بغداد – مشرق عباس*:يستدرج السياسي العراقي والخبير المالي أحمد الجلبي محاوره إلى الأرقام، وعندما يبدأ حديث الأرقام لا يفرغ منه، لكن «الحياة» استدرجته إلى حديث مغاير، عن السياسة، والوضع الإقليمي، وجوهر المشكلات العراقية، فطرح أسئلة عن فشل السياسة العراقية في التحول إلى وسيط موثوق فيه بين طهران وواشنطن، وعن محاولة التخلي عن مسؤولية الفشل الأمني والسياسي والاقتصادي الداخلي بإلقاء التهم على دول الجوار، خصوصاً المملكة العربية السعودية، ومحاولة استعداء هذه الدول، وأشار إلى مفارقة أن إيران التي لم تبلغ بغداد باتفاقها مع واشنطن، ترتبط بعلاقات أكثر صلابة بدول الخليج مقارنة بعلاقات العراق مع هذه الدول.
الجلبي تحدث أيضاً عن عدم صدقية الأنباء عن الانقلابات العسكرية في بغداد وعن طلب الولايات المتحدة من رئيس الوزراء نوري المالكي تحسين علاقاته مع شركائه، وعن سوء الإدارة السياسية التي دفعت إلى شعور السنّة بالمظلومية في بلادهم.
وهنا نص الحوار:
> نبدأ من سؤال عام، لكنه محيّر، إلى أين يتجه العراق؟
- نعيش وضعاً صعباً، ونمر بفشل حقيقي وكبير في إدارة الأمن والاقتصاد والخدمات والعلاقات الخارجية، ولكني أعتقد أن هناك نقطة لا يتم التركيز عليها وأراها أساسية في الأزمة العراقية، هي ضعف الإدارة المالية في الدولة، هناك أموال هائلة تدخل العراق، لكن إدارتها ضعيفة جداً. عدد الأشخاص الذين يديرون المال العراقي الذي يتجاوز 100 بليون دولار سنوياً وخبراتهم المحدودة يكشف عن سبب هذا الضعف.
نفتقر إلى نظام مالي محاسبي يتناسب مع الوضع الدولي حالياً، وهذا سبب رئيسي في فشل الوضع الاقتصادي عموماً، وهو مرتبط بقضية الفساد، فالمال السائب يعلم السرقة، معالجة هذا الموقف يجب أن تتم في شكل مهني. قبل سنوات جلب الأميركيون شركة لإدارة المال العام، عندما سألتهم أين عملت هذه الشركة؟ تبين أن نطاق خبرتها لا يتجاوز كوسوفو وتيمور الشرقية! أضف إلى هذه القضية أننا لا نفهم حتى هذه اللحظة كيف تنفق الدولة أموالها. عام 2012 جاءت الحكومة إلى البرلمان بطلب سلف، وتبين أن بعضها قرارات إنفاق يتخذها مجلس الوزراء وصلت القائمة الخاصة بها إلى 41 تريليون دينار (حوالى 36 مليون دولار) حينها أوقفها البرلمان، لكنها مررت في موازنة عام 2013، ولم نفهم حتى اليوم كيف مررت؟!
> من أين يبدأ التغيير برأيك؟
- الانتخابات، ليس لدينا خيار سوى الانتخابات.
> لكن الانتخابات تغير الوجوه ولا تغير القوانين مثلاً؟
- هذه نقطة مفصلية. المحكمة الاتحادية منعت مجلس النواب من التشريع وعطلت واجباته الأساسية، وأصبح التشريع يمر عبر الحكومة بالضرورة، هذا شيء لا مثيل له في العالم، فالبرلمان العراقي لا يشرع ولا يراقب، حتى عندما يرغب باستجواب مسؤول يتم الذهاب إلى المحكمة الاتحادية التي تحكم ببطلان الاستجواب! السلطة التنفيذية استعانت بالسلطة القضائية لتحجيم السلطة التشريعية، وهذه سابقة لم تحصل عبر العالم.
> لنتحدث عن الوضع السياسي، كيف تقوّم الخريطة السياسية ما بعد الانتخابات، خصوصاً على مستوى القوى الشيعية الرئيسة؟
- إمكانات التغيير متاحة، في الانتخابات الماضية 2010 تشكل «ائتلاف دولة القانون» و «الائتلاف الوطني» وكلاهما اتحد بعد الانتخابات لتشكيل «التحالف الوطني» بغالبيته الساحقة من الشيعة، وكان هذا الاتفاق كفيلاً بإنتاج ولاية رئيس الوزراء نوري المالكي الثانية، لكن هذا التحالف لم يتفق عملياً منذ ذلك التاريخ على معظم القضايا التي واجهته، وكانت قواه مختلفة حول معظم القوانين والسياسيات التي طرحت منذ ذلك الحين، عملياً «التحالف الوطني» قام بخطوة واحدة منذ تشكيله هي حفظ منصب رئيس الوزراء للشيعة، اليوم اختلف الوضع، فليس هناك طرف في العراق يسعى إلى رئاسة الحكومة، ولهذا ستدخل القوى الشيعية في ثلاث قوائم كبيرة هي: القانون والمواطن والأحرار، وهناك قوائم صغيرة أخرى، و «دولة القانون» لن تدخل الانتخابات موحدة، بل تجزأت إلى قوائم صغيرة، وهذا جزء منه مخطط له والآخر يشير إلى انسحابات من كتلة المالكي الانتخابية. هذا الموقف سيتيح إنتاج تحالفات من أطراف متعددة، وسيطرح مفهوم الأكثرية العددية في مجلس النواب لتشكيل الحكومة، وهناك شعور كبير لدى معظم الأطراف السياسية بوجود خلل في الأداء الحكومي تجب معالجته، ولا أتصور أن الحكومة المقبلة سيتأخر تشكيلها على غرار عام 2010.
> والأسباب؟
- لأن القناعة السائدة أنه ليس من الضروري أن يشارك الجميع في الحكومة، مفهوم حكومة الشراكة طرحه الأميركيون، والتجربة في العراق يجب ألا تكون إرضاء السياسيين، فالمطلوب حلول وانطلاقة جديدة لبناء الدولة المتعثرة، وكانت المحاصصة من أهم أسباب هذا التعثر، إضافة إلى تمدد السلطة التنفيذية فوق كل السلطات الأخرى، والمعالجة لن تتم إلا ببناء مؤسسات الدولة، وأن تكون العلاقة بين السلطات علاقة تعاون وليست علاقة خصام. تصور أن استدعاء البرلمان مسؤولاً حكومياً لمساءلته يعتبر إهانة كبرى، فيمتنع عن الحضور.
> وهل يصعب على البرلمان إقرار قانون يجبر رئيس الحكومة والوزراء على حضور شهري مثلاً في جلسات استماع؟
- لو حصل ذلك لاشتكى رئيس الوزراء في المحكمة الاتحادية، وجاء بفتوى تبطل هذا القانون.
> ماذا تتوقع أن يحصل في قضية الولاية الثالثة لرئيس الحكومة، ما هي فرصها اليوم؟
- على رغم أن هناك اعتبارات عدة حول فرص الولاية الثالثة، وأن حظوظ رئيس الحكومة الحالي تراجعت، فإن الموضوع من الصعب الجزم به، بانتظار معرفة أوزان القوى بعد الانتخابات وقضية الاتفاق الوطني.
> والاعتبارات الإقليمية والدولية؟
- بالتأكيد تؤثر، الحكومة الحالية تشكلت بضغط متوازن أميركي - إيراني. اليوم لن يكون مثل هذا الضغط موجوداً، وهناك توافق عام على أن العراق يجب أن يكون دولة ناجحة بعد 8 أعوام من الفشل في إدارة الدولة.
> لكن، هناك حديث دائم عن خطورة التغيير وعدم وجود بدلاء؟
- لماذا لا يوجد بدلاء، العراق مليء بالبدلاء الأكفاء.
> الرئيس جلال طالباني قال يوماً إن بديل المالكي هو المالكي نفسه؟
- (يضحك) نشكر مام جلال... بالطبع الرجل في مرض الآن ولا يصح مناقشة تصريحاته السابقة.
> هل لديك تصور عن رئاسة العراق المقبلة؟ هل هناك بوادر صراع سنّي – كردي على منصب رئيس الجمهورية؟
- أعتقد أن ما سيحدث هو اتفاق ولن يكون هناك صراع، ما أعرفه أن أحداً ليس متمسكاً بالمنصب لطائفة واحدة.
> ما رأيك بطرح اسم مسعود بارزاني للمنصب؟
- أعــــتقد أنه سيـــكون رئيــــساً جيــــداً للعراق.
> هل تعتقد أن دور رئيس الجمهورية سيتغير في المرحلة المقبلة؟
- أهم قضية يمتلكها رئيس الجمهورية هي حقه في تكليف رئيس الوزراء. وشخصياً، أعتقد أن من الأسباب التي ستقود إلى تسريع الحكومة المقبلة أن الرئيس سيمارس صلاحياته في تكليف رئيس الوزراء، عبر الكتلة البرلمانية الأكثر عدداً التي تتشكل بعد الانتخابات.
> أحاول أن أسحب الحديث إلى الملف الأمني؟
- لدينا في العراق مليون وربع المليون منتسب أمن وعسكري، وكل واحد منهم يكلف الدولة شهرياً ما لا يقل عن ألف دولار، ومع هذا ليس هناك أمن، لدينا في بغداد 1200 نقطة تفتيش ولا نلمس الأمن أيضاً، المنطقة الخضراء بدأت تتوسع وأصبحت مناطق كاملة خارجها ممنوعة على غير حاملي بطاقات التعريف الخاصة! هل القرار هو حماية المنطقة الخضراء وترك باقي العراقيين؟ ولماذا في الأساس لدينا منطقة خضراء بعد عشر سنوات؟ لماذا ما زلنا نطبق الإجراءات الأميركية نفسها؟
> هل الفوضى الأمنية اليوم تعود في بعض أسبابها إلى اعتبارات مذهبية، السنّة يشكون أنهم أقصوا من المؤسسة الأمنية ومن قياداتها؟
- عندما يكون ملايين من أبناء الشعب غير مرتاحين، ويصبح الخلاف هو سبب للتجريم، ستتحول القضية من طور الأمن إلى السياسة، اليوم هناك حملة أمنية اسمها «ثأر الشهداء»... ولكن الثأر مِمَن؟! وكيف سيفهم الطرف الآخر هذه التسمية؟ ما هي نتائج هذه الحملة؟ التفجيرات في تصاعد. اعتقال الناس لم يعد مجدياً لحل المشكلة، والمطلوب هو التعامل السياسي مع المشكلة الأمنية عبر التعاون مع الأهالي والشخـصـيات المؤثرة وكـسـب ودهـم. قائد الـقوات الأمـيركـية الـسـابق فـي الـعراق ديـفـيـد بترايوس يتحدث عن «قصـة نصـر» بالإشـارة إلـى عـام 2007، وأنا قلت له مباشرة إنك لم تحقق انتصاراً أمنياً، وإنما قمت بشيء واحد هو إنشاء الصحوات، بالتزامن مع تجميد السيد مقتدى الصدر جيشَ المهدي، أي أن الإنجاز كان سياسياً وليس عسكرياً. في العراق لا يمكن حسم الموضوع الأمني عسكرياً، صدام حسين لم يتمكن من ذلك، بكل إمكاناته، الآن لن يتمكن أي طرف من حسم الموضوع الأمني عسكرياً، ولهذا يجب أن يكون الأطراف كلهم داعمين في الحرب على الإرهاب وداعمين الحكومة، وذلك يحتاج إلى عمل سياسي واجتماعي واقتصادي كبير. المعركة الحقيقة هي كسب الناس، والجميع يردد للحكومة العراقية جملة واحدة «حسنوا علاقتكم بشركائكم».
> برأيك ماذا كان على الحكومة أن تفعل مع انطلاق تظاهرات السنّة في 23 /12/2012؟
- لماذا اشتعلت التظاهرات أساساً؟ اليس بسبب الهجوم الرسمي على وزير المال رافع العيساوي وحماياته؟ ثم تأتي الحكومة العراقية لتقول إن التظاهرات مدفوعة بأجندة خارجية، فهل من المعقول أن يتهم كل طرف عراقي طرفاً عراقياً آخر بأنه عميل لطرف أجنبي؟ هذا غير صحيح. العراقيون بغالبيتهم العظمى ليسوا عملاء ولا أغبياء. لكنهم يحسون بالظلم والخوف. النجاح في السياسة ليس التعامل مع الأطراف المتفق معهم أساساً، بل مع المختلفين من أجل الاتفاق على نقطة وسط. هنا ومع أي مشكلة تتصاعد الاتهامات بالخيانة والعمالة. وهذا لا يجوز. التفاهم السياسي فقط يمكن أن يحقق الأمن، والتعبئة الطائفية لن تقود إلى سلام أهلي في العراق. بعض الذين يتحدثون بمنطق طائفي سخيف يقولون عند الحديث عن بديل لرئيس الوزراء الحالي: «وإذا ذهب المالكي فهل سيحكمنا السنّة من جديد!» هذا لا يجوز. اليوم لم يعد بإمكان أي طرف القيام بتغيير غير شرعي.
> لكن، نسمع كل يوم عن مخطط للانقلاب على الحكومة وهناك العشرات يتم اعتقالهم على خلفية هذه المؤامرات؟
- لا صدقية لهذا الكلام... صدقيته (صفر). أي انقلاب يحدث في العراق؟ الدولة واجبها أن تجمع الناس وتخفف فرص التدخل الخارجي، هذا التدخل يحدث عندما يشعر جزء من الشعب بالمظلومية من حكومته، واجب الحكومة تقليص هذه الفرص. لم ينجح أي طرف لجأ إلى الخارج. اليوم المعارضة السورية تحصل على دعم خارجي كبير لفرض تسوية عسكرية، لكن ما سيحدث هو تسوية سياسية، وستحصل انتخابات يفوز بها البعثيون، لأن سورية لن يحدث فيها قانون اجتثاث البعث. البعثيون يمتلكون القدرات والحضور وبإمكانهم الفوز في أية انتخابات.
> وهل تتوقع، لو كانت حدثت انتخابات بمشاركة البعثيين في العراق، أنهم سيفوزون؟
- أكيد. البعثيون لديهم آلاف الأعضاء ولديهم إمكانات وكانوا سيفوزون.
> هل تعتقد أن هناك خللاً في سياسة العراق الخارجية؟
- أكبر دليل على الخلل في العلاقات الخارجية العراقية ما جرى من اتفاق أميركي – إيراني أخيراً. العراق دولة كبيرة في المنطقة ولديها علاقات وثيقة مع طهران وواشنطن، ومع هذا لم يتم التفاهم الأميركي - الأيراني الأخير من طريق العراق، وإنما في سلطنة عمان، خمسة اجتماعات حدثت في عمان خلال العام الحالي بين مسؤولين أميركيين وإيرانيين، وهذه الاجتماعات هي ما أنتج الاتفاق النووي الأخير.
> في زيارة المالكي الأخيرة إلى واشنطن، عرض قيام العراق بهذا الدور على الرئيس أوباما؟
- لم ينجح. هناك خلل في الصدقية والأداء السياسي والثقة، كان المالكي يتحدث عن مثل هذا الدور، وأوباما يجيبه بعبارة «حسن علاقاتك مع شركائك»، واشنطن أبلغت في أيلول (سبتمبر) الماضي شركائها في 5+1 بأن لديها مفاوضات ناجحة مع إيران، والسؤال هل أبلغت العراق؟ بل هل أبلغت إيران العراق بهذه المفاوضات؟ الأمر أن السياسة العراقية هامشية في القضايا الكبرى التي تحيط به.
> وكأنما تقصد أن العراق راض بدور الملعب ويرفض العودة إلى دور اللاعب؟
- ولماذا يقبل العراق أن يتحول إلى ملعب، أو ساحة للصراع؟ كنت أقول دائماً إن إيران لن تصنع القنبلة النووية، لأنها تعرف أنها ستصبح هدفاً شرعياً لاستخدام الأسلحة النووية ضدها، كان الإيرانيون يسألونني: «هل ستشنّ أميركا ضدنا الحرب؟». وكنت أقول كلا، فهي ستحتاج إلى مليوني جندي لشن حرب تقليدية، لكنها يمكن أن تستخدم الأسلحة النووية هي أو إسرائيل، لم يكن في نية إيران امتلاك أسلحة نووية، لكنها أحسنت استخدام القضية برمتها لمصلحتها، وإن كانت دفعت ثمناً كبيراً لذلك، نجحت في تخصيب اليورانيوم في شكل قد يعد تهديداً للآخرين ضمنياً لكنه ليس تهديداً مباشراً.
> العلاقة العراقية مع دول الخليج العربي محاطة بالاتهامات والشكوك...
- نظرة السلطات العراقية تاريخياً إلى دول الخليج العربي كانت نظرة تعالٍ غير مبررة وغير واقعية، لكن الخليج تغير الآن ودوله أصبحت دولاً قوية ومؤثرة جداً في العالم، وتمتلك وجوداً اقتصادياً وسياسياً وإعلامياً نافذاً، وتفوقت في مجالات كثيرة. الإمارات العربية على سبيل المثل، لم تعد تعتمد على النفط في موازنتها إلا بمقدار 33 في المئة. العراق يعتمد بنسبة 97 في المئة هذه مقارنة غير صالحة. الخطاب العراقي مع دول الخليج ما زال حتى هذه اللحظة بعــيداً من الواقعية، هذه الدول ما زالت تشعر بالتهديد من العراق، قبل أسابيع ضربت الحدود السعودية بصواريخ من العراق وخرجت إحدى الجهات تتبنى الحادث، كيف يمكن أن تشعر السعودية بالاطمئنان إلى العراق؟ المفارقة أن علاقات إيران مع دول الخليج استمرت أفضل بكثير من علاقات العراق معها، وهنا تكمن براعة إيران في إدارة شؤونها، مقارنة بعدم قدرة العراق على إدارة علاقاته.
> هناك اتهام يصدر من جهات أمنية وسياسية وحكومية أحياناً، أن دولاً خليجية تمول الإرهاب رسمياً في العراق؟
- ليس هناك أي صدقية لهذا الاتهام، بل هو محاولة لتبرير للفشل الشامل في العراق، لنتحدث بصراحة أكثر. الاتهامات توجه إلى المملكة العربية السعودية على وجه التحديد، لكن المملكة تُحكم من عائلة عريقة مرت بأزمات وتجارب كبيرة، ولديها خبرة تاريخية، فمن العبث الحديث عن إقدام المملكة على تخريب علاقاتها التاريخية مع العراق عبر تمويل مجموعات مسلحة، ليس لدى المملكة مصلحة في ذلك. أتذكر في شكل جيد منتصف عام 1993 ذهبنا كوفد عن المؤتمر الوطني للمعارضة إلى المملكة التي كانت علاقاتها سيئة مع نظام صدام حسين، واجتمعنا بالأمير تركي الفيصل الذي كان يرأس جهاز الاستخبارات، واجتمعنا بالأمير سعود الفيصل، وسمعنا من الأميرين حديثاً متشابهاً مفاده: «تعلمنا ألا نتدخل في الشؤون الداخلية للدول، ولن نمول مجموعات عسكرية».
> كيف ترى الأمور في سورية اليوم؟
- الأمر في غاية التعقيد في سورية، وأصبحت الأمور عصية، لدى النظام السوري جذور في المجتمع خارج القضية الطائفية، كما أن الوضع الاستراتيجي لم يكن في مصلحة تغيير النظام، إيران كداعم له أثبتت قدرة كبيرة على إدارة حروب بالوكالة في دول أخرى، وأعتقد أن هذا من أهم أسباب نجاح إيران، طهران لديها خبرة كبيرة في هذا المجال، إضافة إلى تمسك روسيا بالنظام في شكل غير مسبوق، كيف يمكن إسقاط مثل هذا النظام؟ يمكن إسقاط مدن وأرياف لكن التجمعات داخل المدن من الصعب إسقاط النظام السوري فيها، ثبت أن الطرف الوحيد القادر على مقارعة النظام السوري هو تنظيم «القاعدة» وبالطبع ليس من المعقول أن تساهم الولايات المتحدة في تمكين القاعدة في سورية وكذلك لن تفعل الدول الداعمة لتغيير النظام، وبرأيي أن العراق كان يمكن أن يلعب دوراً كبيراً في حل الأزمة السورية في وقت مبكر لكنه لم يقم بذلك.
> كيف؟
- العراق لديه ثاني أطول حدود مع سورية، وهناك علاقات متداخلة عشائرية وعائلية مع سورية، وهناك 60 في المئة من التجارة السورية مع العراق، وكان يمكن استخدام هذه العوامل للحد من الصراع القائم، عبر لعب دور ديبلوماسي مع الدول على طرفي الصراع، وأن يمنح الولايات المتحدة في شكل مبكر معلومات عن الأحداث ويعرض المساعدة لحماية حدوده وتقويض توسع تنظيم القاعدة عبر الحدود. لم ينجح العراق في كسب أي طرف في المعارضة. وأتساءل ما هو تأثير العراق في الحكومة السورية نفسها؟
> كنت من صناع قوانين «اجتثاث البعث» في العراق، واليوم سورية أمام خيارات مختلفة، فهل المستقبل لرحيل الأسد وبقاء البعث أم العكس أم برحيل الطرفين معاً؟
- سورية لن يحدث فيها انتصار عسكري، وإنما تسوية سياسية، وسيجتمع الأطراف على ضرب القاعدة، وستبدأ المفاوضات في ظل استمرار القتال، المطروح اليوم تشكيل حكومة في سورية بصلاحيات تنفيذية، ومسار التفاهم الإيراني – الأميركي لا يشير إلى وجود نية بإخراج الأسد.
> لكن الحديث عن الاتفاق الإيراني – الأميركي يتم وكأنه بلا تنازلات إيرانية، وإن التنازلات تمت من واشنطن فقط؟
- هناك تنازلات إيرانية، ولكن لا أعتقد أن التنازل عن بشار الأسد من ضمنها، برأيي الأسد كشخص أو حزب سينال ثلث أعضاء أي برلمان مقبل في سورية، ويمكن أن يتم تحديد صلاحياته، اليوم الخوف من القاعدة حول الكثير من معارضي الأسد إلى مؤيدين له، وهذا أمر لا أراه صحيحاً، فيجب أن يحدث تغيير في أسلوب تعامل الحكومة مع شعبها، لا أن يكون بطريقة «أريك الموت لتقبل بالحمى». إيران عبر هذا الاتفاق تريد الاستفادة من الإنجازات التي حققتها لكن، بأثمان هائلة اقتصادية واجتماعية داخل إيران، سواء بالحفاظ على نفوذها في المنطقة أو ضمان حقها في التخصيب.
1178 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع