يعيشون «مطاردين» وعرضة للابتزاز في ظل دستور كفل «مساواة الجميع»

            

بغداد ـ عادل فاخر:اعتادت شذى، 31 عاما، ان تجهز أغراضها ومقتنياتها كل يوم، لانها مهددة بالخطر والتهجير القسري، في أية لحظة، فهي مستعدة لشد الرحال، حال ما يطلب منها، سواء من سكان المنطقة أو من الجماعات المتشددة أو حتى من أفراد الشرطة أحيانا.

لكنها لا تعرف اين ستذهب.

شذى الغجرية، تسكن مع أخوين مراهقين، وأخت صغرى، في منزل قديم في حي البتاوين الشهير، وسط بغداد، علامات الأسى ظاهرة على ملامحها.

تقول شذى "اتعبتنا حياة الترحال، والتنقل من محافظة الى اخرى، لاننا غجر، مجهولو الانتماء، مسلوبو الحقوق والإرادة، لا مدافع عنا، والمجتمع ينبذنا".

وتقول "الرجال يقبلون معاشرتنا، لكنهم يرفضون تقبلنا كبشر ويرفضون ان نسكن الى جوارهم، على الرغم من ان الكثير من الغجر يعيشون بشرف ولا يمارسون البغاء، ولا تعمل نساؤهم راقصات في الحفلات الخاصة أو في النوادي الليلية".

تروي شذى "كنا نسكن قرية تسمى (السوادة)، في محافظة واسط، بعيدة عن المدينة، مثل حال بقية القرى التي يسكنها الغجر قبل 2003".

لكن جماعات إسلامية متشددة، كما تقول، "لم تتركنا بحالنا. وفرقتنا". ومنذ ذلك الحين "عشنا مطاردين نتنقل بين المحافظات ونسكن الاحياء العشوائية".

ولا ينتهي الحال هنا، فـ"عندما ينكشف أمرنا باننا غجر، او (كاولية) كما يسموننا، نطرد مرة اخرى".

وتقول لعل "بغداد هي الأقل خطورة على أرواحنا، خاصة منطقتي البتاوين والسعدون".

لكن "الأجهزة الأمنية، هي الاخرى، لا تتركنا بحالنا".

وتؤكد انهم "يستغلوننا جسديا وماليا".

الباحثة الاجتماعية هدى عجيل غضيب، تقول ان "الغجر، في العراق، بلا حقوق، يعانون من ظروف اجتماعية صعبة وقاسية".

والسبب الرئيس، كما ترى، هو ان كثيرين "يتهمون الغجر بانهم السبب وراء ظواهر سلبية في المجتمع".

لكن الاجتماعية هدى غضيب ترى ايضا ان "تصرفات" الغجر "تعكس صورة سلبية عن المجتمع العراقي"، مشيرة الى ان هناك من "يطالب بعزلهم عن المجتمع تماما".

وهذا هو السبب الرئيس من وراء "لجوء هذه الفئة إلى التسول، ومهن أخرى".

وتقول ان "مجتمعنا يعيب هذه (المهن الاخرى) في العلن"، فيما يرتاد الكثيرون اماكنها "في الخفاء".

وتؤكد الاجتماعية هدى غضيب ان نظرة المجتمع "القاصرة" للغجر "تزيد من معاناتهم، وتهمش حقوقهم".

وتضيف ان "إختلاف الغجر لا يعطي الحق لاي فرد أو جهة أو جماعة ان تنتهك انسانيتهم، أو تبعدهم عن المجتمع او نبذهم".

وترى ان الدولة "ملزمة بتوفير وسائل العيش اللازمة لهم، ومنحهم الحق في التعليم والعمل والسكن والرعاية الصحية".

وهذه الرعاية، كما تتابع الاجتماعية هدى، ستسهم في جعلهم "فئة منتجة ومشاركة في بناء البلد".

وتلفت الى ان الغجر "مواطنين عراقيين، لهم الحق بالانتخاب والعيش على قدم المساواة، طبقا للدستور الذي كفل حقوق الجميع، بنصه على ان العراقيين متساوون في الحقوق والواجبات".

عضو لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب، عبد المهدي الخفاجي، يؤكد ان "الأعراف والتقاليد والأوصاف والتسميات مهما اختلفت، هناك حق للإنسان في أن يعامل بلا تمييز، وان تكفل الدولة توفير المقومات الأساسية لحياة كريمة له، كما نص الدستور".

ويقول ان نص الدستور هذا "ليس صدقة ولا منة".

ويكرر ان "بغض النظر عن قومية وطائفة وتوجه أي فرد، الكل له الحق في العيش والمشاركة بدون تمييز، فلا توجد ثقافة التفريق والتمييز ما داموا عراقيين".

وتبقى شذى غارقة في حالها، مع أخويها العاطلين عن العمل، وأختها الصغرى، التي لا تدرك هي الاخرى مصيرها، مثلهم مثل الاف الأفراد ومئات العوائل من الغجر، في بغداد ومدن العراق الاخرى، بلا حقوق، لا إرادة، أقلية ضعيفة، ينظر اليها المجتمع بعين الازدراء.

وتقول شذى "لاننا ولدنا غجرا، ولد معنا البؤس والشقاء، نبقى نعاني، نبحث عن حقوق، عن وظائف، عن مدارس".

وتشير الى ان النظام السابق كان يسمح لهم بـ"إكمال الدراسة الإبتدائية، أما اليوم بالكاد نبحث عن ملاذات آمنة، وسقوف تأوينا". وتقول بحزن "العزلة جعلتنا نحلم باللحظة التي نشعر فيها اننا مثل سائر البشر، ننتمي لهم، نبحث عمن يأخذ بأيدينا، ويمنحنا ولو اليسير من حقوقنا، كبشر".

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

706 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع