عراقيون يجلسون في مقهى تقليدي في بغداد يعود تاريخ تأسيسه إلى العام 1900
المقاهي العراقية الضاربة في القدم مثلت مصدر جذب للأدباء والمثقفين، وبعضها شهد مؤخرا عمليات تفجيرية وإرهابية تحت ذريعة ممارسة القمار.
العرب عباس محسن/البصرة – اشتهر العراق بكثرة مقاهيه وخاناته العامرة، وقد وصفت بغداد والمدن العراقية الأخرى قديما بأنها أكثر مدن العالم في عدد المقاهي بالقياس إلى عدد سكانها، فقد كان ذلك المكان دوما مصدر جذب للأدباء والمثقفين.
تعتبر المقاهي من أهم الأماكن التي تحوي بين كراسيها المتناقضات، فمن الاختلافات الأدبية وصولا إلى السياسية منها والرياضية، والجنود المرحلين قسرا إلى جبهات الموت في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي وحتى المتقاعدين من – الدنيا ومن الوظيفة – الذين يفضلون التواجد قرب أماكن عملهم، حتى أن في الفلكلور الشعبي تجري الطرائف حول المتقاعدين وخصوصا من الشرطة الذين يفضلون الجلوس في المقهى المقابل لمركز شرطة المدينة.
فكل من هؤلاء وجد له ركنا في المقهى، فكم استمعت جدران المقاهي إلى كلمات البوح والهم ومقررات الاجتماعات السرية. فلكل صنف في المجتمع مقهى خاص به، يمثله ويعكس توجهاته.
ففي السابق كانت الكراسي المصنوعة من “جريد النخيل” تحتضن جوانبها، أما طريقة إعداد المشروبات الساخنة فتكون من على “منقلة الفحم”، أما الآن فاستبدلت الكراسي “الجريدية” بكراسي البلاستيك أو الحديد وأدخل غاز الطبخ، وشهدت المقاهي في عموم البصرة في السنوات الأخيرة حملات هجوم بقنابل يدوية أو تفجير بحجة أن “بعضا” من روادها يمارس “القمار” أو لأسباب أخرى مجهولة.
عراقيون يدخنون النرجيلة ويشربون الشاي في مقهى "الخفافين" التاريخي ببغداد
أما المقاهي الأدبية، ونحن في القرن الـ21، فتكاد تكون منعدمة، إذ لم يتبق سوى واحد أو اثنان ظلا شاهدين على المسيرة الأدبية.
أما في السابق فقد شهدت البصرة بين حاراتها الكثير من المقاهي الأدبية وكان أهمها: مقهى البدر الذي يقع بالقرب من تمثال الشاعر السياب حاليا، والذي أسسه مهدي سليم البدر في عام 1945 وموقعه كان معانقا ضفاف شط العرب. ويعتبره الأدباء من أهم مقاهي البصرة الثقافية في مرحلة الخمسينات والستينات لأن جميع رواده كانوا من الأدباء والمثقفين، مثل الشاعر بدر شاكر السياب وسعدي يوسف ومحمود البريكان والقاصين مهدي عيسى الصقر ومحمود عبد الوهاب والمؤرخ حامد البازي والدكتور عبد الهادي محبوبة رئيس جامعة البصرة وزوج الشاعرة نازك الملائكة وأسماء كثيرة كانت من رواده.
وفي هذا المقهى حصلت إحدى أهم الطرائف التي علقت في أذهان الأدباء والتي رواها في أحد الأيام القاص الراحل محمود عبد الوهاب، ففي أحد الأيام مرت عرافة (فتاحة فال)، فنادها السياب طالبا منها قراءة “الفال” له ولسعدي يوسف ومهدي عيسى الصقر ومحمود عبد الوهاب فرمت ببصيرتها وتنبأت قائلة للسياب إنه سيموت في أرض غريبة.
وقالت لسعدي أنت ستعيش في أرض الغربة، وقالت لمحمود عبد الوهاب أنت ستعيش عمرك وحيدا، وقالت لمهدي عيسى الصقر كلاما من هذا القبيل.
أما الطرائف التي حصلت في مقهى عباس عجيمي والذي كان يرتاده الشاعر بدر شاكر السياب والذي ذكر مناسبة إقامته وتفاصيل كثيرة عنه ذكرها إحسان وفيق السامرائي في كتابه “عبير التوابل والموانئ البعيدة” فيذكر فيه طرفة عن صاحب المقهى حين قررت الحكومة بعد وفاة السياب إقامة نصب تخليدي له مكان المقهى، إذ صرخ قائلا من وجهة نظر البلدية ما معناه “أتعبتني حيا وميتا يا بدر!!”، وكان السبب في مقولته أن السياب كان أحد مرتادي هذا المقهى وهو دائم الحديث عن السياسة فيكون سببا في إغلاقها الدائم. ومن المقاهي الأخرى يوجد “مقهى التجار” الذي يقع في منطقة العشار وفي سوق التجار تحديدا.وقد شيّد هذا المقهى في حقبة الثلاثينات ويعود سبب تسميته إلى اسم السوق الذي كان ملتقى لتجار البصرة آنذاك، وقد كان رواده من الشخصيات المعروفة في البصرة حينذاك.
وقد أشارت المصادر التاريخية إلى أن هذا المقهى كانت تقام فيه المزايدات على التمور خلال الموسم وتعقد الصفقات.
مقاهي تحكي تاريخ العراق
أما “مقهى أم السباع″ – وقد سمي المقهى بهذا الاسم كون بوابته تحتوي على تمثالين لأسدين – والذي أسسه الحاج ناجي المعروف بـ “أبو العشر” عام 1933 فيعتبر من أقدم مقاهي البصرة ويقع في منطقة البصرة القديمة، وقد كان يرتاده كثير من الفنانين والأدباء، منهم المطرب عوض دوخي. كما كتب عن هذا المقهى في الكثير من نتاجات الأدباء الشعرية، إضافة إلى وجود مواضيع عنه في الصحف والمجلات المحلية والعربية مثل المتفرج والفكاهة وألف باء ومجلة العربي الكويتية.
ومن المقاهي الأخرى التي وثقتها المصادر التاريخية مقهى “السيمر” ومقهى “الجمعية” ومقهى “شنيف” ومقهى “زاير علي” ومقهى “سيد هاني” ومقهى “الناصرية” الذي تأسس في أواخر الثلاثينات وموقعه في منطقة العشار (شارع المطاعم حاليا) ومقهى “الشناشيل” ومقهى “منكاش” في منطقة الجمهورية ومقهى “طارش” وموقعه في منطقة أم البروم والذي كان يرتاده “تومان” الشخصية البصرية الطريفة التي لا تزال صورتها عالقة في أذهان العراقيين، حيث كان يعزف الناي بأنفه ويحمل لوحة الإعلانات السينمائية.
أما مقهى “الصكارة” فيعود تاريخ تأسيسه إلى بدايات الأربعينات في القرن الماضي ويقع في منطقة البصرة القديمة بالقرب من السوق الحالي وقد أخذ اسمه من الذين يهتمون بتربية الطيور والدجاج وتقام فيه مسابقات للتباري بين الديكة وهي من الألعاب الشعبية التي تعود جذورها إلى الحضارة الهندية.
1706 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع