شفق نيوز/ تشكل الأعداد الكبيرة من عناصر الحماية المخصصة للمسؤولين في العراق عبئاً مالياً ثقيلاً على الموازنة العامة، حيث تُنفق المليارات سنوياً لتغطية الرواتب والمخصصات والآليات والوقود، في وقت تواجه البلاد تحديات اقتصادية كبيرة.
وتثير ظاهرة الأرتال الطويلة من المركبات الفارهة والمظللة، التي تطلق أبواقها الدائمة في الشوارع لتحذير المارة وتحمل داخلها مسؤول حكومي، أو سياسي، أو حتى رجل متنفّذ وعشرات الأفراد من الحماية، تذمر المواطنين من استمرار هذه الممارسات رغم استقرار الوضع الأمني وانتفاء الحاجة إليها.
ويتساءل مراقبون عن أسباب عدم اختفاء هذه الظاهرة رغم توجيه القائد العام للقوات المسلحة العراقية، رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، في أيلول/سبتمبر 2023 بتقليص أعداد الحماية ومنع مظاهرها السلبية في الشارع، "كونها تعكس ظاهرة غير حضارية ولا تتلاءم مع حالة الأمن والسلام التي تعيشها مدن العراق".
إنفاق على حساب الخدمات
وفي هذا السياق، يؤكد الاقتصادي، أحمد عيد في حديثه لشفق نيوز، أن "الإنفاق على حمايات المسؤولين يأتي على حساب القطاعات الخدمية والتنموية"، مؤكداً على "ضرورة توجيه هذه الموارد لدعم البنية التحتية والتعليم والصحة، وتحسين الأداء المالي للحكومة وتعزيز العدالة الاجتماعية، خاصة في ظل المطالب الشعبية المتزايدة بترشيد الإنفاق الحكومي".
ويشير عيد، إلى أن "هناك ظاهرة أخرى تدخل في باب الفساد المالي والهدر الكبير في الأموال تتضمن صرف مبالغ مالية طائلة لتوفير الحمايات في حين يأخذ المسؤول تلك المبالغ ويقوم باستعارة أو استخدام موظفين أو منتسبين يعملون في مديريات وجهات أمنية وتفريغهم لحمايته دون صرف رواتبهم باعتبارهم يتقاضون رواتب من المؤسسات التي تم تفرغهم منها".
وبدلاً من عسكرة المجتمع، يدعو عيد الدولة، إلى "التوجه الفعلي والحقيقي لدعم القطاع الخاص لشمول أكبر عدد ممكن من الشباب في مجالات التوظيف والعمل في تلك القطاعات".
يذكر أن وزارة الداخلية العراقية، ومن أجل تقليص أعداد الحمايات، حددت في حزيران/يونيو 2023 أعداد الحمايات للرتب العليا وكبار الضباط والمسؤولين لديها سواء من المستمرين بالخدمة أو المتقاعدين.
وقررت الوزارة في كتاب اطلعت عليه وكالة شفق نيوز، أن "تكون أعداد الحمايات لضباط وزارة الداخلية المستمرين بالخدمة والمتقاعدين كالآتي: وكيل وزارة برتبة فريق (12) عنصر حماية، فريق بمنصب (10) عناصر، فريق بدون منصب (8) عناصر، لواء بمنصب (6) عناصر، لواء بدون منصب (3) عناصر، عميد بمنصب عنصران، عميد بدون منصب عنصر واحد، عقيد بمنصب عنصر واحد، فريق متقاعد 3 عناصر، لواء متقاعد عنصران".
"استغلال موارد الدولة"
من جهته، يرى القيادي في "تيار الخط الوطني"، حامد السيد، أن "كثرة الحمايات الشخصية للمسؤولين العراقيين لم تعد ظاهرة بقدر واحدة من أبواب استغلال موارد الدولة".
ويضيف السيد لوكالة شفق نيوز، أنه "في الفترة الأخيرة، سمعنا شمول أعضاء مجالس المحافظات بامتياز الحماية الشخصية والسيارات الحديثة، رغم أن هذه المجالس لا ترتقي إلى أكثر من كونها مسؤولة عن ايجاد حلول للقضايا البلدية في المحافظات، بمعنى أن هذا المسؤول يفترض أن يكون على تواصل وتماس مباشر مع المواطنين لا أن تعزله أي حماية شخصية عن الناس الذين يحتاجونه بشكل يومي لحل قضايا تتعلق بالخدمات والبنية التحتية وغيرها".
ولفت السيد، الى أنه "بوجود أكثر من 300 نائب في البرلمان ولكل نائب حماية 30 فرداً ستكون هناك مشكلة، خاصة وأن بعض النواب يلجأون إلى أخذ مستحقات الحمايات الشخصية والاستيلاء عليها وتفريغ أقرباء لهم معينين في وزارة الداخلية وتنسيبهم لمرافقتهم شخصياً، وبالتالي تؤخذ استحقاقات الحماية الشخصية التي منحت لهم من السلطة التشريعة وتذهب إلى (الجيب)".
ويرى السيد، أن "هذه الظاهرة معيبة ومخجلة وتدل على وجود شخصيات لا يجب التساهل معها وحمايتها بطريقة استثنائية، خاصة وأن النواب هم أنفسهم يشيدون بجهود الأجهزة الأمنية في فرض الأمن، ويؤكدون أن الوضع الأمني مستقر في البلاد، لكن سلوكهم الشخصي على النقيض من هذا الحديث، عبر تخصيص حمايات وأرتال لهم، وهذا كله يؤخذ من المال العام ويستقطع من استحقاق المواطن العراقي من الموازنة الاتحادية ويضيف أعباءً مالية على خزينة الدولة".
ويؤكد القيادي في "تيار الخط الوطني"، أن "هذه الظاهرة هي واحدة من القضايا التي لا يمكن حلها إلا بإزاحة وجودية لهذه القوى والأحزاب التي دائماً ما تفتخر برؤوسها وهيبتها وبعدد حماياتها وأرتالها والسيارات الحديثة التي تقتنيها وتتنقل بها، ما يجرح مشاعر المواطن ولا يضيف له إلا الشعور بأنهم غير مقبولين لديه، ما يؤكد على ضرورة معالجتها".
16 فرد حماية
بدورها، توضح عضو مجلس النواب العراقي، سوزان منصور، أن "عدد حماية النائب 16 فرداً، وهو عدد لا بأس به، حيث إن أغلب النواب لديهم مكاتب، وهؤلاء الأفراد يتوزعون على مهام مختلفة بين مدير مكتب وسكرتير وموظف للشؤون الإدارية والحسابات وحرس على البنايات".
وتبين منصور خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، أن "النائب هو من يختار أفراد حمايته وتشغيل هؤلاء الأفراد يوفر فرصة عمل لهم، فهم غالباً خريجون وإداريون لكن لم يجدوا وظيفة، وطيلة فترة العمل مع النائب يتم منحهم عقود عمل، أما الرواتب فهي محددة من الدولة وهي من تتولى دفع رواتبهم التي تشابه أقرانهم من الموظفين".
وتشير إلى أن "عضو مجلس النواب على خلاف المدير العام أو الوزير من حيث الالتزامات الاجتماعية، فهو متاح للجميع والكثير يتجه إليه للمساعدة في تلبية احتياجاتهم المختلفة، بداعي أنهم هم من أوصلوا النائب إلى البرلمان، لذلك من حق النائب توفير ما يطلبونه منهم، لهذا يتم التوجه للنائب أكثر من غيره مقارنة بالمدير العام أو الوزير".
وإلى جانب هذه المظاهر السلبية، تتطلب حمايات المسؤولين ميزانيات كبيرة لتمويلها، وتشمل هذه الميزانيات تكاليف الأمن والمرافق والخدمات الأخرى التي تقدمها هذه الحمايات، حيث أن كثرة أعداد حمايات المسؤولين تؤدي إلى زيادة التكاليف على الموازنة العامة للبلاد، ما قد تؤدي إلى تقليل الميزانيات المخصصة للخدمات الأخرى، مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية.
1853 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع