نزعت بغداد فتيل ازمة سياسية جديدة، كادت تتفجر بين سنة البلاد والحكومة اثر اعتقال قواتها لثلاثة من كبار العلماء السنة، واضطرت إزاء الادانات الواسعة إلى اطلاقهم بعد ساعات من اعتقالهم من جامع ابي حنيفة، بمنطقة الاعظمية في العاصمة، التي استعد سكانها للخروج في احتجاجات، مما اضطر السلطات لإغلاقها ومنع الدخول والخروج منها، فيما اتهمت منظمة هيومان رايتس ووتش الحكومة والمسلحين بممارسات راح ضحيتها العديد من المدنيين في محافظة الأنبار الغربية.
وكانت قوة أمنية اعتقلت الشيخين العاني وعبد الجبار، عند خروجهما من جامع ابي حنيفة في الاعظمية بعد صلاة الجمعة أمس. واثر تحركات سياسية واتصالات عاجلة، وادانات لقوى سياسية، فقد أطلقت القوات الأمنية سراح الشيخين محمود عبد العزيز العاني رئيس مجلس علماء العراق، وعبد الستار عبد الجبارامام وخطيب جامع ابي حنيفة النعمان، الليلة الماضية بعد ساعات من اعتقالهما، اضافة إلى اطلاق الشيخ خالد العبيدي امام وخطيب جامع الدهان المعتقل منذ يومين. وكان اعتقال السلطات لنائب محافظة الانبار أحمد العلواني اواخر الشهر الماضي قد فجر اقتتالا بين القوات الحكومية والمسلحين والعشائر مازالت مستمرة لحد الآن.
استجابة للمطالب
وجاء الإفراج عن العلماء الثلاثة اثر اعتصام عدد من النواب واعضاء مجلس محافظة بغداد في جامع ابي حنيفة، حتى استجابت السلطات الأمنية لمطلبهم باطلاق سراح الثلاثة. وقد اضطرت السلطات إلى اغلاق منطقة الاعظمية والمنافذ المؤدية اليها ومنعت المواطنين من دخولها او الخروج منها بعد ان شعرت بقرب خروج احتجاجات شعبية للمطالبة باطلاق الشيوخ الثلاثة، كما قامت بنشر آلياتها العسكرية في أحياء عدة في المنطقة الأعظمية في خطوة استباقية لتنفيذ اعتصام امام جامع ابو حنيفة النعمان احتجاجا على اعتقال الشيخين العاني وعبد الجبار.
وكانت قوى سياسية قد اعتبرت امس اعتقال الشيخين العاني وعبد الجبار اذكاء خطيرًا للنهج الطائفي حيث اكد ائتلاف "متحدون للاصلاح"، بزعامة رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي، ان الاعتقال يشكل تصعيدا غير مقبول نهائيا، للرغبة الطائشة في الاعتماد على الأساليب القسرية والعنف في التعامل مع رموز دينية واجتماعية تمثل ثقلا كبيرا في المكون الذي تنتمي اليه فضلا عن كونها شخصيات عراقية مرموقة في علمها ومواقفها . ودعا إلى إطلاق سراح الشيخين فورا ومحاسبة من امر بمثل هذا الفعل الذي لا يهدف سوى إلى إذكاء المنهج الطائفي والأساليب القسرية في التعامل مع أبناء الشعب .
ومن جهته اعتبر الحزب الاسلامي العراقي اعتقال الشيخين تصعيداً خطيراً وطالب باطلاق سراحهما فوراً. وقال ان الاعتداء على رموز المكون السنّي أمر مقصود تلجأ له الحكومة كل حين من أجل محاولة خلط الأوراق واثارة الفوضى على الساحة العراقية الملتهبة أصلاً.
وجاءت عملية اعتقال الشيوخ الثلاثة في وقت أعلنت الأمم المتحدة عن نزوح اكثر من 140 الف شخص من محافظة الانبار التي يقطنها مليون ونصف المليون نسمة في اسوأ موجة نزوح منذ الصراع الطائفي بين عامي 2006 و2008 . واكد متحدث باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة ان هذا اعلى عدد للنازحين منذ الصراع الطائفي بين عامي 2006-2008 التي شهدها العراق. واشار إلى ان هذه الاعداد مثبته لدى الحكومة العراقية موضحا ان اكثر من 65 الف شخص قد فروا من محافظة الانبار خلال الاسبوع الماضي فقط. واضاف ان "كثيرا من المدنيين غير قادرين على مغادرة مناطق تشهد اشتباكات وتعاني نقص في الغذاء والوقود الان". وحذر المتحدث من ان "الناس لا يتوفر لديهم المال لشراء الغذاء وهناك نقص في ملابس مناسبة لظروف الامطار والاطفال بدون مدارس والظروف الصحية، خصوصا للنساء مثيرة للقلق".
هيومان رايتس تتهم الحكومة والمسلحين بقتل مواطنين في الأنبار
قالت منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية اليوم إن القوات الحكومية العراقية قامت باستخدام نيران الهاون على نحو عشوائي في أحياء مدنية بمحافظة الأنبار (110 كم غرب بغداد)، كما انتشر مقاتلون للقاعدة ومسلحون من جماعات محلية في مناطق مأهولة بالسكان وشنوا منها هجمات.
واضافت المنظمة في تقرير لها عن تطورات الأحداث بمحافظة الأنبار التي تشهد منذ 21 من الشهر الماضي قتالا بين القوات الحكومية من جهة ومسلحي العشائر المناوئين لها وعناصر دولة العراق والشام الاسلامية "داعش" المرتبطة بالقاعدة ع أن أساليب القتال غير المشروعة من كافة الأطراف قد أدت إلى خسائر مدنية وأضرار جسيمة بالممتلكات وأدى الحصار الحكومي المفروض على الفلوجة والرمادي إلى تقييد وصول السكان إلى الغذاء والماء والوقود.
واشارت إلى انه استناداً إلى العديد من التقارير وشهادات سكان محليين في مقابلات معها، فقد ردت قوات الأمن الحكومية على هجمات شنتها جماعات مسلحة تتبع القاعدة في اشارة إلى "داعش" في الاول من الشهر الحالي بإطلاق نيران الهاون والبنادق على مناطق سكنية دون وجود ظاهر للقاعدة في بعض الحالات وبعد ذلك حاصرت قوات الأمن المدينتين بحسب شهود.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش "تحتاج الحكومة إلى التعامل العاجل مع تهديد القاعدة، إلا أن قتل مواطنيها دون وجه حق لا يمثل السبيل إلى هذا فقد علق مدنيون في المنتصف في الأنبار وتبدو الحكومة وكأنها لا تفعل شيئاً لحمايتهم".
وفي الفلوجة أغلق الجيش نقاط التفتيش الرئيسية الشرقية والشمالية والجنوبية، رافضاً السماح لأي أشخاص أو أدوية أو أغذية بدخول المدينة أو مغادرتها عبر تلك النقاط. قال سكان الفلوجة إن قوات الأمن سمحت للعائلات ذوات الأطفال بمغادرة المدينة عبر اثنتين من نقاط التفتيش الأخرى، لكن فقط "بصعوبة شديدة"، وإنها ظلت حتى الثامن من الشهر نفسه ترفض السماح للرجال بالمغادرة حيث تواصل قوات الجيش محاصرة الرمادي، لكن السكان يفيدون بقدرتهم على مغادرة المدينة.
وقال سكان إن حصار الجيش والقتال العنيف المتقطع تسببا، بمنع السكان من الحصول على كفايتهم من الغذاء والماء والكهرباء والوقود حيث وصف المجلس المحلي بالأنبار الوضع الإنساني في الفلوجة بأنه "كارثي". ونقلت هيومان رايتس ووتش عن موظف في المستشفى الرئيسي في الفلوجة قوله بأن نيران الهاون التي أطلقها الجيش تسببت في مقتل 25 من سكان الفلوجة وإصابة 190 آخرين منذ بدأ القتال وكلها ناتجة عن الشظايا موضحا إن مناطق المدينة التي وردت منها الإصابات كانت كلها مناطق لا وجود للقاعدة فيها، بحسب السكان.
واضافت المنظمة أنه "استناداً إلى العديد من التقارير الإعلامية وأقوال 10 شهود في الرمادي والفلوجة فقد تصاعدت التوترات في الأنبار بعد قيام قوات الأمن باعتقال أحمد العلواني رجل السياسة السني البارز من منزله في الرمادي في 27 كانون الأول (ديسمبر) الماضي وقتل شقيق العلواني وخمسة من حراسه الشخصيين في عملية الاعتقال. وفي 30 من الشهر أحاطت قوات الأمن بساحة مركزية في الرمادي حيث كان متظاهرون سنيون قد اعتصموا لمدة تزيد على العام ضد ما زعموا أنه انتهاكات مستمرة من قبل قوات الأمن حيث تتباين أقوال الشهود حول ما إذا كانت قوات الأمن قد هاجمت الساحة بالقوة لكن القتال نشب بين قوات الأمن ومسلحين محليين، مما حدا بقوات الجيش لمغادرة الأنبار".
وقال سكان من الفلوجة والرمادي لـهيومن رايتس ووتش إن مقاتلي القاعدة دخلوا المدينتين في الأول من الشهر الحالي وذهبوا في الفلوجة إلى كل مخفر من مخافر الشرطة الخمسة بالمدينة، حيث أطلقوا سراح مسجونين واستولوا على أسلحة من الشرطة، التي استسلمت على الفور.. ثم أشعل المقاتلون النيران في في مخافر الشرطة ومباني المدينة الحكومية، ثم اتجهوا إلى نقطة التفتيش الرئيسية بالفلوجة في الجزء الشرقي من المدينة، التي يديرها أفراد من الجيش والشرطة المحلية، وتمركزوا في منطقة صناعية قريبة من نقطة التفتيش وعند عودة قوات الجيش والقوات الخاصة إلى الأنبارقامت تلك القوات بمحاصرة الرمادي والفلوجة وسيطرت على نقاط الدخول والخروج ومنعت نقل الوقود والغذاء إلى داخل المدينتين، لكنها سمحت لعدة مئات من الأشخاص بالفرار من مناطق القتال العنيف.
وشددت المنظمة على انه يقع على السلطات العراقية التزام بالتقيد بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما فيه ما يتعلق بمعاملة الأشخاص المتحفظ عليهم وإذا ارتفعت حدة القتال في الرمادي والفلوجة إلى مستوى نزاع مسلح، فإن القانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، يصبح منطبقاً. وقالت "يضع القانون الإنساني الدولي التزاما على جميع الأطراف في نزاع مسلح، سواء كانت قوات مسلحة نظامية أو جماعات مسلحة غير حكومية وبموجب قوانين الحرب، يحظر على جميع الأطراف الاعتداء العمدي على المدنيين، أو شن هجمات لا تميز بين المدنيين والمحاربين، أو قد ينتظر منها إحداث ضرر غير متناسب بالمدنيين وعلى القوات المسلحة النظامية والجماعات المسلحة غير الحكومية اتخاذ كافة الاحتياطات المعقولة لتقليل الضرر الواقع على المدنيين، بما في ذلك عن طريق تجنب الانتشار في المناطق كثيفة السكان وينبغي السماح للمدنيين بمغادرة المناطق التي يدور بها القتال في أمان.
واشارت إلى انه يجب على أطراف أي نزاع مسلح أن يعاملوا جميع من في عهدتهم معاملة إنسانية. وعلى الحكومة أن تضمن لأي شخص تعتقله قواتها أن يعرض على محكمة على وجه السرعة، فإما أن يوجه إليه الاتهام أو يفرج عنه.
وشددت على ان على الجماعات المسلحة، بما فيها القاعدة والمقاتلين المسلحين من "العشائر" المحلية، وعلى قوات الأمن الحكومية أن تتخذ كافة الاحتياطات المعقولة لمنع إيذاء المدنيين. واوضحت ان أقوال الشهود والتقارير الإعلامية تتباين بشأن أعداد مقاتلي القاعدة وقوات الأمن في الرمادي والفلوجة فبينما عجز الشهود عن تقدير أعداد مقاتلي القاعدة الموجودين على أطراف الفلوجة إلا أن سكان الرمادي أشاروا لوجود ما لا يقل عن 500-600 مقاتل داخل المناطق الحضرية بالرمادي.
وقد تجددت الاشتباكات المسلحة الليلة الماضية بين القوات الامنية وابناء العشائر من جهة وبين عناصر مسلحة في مناطق مختلفة من الرمادي . ووقعت الاشتباكات في منطقتي الملعب وزنكورة وشرق و شمال الرمادي واستخدمت فيها اسلحة متوسطة وخفيفة دون معرفة حجم الخسائر بين الطرفين .
780 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع