احدى شوارع محافظة السليمانية
حكومة أربيل منزعجة من احتمال عودة نحو 200 متشدد شاب يقاتلون في سوريا لمع ما يمثله من تهديد لاستقرار كردستان الاستثنائي في المنطقة.
ميدل ايست أونلاين/حلبجة (العراق) - من ايزابيل كولز:خرج أكو عبد القادر ابن الخامسة والعشرين للجهاد في سوريا وهو يقسم بالعودة وفتح اقليم كردستان العراقي برمته باسم الاسلام في طريق عودته إلى مسقط رأسه حلبجة.
وظهر في لقطات تم تصويرها بالفيديو في الطريق إلى سوريا ونشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وهو يردد ما معناه "بمشيئة الله سنعود وندوس على جثثكم حتى نصل إلى حلبجة"، مهددا الأحزاب الحاكمة "الكافرة".
وأكو واحد من حوالي 200 شاب كردي من العراق انضموا لصفوف المقاتلين الاسلاميين في حرب أصبحت نداء لكل الجهاديين من مختلف أنحاء العالم.
ويزعج هذا الاتجاه اقليم كردستان العراقي الذي استطاع تحصين نفسه من عنف اجتاح بقية أنحاء العراق وسوريا بل واجتذاب استثمارات من بعض من أكبر شركات النفط في العالم.
وقال مسؤول كبير مطلع على الشؤون الأمنية في اربيل عاصمة الاقليم طلب عدم نشر اسمه "بكل تأكيد هذا مصدر قلق كبير. فالخطر أن يتم استغلالهم كخلايا لشن هجمات على أهداف هنا".
وكردستان ليست وحدها التي تشعر بالقلق من الجهاديين إذ أن قائمة من لبوا النداء لدعم المقاتلين السنة في حربهم في مواجهة قوات الرئيس السوري بشار الأسد طويلة ومتنوعة من المقاتلين المخضرمين في العراق والشيشان إلى مراهقين من لندن ومهاجرين من ستوكهولم.
لكن قرب اقليم كردستان جغرافيا من سوريا يجعله في وضع أكثر خطورة من غيره. كذلك فإن كردستان اعتادت على التعامل مع المخاطر الخارجية وليس أقلها حدود الاقليم مع بقية العراق إلا أن هذا الخطر ينبع من الداخل.
وتعرض الاقليم لأول عملية قصف كبرى منذ ست سنوات في سبتمبر ايلول الماضي وأعلنت جماعة الدولة الاسلامية في العراق والشام التي تقاتل في سوريا مسؤوليتها عنه.
وفي العلن يهون المسؤولون في كردستان من شأن هذا الخطر ويصرون على أن الاقليم سيظل آمنا لكن شركات النفط العاملة في أراضيه تأخذ احتياطات إضافية.
وقال مصدر في شركة نفط في كردستان "قررنا الحد من تحركاتنا إلى مراكز التسوق والمناطق الأخرى التي قد نكون فيها أهدافا واضحة".
'تورا بورا الصغيرة'
وتقع حلبجة التي تشتهر بشعرائها وبفاكهة الرمان بالقرب من منطقة حدودية جبلية بين العراق وايران كانت في يوم من الأيام مأوى للمقاتلين السنة الذين شكلوا فيها جماعة عام 2001 عرفت فيما بعد باسم أنصار الاسلام.
وتحرم أنصار الإسلام الموسيقى وترغم الرجال على اطلاق لحاهم في الجيب الذي يطلق عليه "تورا بورا الصغيرة" تيمنا بمعقل حركة طالبان في أفغانستان حيث كان زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن يختبئ.
وكثيرون من الشبان الأكراد الذين خرجوا للجهاد في سوريا من هذه المنطقة ومنهم أكو الذي انضم لأنصار الاسلام في سنوات المراهقة.
وكانت أنصار الاسلام من أوائل الأهداف للاجتياح الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003. وفي ذلك الوقت كان أكو قد انصرف عن الجماعة وسلم نفسه لأجهزة الأمن لأنه شعر كما قال أصدقاء له بأن اللعبة قد انتهت.
وتراجع من بقي من أعضاء أنصار الاسلام إلى ايران لكنهم استمروا في تنفيذ هجمات كان من بينها هجوم انتحاري مزدوج على الحزبين الحاكمين في كردستان عام 2004 سقط فيه أكثر من 100 قتيل.
وقضى أكو فترة في السجن لأن السلطات اعتبرته خطرا على الأمن الوطني. وعقب الافراج عنه تزوج ورزق بطفلة. وحصل على وظيفة في محطة لتوليد الكهرباء وظل يعمل في مقهى في حلبجة حتى اليوم الذي اختفى فيه في نوفمبر تشرين الثاني ا2013.
وتتضح بقية خيوط القصة على موقع فيسبوك. ففي الثامن من ديسمبر/كانون الأول كتب أنه انضم إلى الدولة الاسلامية في العراق والشام في سوريا ورفع رايتها السوداء على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي.
ويظهر أكو في صور سابقة وهو يبتسم في نادي حلبجة الرياضي كما أنه نشر ألبوم صور كاملا للاعب نادي برشلونة ليونيل ميسي.
ورغم تاريخه مع التشدد الاسلامي فقد شعر أصدقاء أكو بالصدمة عندما علموا بسفره إلى سوريا.
وقال أحد أصدقائه من أيام الدراسة "كنت في غاية الاندهاش لأن آراءه تغيرت تغيرا كبيرا عندما ترك أنصار الاسلام. ربما كان على اتصال بهم أو ربما كانت ثمة خلية تقنع الشبان بالذهاب".
مداهمة المساجد
ولم يتضخ ما إذا كان الشبان يسافرون إلى سوريا من تلقاء أنفسهم أم يتم تجنيدهم وتسفيرهم. وشكلت الحكومة لجنة للتحقيق في هذا الأمر.
وقال ناطق باسم وزارة الاوقاف والشؤون الدينية إن الوعاظ في مساجد الاقليم التي يزيد عددها على 5000 مسجد وتتولى الحكومة سداد رواتبهم ممنوعون من التحريض على العنف ومن يفعل ذلك يعرض نفسه للعقاب.
وقال المتحدث مروان نقشبندي "ما من دليل على أن أي إمام حض الناس سواء بطريق مباشر أو غير مباشر على الذهاب إلى سوريا. وقد طلبنا من الأئمة أن ينصحوا المصلين بعد الذهاب. لكنهم لسوء الحظ لم يتمكنوا من اقناع الجميع".
لكن الأجهزة الأمنية الكردية داهمت 11 مسجدا في إحدى ليالي ديسمبر/كانون الأول الماضي في مدينة السليمانية للاشتباه في استخدامها كمراكز للتجنيد واستولت على أوراق هوية وأجهزة كمبيوتر محمولة. ولم تكشف عما توصلت إليه من أدلة.
ورغم أن كردستان تشترك في الحدود مع سوريا فإن أغلب الشبان الأكراد يسافرون عبر تركيا وبعضهم عن طريق لبنان ويعبر آخرون من جنوب العراق. وقد عاد نحو 40 منهم إلى كردستان وأصبحوا الان إما وراء القضبان لانهم يعتبرون خطرا على الأمن الوطني أو تحت رقابة لصيقة.
وقال أحد الشبان من أكراد العراق عاد من سوريا لأنه مقتنع أن الحرب مؤامرة غربية للقضاء على مسلمي العالم "ذهبت لكي أقتل في سبيل الله".
لكن كثيرين يعتقدون أن الجهاديين الأكراد مدفوعون بصعوبة الحياة في بلادهم بقدر ما يدفعهم إيمانهم.
وسئل أصدقاء أكو ومعارفه عن السبب الذي دفعه في اعتقادهم للسفر إلى سوريا فأشاروا جميعا إلى الضغوط الاقتصادية ولكونه كبر يتيما في حلبجة التي اشتهرت لأنها كانت هدف هجوم كيماوي في عهد صدام حسين عام 1988.
وتغيرت أحوال الأكراد منذ ذلك الحين وأصبحت منطقتهم الأكثر استقرارا وازدهارا في العراق لكن سكان حلبجة كثيرا ما يشكون من الإهمال.
وقدرت نشرة جينز في تقرير حديث أن التشدد في كردستان "خطير" وقالت إن حكومة الاقليم "ستحتاج للتركيز على استخدام ثروتها النفطية في زيادة فرص العمل وتقليص الفساد إذا كان لها أن تعالج هذا الخطر على نحو فعال."
الدين في مواجهة العرق
ولم يدم جهاد أكو سوى أقل من شهرين. فقد أعلنت الدولة الاسلامية في العراق والشام "استشهاده" في أوائل العام في سوريا وهو يقاتل لا قوات حكومة الأسد بل أكراد من مواطنيه استغلوا الحرب الأهلية لتأكيد سيطرتهم على شمال شرق البلاد.
والأكراد في الاساس من السنة لكنهم يميلون لتعريف أنفسهم كمجموعة عرقية لأن هذا هو العامل الأساسي في تاريخ كفاحهم الطويل في الدول الأربع التي ينتشرون فيها تركيا وايران والعراق وسوريا.
ورفعت الدولة الاسلامية في العراق والشام وجماعات سنية مسلحة في سوريا السلاح في وجه ميليشيا كردية ذات ميول ماركسية لأنها تعارض رؤيتهم في إقامة دولة اسلامية تمتد من العراق إلى البحر المتوسط.
وقال الشاب الذي عاد من سوريا إنه لا يمانع في قتال بني عرقه باسم الاسلام مرددا "ديني قبل كرديتي. وأنا آخذ قراراتي بناء على ديني".
925 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع