولت في السنوات الأخيرة، إحياء المشاريع الهادفة الى أسلمة القوانين، وقد لعب دورا حاسما في ذلك نجاح قوى الإطار التنسيقي في تشكيل الحكومة والسيطرة على البرلمان وتعزيز النفوذ على الهيئات المستقلة، مثل هيئة الاعلام والاتصالات، إلى جانب السلطة القضائية.
ولفت المعهد الأميركي إلى أن مثل هذا التحول في الأحداث قد يبدو طبيعيا بالنظر إلى أن العراق شهد صراعات حادة على الهوية، مشيراً إلى أن معظم القوى التي هيمنت على السلطة السياسية حاولت إعادة تشكيل هوية البلد بما يعكس ايديولوجيتها ورؤيتها ورموزها.
وبدا واضحا هذا التوجه من خلال عدة قوانين، مثل فرض القوى الشيعية العطلة الرسمية الجديدة المتمثلة بـ"عيد الغدير"، كما تصرفت الحكومة بطريقة أكثر عدائية ضد المنظمات غير الحكومية التابعة للدول الغربية، مغلقة مكاتب بعضها ورفع الغطاء القانوني عن بعضها الآخر، وذلك بالترافق مع حملة لمجموعات ومن ناشطين تابعين للإطار التنسيقي ضد ما اعتبروه "المحاولات الغربية لتغيير الثقافة الاسلامية وتعزيز الانحلال الأخلاقي".
وبالإضافة الى ذلك، فقد قيدت هيئة الاعلام والاتصالات بعض البرامج والمسلسلات التلفزيونية وحظرت معلقين إعلاميين محددين بسبب اعتراضات من جانب "الإطار التنسيقي" أو رجال الدين من الشيعة.
وتصاعدت هذه الجهود مؤخرا بمحاولات إدخال تعديلات قانونية على قانون الأحوال الشخصية للعام 1959، والذي صدر في عهد الرئيس عبد الكريم قاسم، الذي جاء كنتيجة لعملية طويلة بدأت خلال العهد الملكي لصياغة قانون شامل للأسرة ينطبق على كافة العراقيين، وتبنى تفسيرات أكثر تقدمية للفقه الإسلامي ويمكن أن يتلاءم أيضا مع المعايير الحديثة لحقوق الإنسان والمرأة.
في المقابل فإن التعديلات الجديدة هدفها إنهاء الاحتكام للدولة لتنظيم قضايا الأسرة والميراث والأحوال الشخصية، من خلال السماح للأفراد بالعودة الى الاجتهاد الذي يحكم طوائفهم في مثل هذه المسائل، في حين يسمح ايضا للمرجعيات الدينية بالتعامل في عقود الزواج والطلاق وتحديد حقوق الحضانة للأطفال وفق فقه طائفتهم، من دون حق الاعتراض من محاكم الدولة.
ويتعارض القانون المقترح مع بعض النصوص الدستورية، مثل المادة 14 التي تقول إن "العراقيين متساوون أمام القانون من دون تمييز على أساس الجنس أو العرق أو الجنسية أو الأصل أو اللون أو الدين أو الطائفة او المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي او الوضع الاجتماعي"، الى جانب أحكام أخرى تتعلق بحقوق المرأة والطفل.
واعتراض المؤسسة الدينية الشيعية على قانون 1959 ليس جديداً، إذ أنه كان من بين الأسباب الرئيسية لمعارضة رجال الدين لنظام عبد الكريم قاسم، وهي معارضة لم تكن قائمة على الأسس الدينية فقط، وإنما من حقيقة أن تنظيم شؤون الاسرة والاحوال الشخصية هي مسؤولية تاريخيا كانت على عاتق رجال الدين الشيعة، الذين مارسوها بشكل مستقل عن الدولة، وأن نقل هذه السلطة الى محاكم الدولة تسبب في إضعاف النفوذ الهرمي الديني والإيرادات التي تدرها.
ويبدو أن الإطار التنسيقي يتلقى دعما قويا من المؤسسة الدينية في مساعيه، مرفقا بالصمت - الذي يتم تفسيره على الأرجح على أنه قبول - من المرجع الديني الأعلى آية الله علي السيستاني، بل أن البعض وصف قانون عهد قاسم بأنه علماني، بحجة أن الزواج والطلاق والميراث بموجب أحكامه، يشكل خروجا عن المبادئ الدينية.
ويبدو أن الهدف هو "ترسيخ نظام منظم حول الانتماء الطائفي والعرقي في العراق، وتحجيم المواطنين إلى هويات ثابتة وموروثة"، بحيث تصبح الطوائف بمثابة وسطاء بين الأفراد والدولة.
وختم التقرير، بالقول إن ذلك له تأثيراته على كل شيء، بدءا من التمثيل السياسي للمواطن وحتى الحقوق المتعلقة بالزواج والحضانة والشؤون العائلية، محذراً من أن النجاح في تعديل قانون 1959، استناداً الى الصيغة المقترحة، من شأنه أن يمثل خطوة إضافية نحو إضفاء الطابع المؤسسي على التقسيم الطائفي للعراق، وهو ما من شأنه أن يخلق سلطة موازية لسلطة الدولة، وهو يشبه بدرجة ما حدث مع قوات الحشد الشعبي، التي تمثل قوة موازية للدولة فيما يتعلق بالقضايا الأمنية.
648 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع