تزداد حالة الفوضى الأمنية والسياسية في العراق بينما يغيب عن البلاد منذ عام الرئيس جلال طالباني في رحلة علاجية طال أمدها، وترك غيابه أثرا على النخبة السياسية والعلاقة بينها.
بغداد: غرق العراق على مدى العام الجاري في مزيد من العنف والصراعات السياسية التي تعصف به منذ الانسحاب الاميركي نهاية 2011، وسط استمرار غياب الرئيس "الوسيط" جلال طالباني الذي غادر قبل سنة في رحلة علاج الى المانيا.
ويفتقد العراق منذ اصابة طالباني بجلطة دماغية في 18 كانون الاول/ديسمبر 2012، ومغادرته الى المانيا بعد يومين من ذلك، الى مهارات "مام جلال" (العم جلال) في تقريب وجهات النظر بين نخبة السياسيين وجمعهم على طاولة واحدة، وهو ما لم يحدث رغم المحاولات المستمرة منذ عامين.
ويقول استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد احسان الشمري لوكالة فرانس برس ان "غياب طالباني اثر بشكل كبير على النخبة السياسية وعلاقاتها في ما بينها، اذ انه كان الى حد كبير يضبط ايقاع اللعبة السياسية ولا يسمح للامور بان تنفلت".
ويضيف "كانت هذه السنة الاصعب على العراق منذ اعوام، والعراق عاشها من دون حامي الدستور وراعيه. وبدون وجود حامي الدستور، كل السلطات والمؤسسات تصبح عبارة عن فوضى".
وانتخب طالباني (80 عاما) رئيسا لمرحلة انتقالية في نيسان/ابريل 2005 ما جعله اول رئيس كردي في تاريخ البلاد، واعيد انتخابه في نيسان/ابريل 2010 لولاية ثانية لاربع سنوات بعدما توافقت الكتل الكردية الفائزة بالانتخابات التشريعية آنذاك على ترشيحه.
وبعدما ركز في ولايته الاولى على التهدئة مع جارتي العراق سوريا وايران اللتين كانت تتهمهما الولايات المتحدة بدعم التمرد في العراق، عمل طالباني خلال ولايته الثانية على ابقاء الحوار مفتوحا بين الفرقاء السياسيين في ظل صراع مستمر على السلطة.
وشهد العراق ازمة سياسية كبرى بدات في يوم سفر طالباني، حيث اعتقلت القوات الامنية بعض افراد حماية وزير المالية المستقيل رافع العيساوي، الشخصية السنية النافذة، بتهم تتعلق بالارهاب.
واثارت عملية الاعتقال هذه التي تسببت باستقالات وزارية، استياء كبيرا لدى السنة الذين راوا في محاولة استهداف العيساوي، بعد عام من قضية نائب الرئيس السني طارق الهاشمي المحكوم غيابيا بالاعدام لتهم تتعلق بالارهاب، استهدافا لهم من قبل السلطة التي يسيطر عليها الشيعة.
وانتقل الاستياء السني الى الشارع سريعا، حيث شهدت ولا تزال مدن عراقية عدة اعتصامات مناهضة لرئيس الحكومة نوري المالكي، الذي يحكم البلاد منذ العام 2006، وسط فشل قادة البلاد في الاجتماع حول طاولة واحدة، وهو ما يدعو اليه طالباني منذ ازمة الهاشمي عشية الانسحاب الاميركي في 18 كانون الاول/ديسمبر 2011.
ويشكل الاستياء لدى الاقلية السنية التي حكمت البلاد لعقود قبل الاطاحة بصدام حسين في العام 2003، الوقود الرئيسي لموجة العنف المتصاعدة التي تضرب العراق حاليا وتعيده الى فترة النزاع الطائفي، والتي بدات في نيسان/ابريل حين اقتحمت قوات حكومية اعتصاما مناهضا للمالكي في مدينة الحويجة غرب كركوك (240 كلم شمال بغداد) في عملية قتل فيها العشرات.
ويقول استاذ العلوم السياسية في جامعة المستنصرية عصام الفيلي لفرانس برس ان "طالباني كان صمام الامان، لانه كان عابرا لكل الانتماءات الطائفية والقومية".
ويتابع ان الرئيس العراقي "كان قادرا على خلق مقاربات ومبادرات سياسية كانت لتجعل، ربما، السنة التي مرت اقل سواء".
والى جانب الافتقاد لمهارات طالباني، يعيش العراق منذ سنة من دون رئيس فعلي، حيث يتولى مهام الرئاسة حاليا نائب الرئيس خضير الخزاعي، وهو شيعي، استنادا الى فقرة في الدستور العراقي تنص على ان "يحل نائب رئيس الجمهورية محل الرئيس عند غيابه".
لكن الدستور ينص ايضا على ان "يحل نائب رئيس الجمهورية محل رئيس الجمهورية عند خلو منصبه لاي سبب كان، وعلى مجلس النواب انتخاب رئيس جديد خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوما من تاريخ الخلو"، من دون ان يحدد اسبابا معينة حتى يعتبر المنصب خاليا، او مدة معينة لاعتبار منصب الرئاسة شاغرا.
وكان الادعاء العام في العراق دعا في ايار/مايو الماضي رئيس البرلمان اسامة النجيفي الى انتخاب رئيس جديد للبلاد بعدما اعتبر ان منصب جلال طالباني اصبح "خاليا" بسبب سفره ومرضه، في خطوة رفضتها اللجنة القانونية البرلمانية واعتبرتها غير دستورية مبررة ذلك بالقول ان الرئيس العراقي "غائب" فقط.
ويرى الشمري ان غياب طالباني "وعلى الرغم من انه لاسباب مرضية، الا انه اكد لنا بان العراق يمر بازمة دستورية".
ويوضح "هناك فجوة دستورية لم يتم التعاطي معها لاسباب عديدة، منها التحالفات السياسية الهشة، وهذا الامر يعني ان طالباني سيستمر في منصبه، وهو خارج العراق، لحين انتهاء ولايته" العام المقبل.
وينشر مكتب طالباني، الذي خسر حزبه موقعه الريادي في مدينة السليمانية خلال الانتخابات المحلية الاخيرة، كل بضعة اسابيع بيانات عن صحة الرئيس مرفقة بصور له، تتحدث عن تحسن مستمر، ولا تحدد موعدا لعودته الى البلاد، او ما اذا كان قادرا على ممارسة مهامه بشكل كامل في حال عودته، وكان اخرها الاسبوع الماضي.
ويقول الشمري ان "صور طالباني التي تنشر بين الحين والاخر تهدف الى تمديد عملية غض الطرف عن موضوع ايجاد بديل له"، وهي عملية قد تثير ازمة سياسية جديدة في حال جرى طرحها بشكل جدي.
ويضيف "على كل حال، من الصعب جدا في الوقت الحالي ايجاد شخصية بديلة عن طالباني تتمتع بالكاريزما نفسها التي يتمتع بها هو".
1223 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع