تمنع العديد من العقبات النساء العراقيات من المساهمة في الاقتصاد، ابتداء من نظرة المجتمع إلى رغبتهن الشخصية في الخروج من المنزل وصولا إلى ظروف العمل نفسه، فقبل أن يحصلن على عمل، يفترض أن يرغبن في الحصول عليه.
العرب/بغداد - احتل العراق المرتبة الأخيرة عالميًا بنسبة مشاركة النساء في القوى العاملة بالبلاد، بحسب آخر تقرير حديث عن نسبة مشاركة النساء بالقوى العاملة لعام 2024، في الوقت الذي فيه تظهر الأرقام أن من بين 13 مليون امرأة قادرة على العمل في العراق، فقط 7 في المئة منهن يعملن، بسبب وجود العديد من المعوقات إضافة إلى الثقافة المجتمعية.
وجاء العراق في المرتبة 195 من بين 195 دولة، حيث بلغت نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة بالعراق فقط 10.7 في المئة، وفق التقرير الذي أعدته “سي وورلد”.
وكشف رئيس المركز الإستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق فاضل الغراوي، الأسبوع الماضي عن انخفاض نسبة تمثيل المرأة في سوق العمل إلى 14 في المئة، وهو أقل من المعدل العالمي البالغ 20 بالمئة، فيما أشار إلى أن نسبة العوائل التي تعيلها نساء تبلغ نحو 11 في المئة.
وقال الغراوي إن “هذه الإحصائيات صادرة عن منظمة العمل الدولية، وتفيد بأن هناك 13 مليون امرأة في سن العمل في العراق، منهن مليون امرأة فقط من يمارسن العمل، و70 في المئة منهن يعلمن في القطاع الحكومي، وعدد النساء العاملات في القطاع الخاص لا يتجاوز 300 ألف امرأة”.
ورأى أن “هذا مؤشر خطير يجب على الجميع الانتباه إليه ومحاولة فهم أسباب عزوف المرأة عن دخول سوق العمل في القطاع الخاص”. مع الإشارة إلى أن أغلب النساء العاملات في القطاع الخاص هنَّ من النساء الريفيات.
وأضاف أنه “وفقاً لإحصائيات وزارة التخطيط فالقطاع العام والحكومي هو أكثر القطاعات الجاذبة لمشاركة المرأة، حيث كانت النسبة نحو 78 في المئة مقارنة بباقي القطاعات، التي لم تشكل سوى 21 في المئة في القطاع الخاص.
ووفقا لتقرير اليونسكو الصادر عام 2019 ”تقييم سوق العمل وتحليل المهارات في العراق وكردستان العراق” فإن 60 في المئة من النساء العاملات يعملن في مؤسسات القطاع العام، غير أنهن لا تشكلن أكثر من ثلث القوى العاملة في الوزارات والهيئات الحكومية، فهناك ثلاث نساء يعملن في وزارت الدولة مقابل كل سبعة من الرجال بحسب ما يشير إليه تقرير واقع المساواة الجندرية في الوزارات والمؤسسات في العراق، والصادر عن وزارة التخطيط العراقية .
لكن حتى النساء اللواتي ينجحن في الخروج الى سوق العمل، كثيرا ما يعدن الى الداخل مرة أخرى بسبب ظروف العمل نفسها، إذ يشير التقرير إلى أن حوالي نصف النساء أشرن إلى وجود تمايز في الأجور لصالح الأقران الذكور في القطاع الخاص، في حين أشار ثلثهن إلى وجود هذا التمايز في وظائف القطاع العام.
كما تتكرر قصص التحرش بالمتقدمات للعمل في القطاع الخاص، فباتت الفتيات يفكرن ألف مرة قبل التقدم للعمل في أيّ منشأة خاصة، ولا يعملن فيها إلا إذا كن مضطرات، حتى لو كان صاحب العمل ملتزماً بسلوكه ويمنع أيّ محاولات تحرش، فالنظرة العامة للمجتمع أصبحت ترى في كل منشأة خاصة بمثابة مصيدة للفتيات.
وأكد الغراوي أن “أهم الانتهاكات المؤشرة ضد النساء في سوق العمل الخاص هي قلة الأجور وزيادة ساعات العمل وتشغيل النساء في أعمال خطرة وخصوصاً في المصانع ووجود حالات تحرش أثناء العمل”، مطالباً الحكومة بـ”إطلاق السياسة الوطنية لتشغيل النساء في سوق العمل وتعزيز الحماية والمساواة لهن”.
ويقف القانون العراقي عاجزا عن مواجهة مشكلة التحرش فالمواد الخاصة به (400،401، 402) تعود الى العام 1969 والتي جاءت تحت عنوان الجرائم المخلة بالآداب، ولم يتم تعديلها منذ ذلك الوقت.
وتشير الإحصائيات الحكومية إلى أن 87 في المئة من النساء لا يملكن استعدادا ورغبة للدخول في سوق العمل.
في المقابل، ترفض الناشطات النسوية هذا التفسير، مؤكدات أن الحكومة ومؤسسات الدولة لا تعمل بما فيه الكفاية لتهيئة بيئة العمل القانونية والاجتماعية والاقتصادية لكي تكون مريحة وجاذبة للنساء.
وأكدت الناشطة سعدية التميمي أن “هناك العديد من المصاعب “الطاردة” للنساء في سوق العمل، مما يدفعهن لترك وظائفهن”.
وأضافت في تصريحات صحفية “يبدأ ذلك من التحرش والابتزاز الذكوري في المجال العام، حيث لم تسعَ أيّ حكومة عراقية لوضع قوانين رادعة لذلك، كما أن الاستثمارات التي تنفذها الحكومة العراقية أو تسمح بها تتم دون اشتراط أيّ كوتا نسائية في هذه المشاريع، خاصة في القطاعات التقنية والسياحية والخدمية”، مشيرة إلى أن البنية الاقتصادية في العراق التي تسيطر عليها الأحزاب السياسية المركزية، وغالبية هذه الأحزاب المركزية محافظة ولا تفضل أيّ حضور للنساء في سوق العمل.
ويُعرف التحرش الجنسي بأنه تنمّر أو إكراه على فعل جسدي أو وعد غير لائق أو غير مرحب به بمكافآت مقابل خدمات جنسية، ويتعدد إلى تحرش لفظي وجسدي (عاطفي) واجتماعي واقتصادي، وهي بحسب مراقبين ظاهرة متنامية في المؤسسات الحكومية العراقية فضلاً عن قطاع العمل الخاص.
ورغم أن القانون يعاقب على التحرش، إلا أن هناك مشكلة كبيرة تواجه تطبيق القوانين بحق المتحرشين وهي ما تخص عبء الإثبات، إذ أن المحكمة تطالب النساء إثباتات لواقعة التحرش سواء مقاطع صوتية أو رسائل نصية أو شاهدين اثنين وهو ما يصعب توفره في العادة.
وتوجد عقبات عديدة تمنع النساء العراقيات من المساعدة في إنقاذ الاقتصاد العراقي المتعثر، والذي يمكن أن يستخدم قوة المرأة بمحرك اقتصادي أساسي ليحفظ تماسكه.
وبالنسبة إلى معظم النساء العراقيات، فإن العقبة الأولى التي تحول دون وصولهن إلى سوق العمل هي عقبة اجتماعية، فقبل أن يحصلن على عمل يفترض أن يرغبن في الحصول على عمل.
وبحسب نتائج المسح الذي أجرته وزارة التخطيط العراقية للعام 2011 تمثل النساء المستعدات للخوض في سوق العمل نسبة لا تتجاوز الـ13 في المئة من مجموع النساء العراقيات، وهي نسبة متدنية حتى بالمقارنة مع الدول النامية الأخرى، إذ تشير إحصائيات منظمة العمل الدولية عام 2019 إلى أن العراق يحتل ثالث أدنى مرتبة في نسبة النساء النشطات اقتصاديا من بين 189 دولة .
فالنساء في العراق تقريبا لا يعملن، فمن بين كل عشرة نساء عراقيات هناك تسع منهن غير نشطات اقتصاديا، في حين تكاد النسبة تكون معكوسة في صفوف الرجال، فمن بين كل 10 رجال عراقيين هناك 8 منهم نشطون اقتصاديا.
وتعود هذه النسبة المتدنية إلى جملة من العوامل والأسباب المرتبطة بطبيعة المجتمع العراقي ونظرته إلى دور المرأة بشكل اساسي، فالنساء لا يعملن لأنهن ببساطة ممنوعات من العمل.
ووفقا لدراسة قامت بها بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق “يونامي” بعنوان ” العنف ضد المرأة في العراق: المشكلات والخيارات” فإن ثلاثة من بين كل خمسة من الرجال كبار السن لا يعترفون بحق النساء في أسرهم بالعمل، كما أن 2 من بين كل خمسة من الشباب يشاطرون الجيل الأقدم النظرة ذاتها، وهذا يجعل 3 من بين كل 5 من الذكور الشباب يحترمون حق المرأة في العمل، وفي مجتمع تشكل شريحة الشباب فيه نصف تعداد السكان يبدو هذا التوجه شيئا واعدا على الرغم من الطبيعة الأبوية في النظام الاجتماعي والتي تعزز النفوذ العائلي في أيدي كبار السن.
والتغيير في القناعات الاجتماعية، والحصول على الاعتراف بحق المرأة في العمل، بقدر ما هو مهم لكنه لا يكفي لدفع النساء للعمل، فالأدوار النمطية للجنسين محددة بشكل صارم، وهي غالبا ما تترك النساء مع قائمة طويلة من المهام والالتزامات داخل المنزل إذ يعتبرن أن تربية الأولاد هي وظيفتهن الأساسية.
وبحسب منظمة العمل الدولية تقوم المرأة العراقية بـ86 في المئة من أعمال العناية المنزلية غير مدفوعة الأجر وتنفق ما لا يقل عن 6 ساعات يوميا للعناية بالمنزل والأطفال، مقابل أقل من ساعة واحدة ينفقها الرجال للقيام بنفس النوع من العمل، ما يجعل المرأة العراقية تعاني فقرا في الزمن اللازم لقيامها بالعمل مدفوع الأجر، فضلا عن القيام بذلك العمل بكفاءة.
والصورة هي ذاتها في الكثير من الأسر التي تعيلها نساء غير عاملات، إذ يبلغ معدل الفقر في العراق 22.5 في المئة بحسب ما تشير إليه البيانات التي جمعها برنامج الغذاء العالمي في العام 2016، والذي يوضح أن أكبر المتضررين من ارتفاع نسبة الفقر هي الأسر التي تعيلها نساء، لأن أربعة من كل خمسة نساء معيلات لأسرهن ومسؤولات عن تحصيل دخل الأسرة، هن خارج قوة العمل في معظم المحافظات العراقية في حين أن هناك أقل من واحد من كل خمسة رجال من معيلي الأسر غير نشط اقتصاديا، فهؤلاء النساء لا يبحثن عن عمل حتى عندما يكن مطالبات بدعم أسرهن اقتصاديا.
ولا تعكس النسب المتدنية للعمالة النسائية مشكلة في العدد أو الحجم الكمي للحضور النسائي في سوق العمل فحسب، بل تتعدى ذلك إلى نسب غير متوازنة من التمثيل النسائي في التخصصات المهنية المختلفة، أي أن هناك تفاوتا حادا في التوزيع النسبي للنساء العاملات في القطاعات والوزارات المختلفة، إذ هناك عدد كبير منهن يتكتل في الوزارات الخدمية، في حين يقل توظيفهن في القطاعات الصناعية والأمنية.
وبحسب تقرير ”واقع الجندر في الوزارات والمؤسسات في العراق” الصادر عن وزارة التخطيط العراقية عام 2018، تحظى بعض الوزارات بنسبة عالية من الموظفات النساء، كالبنك المركزي الذي يوظف 7 نساء مقابل كل 3 من الموظفين الرجال، وكذا الأمر بالنسبة إلى وزارة التربية والتعليم التي توظف 6 من النساء مقابل كل 4 من الرجال، في حين يتناصف الرجال والنساء الموظفون في وزارة المالية.
في المقابل هناك وزارات أخرى تعاني من التدني الشديد في نسبة النساء الموظفات فيها، وفي مقدمتها وزارة الداخلية التي لا تتعدى نسبة النساء فيها 2 في المئة، ووزارة النفط التي لا تتجاوز نسبة النساء فيها 10 في المئة، ويمكن توضيح هذا التباين الحاد في توزيع النساء على القطاعات المختلفة بالقول إنه لكل 12 امرأة تعمل في البنك المركزي، هناك 9 نساء يعملن في وزارة التربية، يأتي هذا مقابل امرأتين تعملان في وزارة النفط، وامرأة واحدة فقط تعمل في وزارة الداخلية.
وهنا تبرز من جديد العوامل الاجتماعية لتصنع هذا التباين، إذ تفضل النساء مهنا مثل التعليم، والوظائف المكتبية، كما تفضل أسرهن أعمالا تضمن لهن الحد الأدنى من الاحتكاك مع الذكور الغرباء، لهذا فإن هناك بصورة عامة تقسيما اجتماعيا نمطيا، بين مهن مفضلة، ومهن مزدراة. وهذا يفسر على سبيل المثال سبب اختفاء النساء من وزارة الداخلية، إلا في حالات نادرة.
862 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع