المدى - بعد مرور عقد من الزمن على الاجتياح الأميركي و موجة النهب التي سرت في بغداد، يستعد المتحف العراقي لعرض كنوز حضارة وادي الرافدين رغم فقدان الكثير من الآثار .
ان نهب المتحف أمام أنظار القوات الأميركية يشبه الى حد ما النهب المغولي للمكتبة الكبرى في بغداد عام 1258 . حينها تجاهل وزير الدفاع دونالد رامسفيلد أعمال السلب و النهب معلقا على ذلك بقوله " هذه الأشياء تحدث في كل زمان و مكان ".
لكن اذا كان الكثير من العراقيين لازالوا ينظرون الى نهب المتحف على انه رمز لرعونة الاجتياح، فان وضعه الحالي يرمز لسفك الدماء و الخلاف السياسي و الخلل الوظيفي، التي تعصف في البلاد منذ الاجتياح عام 2003 . كما ان العاملين في المتحف يأملون انه في يوم ما سيحتضن وعود و إنجازات بلد غني بالنفط تربّع لآلاف السنين في قلب الحضارة الإنسانية . قالت شيماء عبدالقادر التي تعمل دليلا سياحيا في المتحف " يعرض المتحف اليوم بعض الآثار المنهوبة التي تمت استعادتها . المتحف مفتوح أمام الزوار الذين يحملون تراخيص خاصة – اغلبهم من الطلبة و المسؤولين و الشخصيات الأجنبية – لكنه سيسمح بدخول عامة الناس بداية شباط او آذار اعتمادا على جهود الأعمار و الاستعدادات ".
كان نهب المتحف – الذي يضم قطعا أثرية تعود الى اكثر من خمسة آلاف سنة في تاريخ بلاد ما بين النهرين – واحدا من اكثر الأحداث المثيرة و الحساسة في أعقاب الاجتياح الذي قادته الولايات المتحدة في العراق ، حيث تم تجريد القاعات و خزانات العرض من تماثيل و تمائم و عملات و أختام أسطوانية لا تقدر بثمن . اليوم لم تفتح سوى سبعة من أجنحة المتحف البالغ عددها 23 جناحا. بعض الأقسام تفوح منها رائحة العفن و الإنارة فيها ضعيفة تقتصر على مصابيح الفلورسنت القديمة ، و اكثر لوحات الدلالة تقتصر على ورقة مطبوعة تزخر بالأخطاء الإملائية و معلقة في حمالات بلاستك .
وراء جدران المتحف تنتشر أعمال القتل اليومية و السيارات المفخخة و الهجمات الانتحارية . يقول الموظفون انه تمت إضافة مدخل للقاعة و تركيب شاشات إلكترونية و ترميم الآثار التالفة . يقول احد العاملين – طالبا عدم ذكر اسمه لعدم تخويله بالتحدث لوسائل الأعلام - و هو يلمّع عملا خشبيا من عهد سلالة قاجار " حلمنا هو ان يعاد افتتاح المتحف. ليس هناك مكان آمن تماما في هذا العالم و ليس فقط في الشرق الأوسط".
مهد الحضارة
يضم المتحف مجموعة رائعة من التماثيل و الفسيفساء و نقوش تعود لإمبراطوريات سومرية و عثمانية . لقد تطورت بعض من أولى المدن و أنظمة الري و القوانين و أشكال الكتابة في ما يعرف اليوم بالعراق ما أكسبه لقب " مهد الحضارة ". ان المجد العريق لإمبراطوريات مثل البابلية و الآشورية يتناقض مع حقيقة بغداد الحالية بمبانيها المنهارة و شوارعها المزدحمة بالسيارات و المليئة بنقاط التفتيش.
بعض القطع الرائعة تعود الى العهد العباسي عندما كانت بغداد القلب الإداري و الحضاري لإمبراطورية امتدت يوما ما من إسبانيا الى أوزبكستان . يبدو المتحف قديما قدم العراق الحديث، حيث تم تأسيسه في 1923 من قبل الملك فيصل الأول سليل الأسرة السعودية البارزة الذي اختاره الاستعمار البريطاني لدمج ثلاث محافظات عثمانية متفرقة في بلد جديد . لم تكن تلك مهمة سهلة، حيث كانت السياسة في العراق عبارة عن ملحمة من الانقلابات و الثورات حتى صعود صدام الى السلطة عام 1979 ليحكم بقبضة من حديد لغاية خلعه على يد القوات الأميركية . كان مجمل عدد القطع التي سرقت من المتحف خلال الاجتياح 15 الفا، تمت استعادة 8 الى 9 آلاف منها بما فيها القناع الحجري لسيدة الوركاء الذي يعود الى العصر السومري . القاعة الآشورية تضم تماثيل الثيران المجنحة الضخمة ذات الرؤوس البشرية و التي كانت يوما ما تحيط ببوابات العاصمة القديمة خورسوباد، إضافة الى نقوش لملوك و شياطين و رجال حاشية حيث انها كبيرة الحجم لدرجة يصعب معها سرقتها .
المشاكل القديمة و الجديدة
ان نهب الآثار العراقية يعود الى ما قبل الاجتياح الأميركي بعقود و لازال مستمرا منذ رحيل القوات الأميركية . تقول جيرالدين شاتلارد من منظمة اليونيسكو ان المشكلة بدأت اولا خلال الحرب العراقية الإيرانية في سنوات الثمانينات عندما حولت الحكومة مواردها باتجاه الصراع ، كما ان الرواتب القليلة كانت تعني ان الحراس كانوا معرضين للرشوة ، بينما الفقر و الدور الضعيف للدولة جعل النهب اسهل و اكثر جاذبية – و هي مشاكل تفاقمت في ظل العقوبات الدولية في سنوات التسعينات . تقول شاتلارد " ليس الاجتياح الأميركي و انهيار الأمن في العراق هو الذي خلق المشكلة لكنه زاد من تفاقمها ". منذ ذلك الحين، تسبب نقص الخبرة و الموارد في عرقلة جهود القضاء على شبكات التهريب المرتبطة بمسلحين و التي ظهرت في تلك الأيام و بدأت اليوم تنتقل الى الجارة سوريا لاستغلال الصراع هناك . تضيف شاتلارد ان الخلافات السياسية تشكل مشكلة أيضا، حيث فشلت السلطات المسؤولة عن الآثار و سلطات الأمن الداخلي في تنسيق جهودها . عودة الآثار مستمرة من بلدان في أوربا و آسيا و أميركا الشمالية – رغم عدم دقة الأعداد التي ستتم إعادتها . تقول شاتلارد " من غير المحتمل ان يستعيد العراقيون جميع آثارهم، لكنها تعاد بواسطة حكومات البلدان ".
985 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع