ظهر نتيجة تطور الحياة وتعثـر التواصل الاجتماعي
بغداد: عذراء جمعة:بدأ تعارف "سلمى"مع "لؤي" بمحض الصدفة عندما كانت تدردش في احد المواقع الالكترونية، وبعد مدة ليست بالقصيرة وتعارف بعضهما ببعض وعن طريق الانترنت فقط، من دون حدوث اي لقاء مباشر بينهما....
اتفقا على الارتباط والزواج، وبعد خطبة لؤي لسلمى وحدوث اللقاء بينهما، بدأت المشاكل واختلاف وجهات النظر في اغلب الامور التي يتناقشان فيها الى حد جعلهم يعتقدان بانعدام أي توافق بينهما، ولا يمكن نجاح علاقتهما الزوجية، وان انهاء هذه العلاقة الآن أفضل من استمرارها حتى لا تتعقد الامور أكثر، ولم يكن هذا قرارهما فقط وانما كان رأي اهلهما واصدقائهما ايضا.
هذا الحال لا ينطبق على جميع العلاقات والتعارف التي تجرى عن طريق الانترنت،وانما هناك علاقات كتب لها النجاح منذ البداية واستمرت العلاقة بتكوين اسرة سعيدة عن هذه التجربة يقول "حسن"لقد تعرفت على زوجتي عن طريق الانترنت على الرغم من انتمائنا لعوائل ملتزمة بالاعراف والتقاليد والشريعة الاسلامية، واستمرت هذه العلاقة لثلاثة اشهر وبعدها تم الزواج وقبل ايام احتفلنا بمرور ثلاثة اعوام على زواجنا، ونجاح علاقتنا مرتبط باحترام بعضنا البعض والصدق والابتعاد عن الخداع والتزييف، وان حقيقة كل شخص لا بد ان تظهر ولا تغلفها المسافات او الشبكة العنكبوتية.
لم يحبذ الحاج" كامل جواد" الزواج الانترنيتي لاعتقاده بأن الشخص لا يمكن ان تعرف معدنه وحقيقته اذا لم تلتق به وبعائلته اكثر من مرة وتسأل عنه جيرانه ومعارفه، خاصة في هذه الايام وفي هذا الزمن التي كثرت فيه حالات الطلاق نتيجة عدم تحمل اغلب الشباب المسؤولية، لذا فالبنت بحاجة الى الكثير من الضمانات والى من يكفل الشاب سواء والده او كبير العائلة.
أوراق رسمية
وبين مدير قسم حماية الاسرة/ الرصافة العقيد وحيد راجح حميد:
لم تسجل في قسمنا اي حالة خصام لعلاقة زواج تمت عن طريق الانترنت، لأن قسمنا يتعامل مع الاوراق القضائية الرسمية وكل مشتكية تدون أقوالها عند القاضية ويتم سماع اقوالها لمعرفة الأسباب التي ادت الى المشكلة وسماع الطرف الاخر من اجل حل المشكلة وديا، وفي حال فشل المساعي الودية بين الطرفين تلجأ المشتكية الى القضاء لحل المشكلة .
ضعف التواصل
وأكدت الناشطة المدنية زينة جسام من مركز الامل للارشاد النسوي فشل اغلب العلاقات الزوجية او التعارف عن طريق الانترنت نتيجة لاسباب عدة منها ضعف التواصل بين الطرفين نتيجة كونه كتابة او استخدام الموبايل ما يؤدي الى ضعف ايصال الافكار بسهولة، وان المشاكل عندما تحدث بين الطرفين يتم حلها بالكلام فقط من دون لقاء مباشر لمعرفة انفعالات ومشاعر كل طرف، وان التواصل عن بعد يساعد كل طرف على اظهار المعلومات التي يريد اظهارها فقط، وقد يخفي ما يريد اخفاءه،مضيفة وان مثل هذه اللقاءات تفتقد فيها لغة الجسد وهي مهمة جدا في الجانب الاجتماعي داخل الاسرة، لأن التعارف يستمر لشهر او شهرين احيانا والشخص لا يعرف شيئا عن الشريك التي يريد الارتباط به، وان هذا النوع من التعارف يجعل كل شخص يتحدث بمزاجه من خلال تحديد الوقت المناسب له فلا يمكن للشخصين المتعارفين ان يتحدثا متى يشاءان وانما يحددان الوقت المناسب لكليهما وغالبا ما يكون الليل بعد الانتهاء من العمل ويكون المزاج هادئا لا مشاكل او انفعالات نفسية.
واشارت جسام يبدو ان مواليد "التسعينيات" اختارت الزواج عن طريق الانترنت بعيدا عن الطرق التقليدية، ومن دون تدخل الأهل والأقارب، ولم يعد الشباب يبحثون عن نصفهم الآخر بين زملائهم في الدراسة او الوظيفة او الاصدقاء والاقارب، ولهذا برزت في حياتهم مشكلة الزواج المبكر والطلاق المبكر الذي بدأ يتصاعد بشكل ملفت للنظر.
لا إشكال شرعيا
وقال الباحث الاسلامي محمد الكوفي: ان الاسلام ينظر الى مسألة الزواج بمنظار مقدس وقال الله تعالى(ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة أن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) ولهذا فان الزواج يعني الاستقرار والحياة الهانئة والعيش الرغيد في طرق مشروعة من ناحية عقد الزواج والايجاب والقبول ويكون بذلك الزواج شرعيا ولا اشكال فيه، وان الزواج عن طريق الانترنت اذا ما احتوى على هذه الشروط فلا اشكال شرعيا فيه، لكن الزواج عبر الاثير والمسافات البعيدة غير محبذ اسلاميا واجتماعيا نظرا للعيوب والكثير من السلبيات التي ترافقه في الكثير من الأحيان، إذ يعتمد على التعارف واقامة علاقة بحجة الزواج، ولكن غرض الشباب منه اضاعة الوقت والاستمتاع مع الشابات وخداعهن بالكلمات المعسولة والاحلام الوردية من دون التفكير بالزواج اطلاقا، لاسيما إذا ما جرى هذا الأمر بعيدا عن رقابة الأهل.
الرؤية القانونية
وقال القاضي ناصر عمران الموسوي: ان الزواج عقد رضائي ذو طبيعة خاصة، وليس من العقود الشكلية التي يستلزم لها التوثيق، فالتوثيق غير لازم لشرعية الزواج أو صحته أو نفاذه أو لزومه، وإذا كان قانون الأحوال الشخصية العراقي المعدل قد وضع عقوبة في المادة العاشرة الفقرة الخامسة فان هذه العقوبة وضعت لتنظيم عقود الزواج والقضاء على ظاهرة الزواج خارج المحكمة من دون مس بصحة او نفاذ او لزوم العقد، وهناك اركان وشروط لانعقاد وصحة عقد الزواج ذكرتها المواد (الرابعة والخامسة والسادسة بفقراتها) من قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1958المعدل ولا يختلف عقد الزواج باركانه عن العقود الاخرى وهي (التراضي (الإيجاب والقبول ) والمحل والسبب ) ويجب توفرهما لتتحقق ماهية عقد الزواج .
وبين الموسوي شروط انعقاد الزواج تتنوع إلى نوعين: لأن منهما ما يرجع إلى العاقد ومنها ما يرجع إلى مجلس العقد.
فأما ما يرجع إلى العاقد من شروط الانعقاد فهو شرط واحد. وهو أن يكون العاقد عاقلاً، فلا ينعقد الزواج إذا كان العاقد مجنوناً أو صبياً لا يعقل لأن كل واحد منهما ليس أهلا للتصرف.
وأما ما يرجع إلى مجلس العقد من شروط الانعقاد فثلاثة شروط:
الأول: أن يتخذ المجلس الذي صدر فيه الإيجاب والقبول .
الثاني: أن يسمع كل واحد من العاقدين كلام الآخر ويفهم ما يراد به، فلا ينعقد الزواج إذا كان أحد العاقدين أصم، ولا إذا كان أحدهما لا يفهم المراد من الكلام.
الثالث: ألا يخالف القبول والإيجاب فى شيء يُعد عند التحقيق مخالفة، وذلك بأن يختلف المعقود لهما أو أحدهما أو يكون ما ذكر فى عبارة القبول شرا مما ورد فى الإيجاب سواء أكانت المخالفة فى كل جزء من أجزاء الإيجاب أم كانت فى بعض أجزائه دون بعضها الآخر، وعقد الزواج الالكتروني الذي يتم بين الطرفين سيلزم ان يكون هناك ايجاب ولايشترط ان يكون من الرجل او المرأة، فأيهما كان صاحب الايجاب (العرض ) على ان يصدر من الآخر قبولا ً بعد تلقيه الايجاب وعلم الموجب بنتيجة القبول، وطريقة الايجاب والقبول يمكن ان تكون شفاها او كتابة ً،وتتم في الاتصال الالكتروني بشكل واضح وصريح ،على ان يكون كلا الطرفين معرفا لدى الآخر مع توفر شروط انعقاد المجلس، فاذا قام احد طرفي العقد الالكتروني بطلب من الاخر الزواج وقبول من الاخر ورددت الصيغة الشرعية الخاصة بالزواج، مع مراعاة الجانب الشرعي بخصوص شهود عقد الزواج طبقا ً للمذاهب الفقهية التي توجب شاهدين لعقد الزواج، ويمثل الزواج الالكتروني مثالا لتطبيق انعقاد مجلس العقد عن طريق الاتصال الالكتروني الذي تنوع واصبح بالامكان الحديث بالصوت والصورة عبر دائرة الكترونية .
ونوه الموسوي بأن ظاهرة الزواج عبر الانترنت (الزواج الالكتروني) التي تتلخص بتقديم طالب البحث عن شريك لحياته نبذة مختصرة عن شخصه ومواصفاته ويدعو الآخر إلى الاقتران به او يقوم الشخص باختيار الشريك المناسب بعد اطلاعه على المعلومات والمواصفات الشخصية المنشورة على أحد المواقع المتخصصة في شبكة الانترنت او التعارف الشخصي نتيجة الممارسة التقنية للشبكة العنكبوتية ويتم من خلاله انعقاد مجلس الزواج بين الطرفين وهو النموذج الحقيقي للزواج عبر الانترنت، اما العرض في المواقع المتخصصة فلا يعني عقدا ًللزواج،وإنما هو عبارة عن دعوة للاقتران وتمر بمرحلة من التفاوض والضمانات لتصل إلى مرحلة الخطبة والعقد بعد ذلك ولا غبار من الناحية القانونية حول الإجراءات المتبعة بخصوص ذلك فتشعب الحياة ودخول التكنولوجيا يقابله جمود في العلاقات الاجتماعية تبيح للرجل والمرأة خلق مساحات وفواصل علائقية تنتج اقترانا ً بينهما لذلك لجأ البعض إلى استخدام التقنيات الالكترونية في التعارف والاقتران، أما البعض وبنسبة اكبر فقد وجد في هذه المواقع فرصة للتعبير عن الكبت النفسي والبحث عن الآخر الذي يتلاشى اجتماعيا ً ليزداد حضوره تقنيا ً مناسبة لتحقيق رغباته متشحا ً بدعوة التفاوض والعرض للوصول إلى الآخر الذي ربما يعتقد انه يشاركه فرصة بناء علاقات عاطفية تحت غطاء شرعي وفي الأغلب يكون العقد العرفي الطريق لذلك.
واوضح الموسوي من خلال التطبيق العملي يؤكد القضاء العراقي في المنازعات الخاصة بإثبات العلاقة الزوجية على مدى قدرة المدعي بإقناع المحكمة بوجود علاقة زوجية سليمة حتى لو تمت تلك العلاقة عن طريق الانترنت ويتم ذلك بجميع طرق الإثبات ومنها إقرار المدعى عليه بالزوجية ولا يعول على العقد العرفي والذي يطلق على عقد الزواج غير الموثق بوثيقة رسمية، سواء أكان مكتوبا أو غير مكتوب وينصب عمل المحكمة على اثبات هذا الزواج مع التأكيد على توافر الشروط الخاصة بالانعقاد والصحة والنفاذ واللزوم، ويؤكد القضاء عند نظر الدعوى الى خطورة عقد الزواج لما له من أهمية اجتماعية ودينية وما يتمخض من خلاله عن حقوق والتزامات تتجاوز الطرفين في جوانب منه، الا ان العقود الالكترونية وان حققت الشروط العامة في العقد فانها تثير عدة اشكاليات قانونية منها ان غاية عقد الزواج حسب المادة (الثالثة ) هي (...الحياة المشتركة و النسل ) الذي يعني ديمومة التواصل الحياتي والذي يعني تحقق الوحدة المكانية والتلاقي.
واضاف الموسوي إن ظاهرة الزواج الالكتروني هي نوع من إفرازات الطبيعة الاجتماعية الإنسانية التي وجدت نفسها محكومة بجمود علائقي يفترض التفرد والتوحد، فكانت ممارسة اجتماعية بديلة وهي بحاجة إلى دراسة موضوعية تأخذ بيد التجارب الناجحة وتطورها وتحارب وتردع السلوك الشاذ والمخالف ويكون ذلك عبر منظومات دراسية وتشريعية دراسية عبر فهم الماهيات المتعددة للرابطة الزوجية بنواحيها، بايولوجيا ونفسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وضمن سياقات حضارية وتشريعية عبر قوانين تنظم العلاقة الزوجية بمتنفساتها الالكترونية وبشكل هادف وواع يأخذ الجوانب الشرعية والعادات والتقاليد الاجتماعية الايجابية، فلا يمكن لنا ان نكون كالنعامة التي تدفن رأسها، فالطرق الاجتماعية الخالقة للاقتران بين الرجال والنساء صارت ضيقة والبحث عن شريك في عوالم الماديات واقتصاد السوق والاعتماد على التقنية بشكل واسع أحدث أزمة كبيرة في مجتمعاتنا الشرقية بحاجة إلى التعويض، وليس هناك أفضل من استثمار التقنيات لمصلحة العلاقات الاجتماعية التي تمتاز بقدرة عالية على بلورة التفاهم وإيجاد المشتركات الضرورية المنتجة للأسرة الجديدة حتى لو كانت ببناء الكتروني على ان تكون هناك ثقافة ووعي بأهمية ونتائج عقد الزواج وما يتمخض عنه..
1117 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع