شفق نيوز- بغداد:يشهد العراق زيادة سكانية مطردة تقدر بنسبة 2.5% أي أكثر من مليون نسمة سنوياً، في وقت يبلغ عدد سكان البلاد 46 مليون نسمة وفقاً لنتائج التعداد السكاني الذي أجري العام الماضي 2024، بحسب وزارة التخطيط العراقية.
وتؤثر هذه الزيادة السكانية على الاقتصاد المحلي بطرق إيجابية وسلبية، وفقاً لمختصين، إذ يمكن أن تكون "عبئاً الآن وفرصة غداً"؛ والفيصل هو سرعة التحوّل من إدارة الأزمة إلى إدارة الاستثمار في البشر.
وتشير تقديرات مجلة "CEOWORLD 2021" الأمريكية للإحصاء، والمعهد الوطني الفرنسي للدراسات الديموغرافية، إلى أن عدد سكان العراق سيبلغ بحلول عام 2050 نحو 75 مليون نسمة.
الزيادة السكانية في الميزان
ويؤكد الخبير الاقتصادي، مصطفى الفرج، أن "الزيادة السكانية تضغط على المدرسة والعيادة والشارع والسكن وسوق العمل، وقد رفعت البطالة الكلية إلى نحو 15% وبطالة الشباب إلى نحو 32%".
ويجد الفرج في حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "ترك هذه الديناميات بلا سياسة سيحوّلها إلى عبء متفاقم، لكن توجيهها بسياسات ذكية سيحوّلها إلى (عائد ديموغرافي) يرفع النمو ويخلق وظائف مستدامة".
إذ يمكن أن تسهم القوى العاملة الشابة في تعزيز النمو الاقتصادي "بما يمثله الشباب من مصدر للابتكار، خصوصاً في مجالات التكنولوجيا والطاقة المتجددة"، وفق الباحثة الاقتصادية، حوراء الياسري.
ومن التأثيرات الإيجابية للزيادة السكانية، تضيف الياسري لوكالة شفق نيوز، أنها "تعزز الطلب على السلع والخدمات، مما يحفز القطاعات غير النفطية مثل التجارة والسياحة، وتساهم في تحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي".
وتؤدي الزيادة السكانية أيضاً إلى "تعزيز الاستهلاك، مما قد يجذب الاستثمارات في مجالات الزراعة والصناعة، خاصة مع التوقعات بنمو القطاع غير النفطي"، بحسب الياسري.
ضغط كبير على الموارد
لكن مع ذلك، تؤكد الباحثة أن "النمو السكاني السريع (نحو مليون شخص سنوياً) يضيف ضغطاً كبيراً على الموارد مثل المياه والطاقة، مع توقعات بانخفاض نصيب الفرد من المياه إلى مستويات حرجة نتيجة التغير المناخي".
كما تؤدي الزيادة السكانية، بحسب الياسري، إلى "تقليل حصة الفرد في الخدمات الصحية والتعليمية، مما يعيق تطوير رأس المال البشري اللازم للاستفادة من الفرص الناتجة عن التحول الديموغرافي".
وتشير إلى أن "زيادة الطلب مقابل الموارد المحدودة تؤدي إلى التضخم، خاصة مع تباطؤ نمو القطاع غير النفطي".
وهذا ما يشخصه الخبير الاقتصادي، مصطفى الفرج، الذي يبين أن "ما نفتقده منذ مطلع الألفية هو قفزة موازية في البنية التحتية والتخطيط الحضري؛ فالشوارع والشبكات تكاد تكون هي نفسها بينما عدد السكان يتزايد باطراد، والحضر يقارب ثلثي السكان، وهذا الخلل بين (عدد الناس) و(طاقة الدولة) يفسّر اختناقات الخدمات اليوم".
وبهذا السياق، تؤكد عضو لجنة الخدمات والإعمار النيابية، مهدية اللامي، أن "الكثير من المناطق تعاني من نقص الخدمات فيما يمكن وصف بعضها بـ(المنكوبة خدمياً) خاصة المناطق الشعبية التي تعد الأكثر احتياجاً للخدمات كونها الأكثر نمواً للسكان".
مواجهة النمو السكاني
ولمواجهة هذا النمو السكاني في ظل قلة الخدمات، ترى اللامي في حديثها لوكالة شفق نيوز، أن "ذلك يتم عبر إعداد خطط متكاملة تخص نسبة السكان ومستوى المحرومية من السكن والخدمات، وجعل كل الخدمات التي تخص المواطنين من بنى تحتية ومياه لها الأولوية في العمل الحكومي".
وسبق لوزارة التخطيط العراقية أن أطلقت الوثيقة الوطنية للسياسة السكانية في عام 2024، "والتي تضمنت 11 محوراً يغطي حياة الإنسان من الطفولة إلى الكهولة"، وفق المتحدث باسم الوزارة، عبد الزهرة الهنداوي.
ويشرح الهنداوي في حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "هذه المحاور تستهدف تحقيق التوازن بين الزيادة السكانية والمتطلبات الحياتية كالصحة والتعليم والسكن، وتمكين الشباب والمرأة، ودعم الفئات الهشة في المجتمع من كبار السن والمعاقين والأطفال الذين يحتاجون إلى الرعاية الخاصة، ومواجهة التغيرات المناخية وتقليل آثارها، وغير ذلك".
ويلفت إلى أن "هذه السياسة السكانية تم الأخذ بها في الخطة الخمسية للسنوات 2024-2028 والتي تضمنت خطط وسياسات وأهداف في كل هذه المحاور، فيما تطلع في تنفيذها الجهات ذات العلاقة بغية تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي يحتاجها العراق".
وبموازاة السياسة السكانية الحكومية، يطرح الخبيران الاقتصاديان مصطفى الفرج، وحوراء الياسري، خريطة بمسارات سريعة وقابلة للقياس لاستثمار هذا "الانفجار السكاني" لخدمة الاقتصاد العراقي.
ويقول الفرج إن "الحل يبدأ بتعليم موجه للسوق عبر مضاعفة طاقة التعليم المهني والتقني وربطه بسلاسل قيمة محلية (الزراعة بالتقنيات الحديثة، الصناعات الخفيفة، الخدمات الرقمية)".
ويؤكد على أهمية "تشغيل الشباب والنساء وربط حوافز التوظيف بالأجر والإنتاجية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وإزالة حواجز مشاركة المرأة اقتصادياً (رعاية أطفال، نقل آمن، تشريعات عمل مرنة)".
أما المسار الآخر فهو يتعلق، بحسب الفرج، ببنية تحتية "مُولّدة للوظائف" عبر برنامج طرق ومياه وكهرباء وإسكان حضري يربط التمويل بالأثر التشغيلي المحلي وسلاسل توريد عراقية.
بدورها تدعو حوراء الياسري، إلى استثمار "الانفجار السكاني" من خلال "تنويع الاقتصاد بتطوير القطاعات غير النفطية لخلق فرص عمل جديدة، بالإضافة إلى الاستثمار في رأس المال البشري بزيادة الإنفاق على التعليم والصحة للاستفادة من إمكانيات الشباب".
وتدعو الياسري أيضاً إلى "تطوير البنية التحتية عبر استثمارات في مجالات المياه والطاقة لمواجهة الضغوط المتزايدة، وتنفيذ برامج توعية عن السياسات السكانية وتمكين المرأة للتحكم في النمو السكاني، وأخيراً مكافحة الفساد بتعزيز الحوكمة لضمان كفاءة الاستثمارات".
886 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع