حبيب حنونا: يد في الهندسة والرسم والشعر، والأخرى في التأريخ
منذ طفولته، كان مسحورا بالتلال المنتشرة في مدينته الجميلة "كرمليس أو كرمليش" وظل يسأل، وهو يلتقط قطع الفخار المبعثرة هنا وهناك: يا ترى لمن تعود هذه، ومن كان يسكن هنا؟
اسئلة بريئة لا تخلو من عالم السحر والخيال، وتأخذ الحياة مجراها، وينغمر الأنسان بالدراسة والعائلة والأهتمام بمصادر المعيشة، لكن الهاجس بقى عالقا هناك...عميقا داخل الروح، التي تبحث عن اجابات تريحها من القلق.
البداية
ولد الأستاذ حبيب حنونا في بلدة كرمليس - محافظة نينوى عام 1943. أنهى الدراسة الأبتدائية في "مدرسة كرمليس"، ثم متوسطة "ام الربيعين" في الموصل والثانوية في "الجعفرية المسائية" ببغداد عام 1960. بعدها إلتحق بمعهد اللغات العالي لدراسة اللغة الأنكليزية والألمانية، وبعد انقضاء سنتين في المعهد سافر الى ألمانيا الغربية لدراسة الهندسة المعمارية ولظروف قاهرة رجع الى العراق عام 1964. إلتحق بجامعة الحكمة ببغداد لدراسة الهندسة المدنية. في الجامعة ، برزت العديد من مواهبه ووجدت لها مناخا طيبا للأنطلاق مثل الرسـم، الأدب، الشعر و المسرح ،إضافة الى البحث العلمي . كما أقام عدة معارض شخصية للوحاته الفنية على مدى ثلاث سنوات ( 1965 – 1967 ).
في عام 1967 حصل على عمل في إحدى الشركات الهندسية العاملة في كركوك، فأجل دراسته لمدة سنتين. في عام 1968 وبعد تأميم جامعة الحكمة ،ألتحق بجامعة بغداد والتي أكمل الدراسة فيها وتخرج منها مهندسا عام 1971. وبعد تخرجه عمل مع بعض الشركات لمدة 3 سنوات، ثم أسس شركة هندسية للمقاولات العامة خاصة به في البصرة، حيث نفذت العديد من المشاريع المهمة في عموم العراق ( 1974– 1984 ) و الكويت ( 1985 – 1990 ) حيث كان مقيما فيها منذ العام 1984 ولغاية دخول العراق الى الكويت، وفي عام 1991 غادر العراق مع عائلته الى الولايات المتحدة الأمريكية، ومكث في ساندياكو لغاية العام 1995 ثم إنتقل الى مدينة ديترويت في ولاية مشيكان. متزوج منذ عام 1972، وسعيد ب 4 أولاد و 7 أحفاد.
المواهب والمغامرات
بعد هذه السيرة المزدحمة والمليئة، سألت الأستاذ حبيب عن مواهبه، وكيفية تبسيطها لمن لا يعرفه عن قرب، فقال :ارغب ان ابدأ بالحديث عن الرسم، فقد بدأت منذ كنت في الصف الخامس الأبتدائي، قدمت حينها رسومات كانت بسيطة وبدائية، إلا إنها لاقت إهتماما كبيرا من مدرس الفنية الذي شجعني كثيرا (استاذ حازم)، ونمت هذه الموهبة معي وتطورت عبر عدة سنوات من الممارسة، وكان أول إنجاز فني هو رسم لوحة زيتية كبيرة تمثل "مارجرجيس" بناءا على طلب من - خورنة مار أدي – كرمليس عام .1961 وكان عمري آنذاك 18 عاما. لقد أنجزت خلال مسيرتي الفنية أكثر من خمسين لوحة زيتية وعشرات اللوحات التخطيطية والمائية والرسم على الزجاج ، أهم لوحاتي الزيتية هي لوحة " الأم " و لوحة " على الجلجلة " وهذه الأخيرة، هي لوحة كبيرة أنجزتها خلال وجودي في جامعة الحكمة وأهديتها الى كنيسة الجامعة، وعند تأميم الجامعة 1968 م سرقت ، ولازالت مفقودة.
وبعد هذه الأطلالة على مسيرته في الفن، سألته ان كان قد درسه او تتلمذ على يد اساتذة، وما ان كان يمارس الرسم لليوم، فقال:
بالحقيقة انا لم ادرس الفن، لكني استفدت من نصائح العديد من المتذوقين الذين كانوا يشاهدون اعمالي، ويمكن ان اقول، ان موهبتي، مصحوبة بزياراتي للمعارض الفنية في العراق وخارجه، اضافة للمتاحف، قد ساعدتني في انماء ذائقتي الفنية، والتعرف على المدارس الفنية الكبرى في العالم. اما عن الرسم الآن، فأنا مازلت مواضبا على (هذا الأدمان)، وأشعر بالراحة النفسية الكبيرة وأنا اخط بفرشاتي على اللوحة، وتتعطر اجواء المرسم بالروائح الزكية للأصباغ، انه عالم جميل جدا، ملون وباسم وملئ بالأمل والفرح، اما آخر اللوحات – التي لم تكتمل – فهي ، بورتريت لي ولزوجتي العزيزة، آمل ان يروق للقارئ مشاهدة الصورة المرفقة.
اردت معرفة المزيد عنه فقال:لقد كانت عندي محاولات شعرية اعتز بها كثيرا، اذ بدأت هوايتي منذ اوائل الستينات من القرن الماضي، وقد جمعت معظم قصائدي في ديوان أسميته " أنين الجراح " لكنه للأسف لم يطبع، وبقي مخطوطا، إلا أن قصائده نشرت في العديد من المجلات (منها مجلة ألف باء ) والجرائد العراقية أنذاك وبثت قسم منها من إذاعة لندن العربية. اما عن السفر فقال: زرت معظم بلدان اوروبا الشرقية و الغربية ولمرات عديدة، من أجل السياحة والأطلاع وزيارة متاحفها والبحث عن المصادرالتاريخية، وفي عام 1984 قمت في جولة حول العالم إستغرقت ثمانين يوما " حول العالم في 80 يوما " سافرت من الكويت غربا و أتيتها شرقا ، ولا زال السفر مشروعا قائما الج اليه كلما سنحت ظروفي، فهو مشروع لا يمل منه ابدا.
قصتي مع التأريخ، وبلدتي
بعد هذه الرحلة الممتعة مع الأستاذ حبيب حنونا، اردت ان اتوقف امام منجزه الثقافي في مجال كتابة التأريخ، عن ابحاثه ودراساته، لكون هذا الموضوع صار موضع اهتمام الكثيرين، خاصة مع ما مر ويمر به العراق، وأضطرار آلاف العوائل (المسيحية) لمغادرة وطنها تحت ظروف التميز والتهديد والقتل، فتكون مسألة قرأة التأريخ، محطة تبعث احيانا بالأمل والطمأنينة عند الأنسان، فقال:
محبتي للتاريخ نابع من محبتي للوطن ، فهو مثوى الأباء والأجداد، وهو المكان الذي إذا فارقناه يبقى قلبنا فيه نابضا، اما التاريخ فهو مدرسة إنسانية عظيمة، نستقي منها الدروس والعبر، وهنيئا لمن يتعلم في رحابها.
"كرمليس" مسقط رأسي، هي بلدة تاريخية عريقة في القدم. ومنذ أن كنت صغيرا كنت أجوب حقولها وأرتقي تلالها القريبة، فيدهشني أن تكون تلك التلال والكثبان المحيطة بالبلدة مليئة ببقايا الأواني الفخارية، والقطع الأثرية، فنشأت لدي رغبة شديدة في البحث عن خبايا هذه التلال الأثرية، ومن هنا بدأت مسيرتي مع التاريخ وأنا عمري لم يتجاوز العقد الثاني.
وعندما إنتقلت الى بغداد لدراسة الثانوية ( 1959)، تشاء الصدف أن أسكن في منطقة قريبة من المتحف العراقي في جانب الكرخ، فواضبت على زيارته إسبوعيا وكلما سنحت لي الفرصة. كنت اتصفح كتب الآثاريين والمؤرخين و المخطوطات ذات العلاقة بتاريخ العراق عموما و بلداتنا في سهل نينوى خصوصا، وأدون وأسجل المعلومات التاريخية، وخلال ترددي المستمر للمتحف منذ أواخر خمسينات وستينات القرن الماضي تعرفت على العديد من الآثاريين و البحاثة أمثال "الدكتور فؤاد سفر" و "البحاثة المؤرخ كوركيس عواد" الذي شجعني كثيرا للقيام في البحوث التاريخية ودراسة اللغة المسمارية الأكدية. وعندما قررت البحث عن تاريخ بلدتي كرمليس، فقد جعلني هذا جعلني زائرا دائميا لمكتبة المتحف العراقي ولفترة طويلة. ومن دواعي الفخر ان يكون أول مؤلفاتي هوكتاب "تاريخ كرمليس" الذي طبعته عام 1988 ، وقد نال هذا الكتاب إستحسان كل من طالعه أو إقتناه. ان ما يسعدني أكثر ان يصبح هذا الكتاب، مرجعا قيما للعديد من الباحثين والمؤرخين العراقيين والأجانب، أمثال المؤرخ الأمريكي "والتر كايكي" ، وهذا ما لاحظته في عشرات الكتب التي صدرت لاحقا من قبل الباحثين الذين ذكروا كتابي "تاريخ كرمليس" كمصدر من مصادر البحث .
ان ما يشرفني اكثر هو وصف المؤرخ والبحاثة الكبير "كوركيس عواد" لكتابي – تأريخ كرمليس - في رسالة أرسلها لي بأنه ((تحفة تاريخية نفيسة لبلدة عراقية جميلة ))، كما علقت عليه العديد من الصحف والمجلات المحلية آنذاك. لقد كان الكتاب النافذة المفتوحة التي أطل من خلالها المهتمون بتاريخ وتراث ما بين النهرين الى بلدة عراقية لها تاريخ حافل، وأصبح لها حضور متميز على صفحات الكتب والمجلات والمحافل الأكاديمية، ولقد ساهمت اهتماماتي تلك الى دفع مديرية الآثار العامة، ومديرية آثار الموصل الى البحث والتنقيب في إحدى التلال الأثرية في كرمليس ( تل غنم ) عام 1971، علما ان التنقيب في البلدة كان قد بدئه العديد من البحاثة الأجانب منذ القرن التاسع عشر. ولم تقتصر جهودي في البحث على مدى 30 عاما على تاريخ بلدتي فقط ، بل الى تاريخ بلدات سهل نينوى ( تلكيف ، ألقوش ، باقوفا ، بطنايا ، برطلة ، بغديدا ، بعشيقة ، بحزاني ، و غيرها )، تاريخ كلدو و آثور.
ان عشقي للتأريخ دفعني ان ابحث في اللغة ايضا، فدرست اللغة المسمارية - الأكدية ومفرداتها الموروثة في "لغة السورث" لدرجة إستهوتني كثيرا، فألفت فيها كتابا أسميته " السورث و الأكدية " وقد إستغرق البحث فيه قرابة العشر سنوات ( 1977– 1987)، ثم قدمته الى الأب "الدكتور يوسف حبي" عميد كلية بابل، عام 1987 لمراجعته وإبداء رأيه فيه، وبعد أن إطلع عليه، أعجبه كثيرا وإقترح عليّ التوسيع فيه وتقديمه الى جهة أكاديمية، ككلية الآداب العراقية، من اجل نيل شهادة الماجستيرأوالدكتوراه، وفعلا بدأت بتوسيع البحث مستعينا بمصادر أخرى كان من أهمها " القاموس الآشوري " الصادر عن المعهد الشرقي لجامعة شيكاغو، والمكون من (21) مجلد ضخم تتجاوز صفحاته العشرين ألف صفحة، فأنهيت البحث في السنوات الثلاث اللاحقة ( 1987– 1990) وقدمته الى الأب يوسف حبي في حزيران 1991 الذي فرح به كثيرا، الا ان تردي الظروف في العراق، أثرت علـّي كثيرا فقررت الهجرة ، على ان الدكتور حبي تأسف كثيرا عندما علم برغبتي للهجرة، وعدم تحقيق ما إقترحه عليّ لتقديمه الى كلية الآداب، وفعلا هاجرت أنا وعائلتي في تموز 1991 وفي عشية عيد الميلاد من ذات العام، وصلنا الولايات المتحدة.
مبدع، منتج ومتواضع
في اثناء حواري معه، وردت كلمة (كتب) و (قرأت) و (مكتبة) عدة مرات، وبالحقيقة فأن شخصا مهتما مثله كان لابد ان يبحر بعالم المعرفة فأردت رقما محددا فقال: لا ابالغ ان قلت لك بأني قرأت طوال حياتي مئات لا بل آلاف من الكتب، وبشتى اللغات، ولا ادعّي بأني استوعبت جميعها، الا ان نسبة كبيرة منها صنعـوا (حبيب حنونا) الجالس معك، وانا مدين للكتّاب والمؤلفين العظام الذين اناروا دورب الملايين مثلما اناروا دروب المعرفة عندي، وحتى ازيدك علما – والحديث مازال له - فمن أكثر الهوايات التي لازلت أمارسها هي إقتناء الكتب، وتعليلا للنفس اردد دائما المثل القائل: (أن تزخر بيتك بالكتب خير من أن تمتلئ محفظتك بالنقود)، اما المثل الأنكليزي فيقول: "الكتاب الجيد هو صديق حميم" ولهذا، فقد جمعت من الأصدقاء الحميمين عددا كبيرا، تبرعت بقسم منها قبل مغادرتي العراق الى كلية بابل، بما فيها (22) مخطوطة، بالخط الأرامي الشرقي، يرجع تاريخ بعضها الى ثلاثمائة عام أو يزيد، والقسم الآخر الى مكتبة مار أدي في كرمليس. أنا لست جاهلا و لا عالما ولكني أتروى كثيرا في حكمي على الأمور التي أراها او أقرأ عنها.
بعد هذا وددت ان اعرف نتاجاجاته الثقافية بالأسم والعدد، فقال: لأني مؤمن بالحقيقة القائلة، ان عرفت او تعلمت شيئا طيبا، فلا تبقيه لنفسك، بل قدمه وشارك به الآخرين، كي ينعموا مثلك، ولهذا فأني عملت وبكل صبر وتأني وتواضع على اغناء المكتبة ببعض النتاجات، وعندي مشاريع أخرى آمل ان ترى النور هي الأخرى.
محصلة مؤلفاتي لحد يومنا هذا هي التالية :
1. " تاريخ كرمليس " بغداد 1988 ساعد في إعداده و كتابة فصوله الأجتماعية الأستاذ بهنام سليمان متي
2. " كنيسة المشرق في سهل نينوى " – ساندياكو 1992
3." لمحات من تاريخ كلدو وآثور " – ساندياكو 1994
4." الكلدان و المسألة القومية " ديترويت 2004
5." سفر الخروج الكلداني " ديترويت 2013 وهو بحث أكاديمي مطروح للمناقشة لمنحه شهادة أكايدمية في الدراسات العليا
الكتب المخطوطة :
1." السورث و الأكدية " بغداد 1990
2." سهل نينوى " ديترويت 2003
3." ديموغرافية الكلدان " 2004 منشور على حلقات في كرملش نت
انا على موعد دائم مع القراء
قبل ان انتهي من اللقاء مع الأستاذ حبيب حنونا، اردت ان اعرف ان كان ينشر اعماله ام ينتظر انتظامها بكتاب ثم ينشره فقال: من حسن حظي ان اكون الآن (متقاعدا) وأملك وقتا جيدا احاول توزيعه بالعدالة بين زوجتي والعائلة والأحفاد، وبين ممارسة هواياتي ونشاطاتي الأخرى التي تمدني بالحيوية الدائمة. فأنا شخصيا اعـّد نفسي كاتب وباحث في تاريخ بلاد ما بين النهرين، ولي العديد من الكتب المطبوعة والمخطوطة و عشرات المقالات التاريخية منشورة في العديد من المجلات ( صوت الأمة ، الكلمة ، فينوس ، المنتدى ، كلدان ديترويت تايمس ، و غيرها ..) والمواقع الألكترونية ( عنكاوة ، كرملش نت ، باقوفا ، عين نوني ، ويكيبيديا ، ... ) كما وأني متواصل جيد مع الكثيرين عبرموقع (كرملش نت) والذي اديره منذ تأسيسه عام 2010 . ولمن يرغب تصفح الموقع، يستطيع عبر :
http://www.karemlash.net/
اما عن فلسفته في الحياة فيقول: الأستقامة في العمل والأمانة والصدق في التعامل مع الغير والأستمتاع في الحياة، لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس، كن متفائل دائما، لا تنظرالى نفسك في القمة فيراك الناس صغيرا، كن متواضعا فتكبر في عيون الناس، لا تجادل الجاهل فيغلبك ، كلنا تلاميذ في مدرسة الحياة لم ولم نبلغ الكمال أبدا
الوعي في الجالية
اردت ان اعرف مدى تقييم الأستاذ حبيب حنونا لمستوى الوعي القومي و الوطني عند ابناء الجالية فقال: لا يخفي على أحد مدى الظلم و الأضطهاد الذي مارسه حكام العراق ضد أبناء أمتنا في العصر الحديث ، وما مجزرة سميل ( 1933 ) والإعدامات التي حدثت عام 1949 إلا مثالا للظلم، أما في فترة حكم البعث ( 1968 – 2003 ) فقد عانت أمتنا الكثير من التصفيات والقتل ( مجزرة صوريا 1969 )، والأعدامات (1985 ) ، ونكران حقوقنا القومية بقرارهم سيئ الصيت الذي ألغوا فيه قومية مسيحيي العراق من الكلدان و الآشوريين والسريان وإعتبروهم عربا – رغم إحترامي الشديد لأخوتنا العرب - وهذه جريمة بحق شعب أصيل ترتقي إلى جريمة إلغاء شعب و أمة عاشت على أرض الرافدين قبل أي مكون آخر، لا بل "غسلوا عقول الناس" بمفاهيم خاطئة وحرموهم من التعلم بحرية، وطاردوا كل ذوي العقول المتفتحة والنيرة. ان هذا ترك اثره على جيل كبير، غيبت عنه ابسط مقومات المعرفة فصار يعتبر نفسه (عربي) لأنهم هكذا لقنوه، وفي الجهة المقابلة فأني اعيب على بعض الأخوة الذين تأخذهم الحماسة احيانا الى موقع التطرف والكلام غير الموزون عندما يكون الحديث عن القومية وعن العراق. انا اؤمن بالثقافة والعلم، وأعتبرهما اكبر اداة لتطور اي مجتمع او قوم، وحتى تزدهر قوميتنا او شعبنا او جاليتنا، انا ادعوهم للقرأة والثقافة والعلم، عند ذاك سيتوصلون الى حقيقة الأمور دون تشنج. ان الفرص موجودة، والحرية موجودة، وكل ما تحتاجه الناس هو الأندفاع والثقة بالنفس، وهذه المسؤلية يجب ان تكون تضامنية بين ابناء الجالية ومؤسساتها وأحزابها وجمعياتها، من اجل ان تكون حقا في خدمة الجالية.
ماذا تعرف عن كرمليس؟؟
اذا كان الأستاذ حبيب حنونا قد ألف كتابا عن بلدة "كرمليس" فبالتأكيد هناك الكثير مما يجب ان يقال او يحكى عنها، لكني ارتأيت ان اذكر بعض المعلومات العامة لغرض افادة القارئ الكريم، وأستقيت معظمها من موقع (ويكابيديا – الموسوعة المعرفية) ومن كتاب " تاريخ كرمليس "
كرمليس أو كرملش، (بالسريانية: ܟܪܡܠܫ) - وقد حملت كرمليس أسماء متعددة عبر التاريخ،
أن اقدم تسمية اطلقت على كرمليس هي " كار- مليسي Kar – Mulissi " فهي تسمية اكدية اطلقت عليها ابان سيطرة الاكديين على البلاد الاشورية خلال حكم ملكهم سرجون الاكدي (2371- 2316 ق.م) وعندما خضعت الدولة الاشورية للسومريين ابان حكم سلالة اور الثالثة في نهاية الالف الثالث قبل الميلاد اطلقت على كرمليس تسمية (كار- دنكير – نين – ليل) اي مدينة الالهة ننليل زوجة الاله انليل ووالدة ننيورتا وهي الهة سومرية كانت لها معابد في معظم مدن العراق القديم . ويقول السيد بوستكيت بان تسمية كار- نين- ليل مطابقة للتسمية الاكدية "كار- مليسي" استنادا للالواح المكتشفة في (سلطان- تبه) (تركيا) التي وردت تحت اسم "اورو- كار- مليس" والتي توافق التسمية الاشورية (كار- مليسو) او (كار- مليلتو) ، كما تسمت كرمليس بإسم ( إير – إيلو – بانو ) في العهود الأشورية القديمة ، وكذلك تسمت بإسم ( كوكاميلا ) في القرن الرابع قبل الميلاد ، و( كماليسك كاور قوي ) في العهد العثماني ، إلا أن إسم ( كرمليس ) بقي مرادفا لمعظم تسمياتها الآخرى .
من مقالة كتبها السيد بهنام سليمان متى عن كرمليس (مشكورا) أقتبس ما يلي - هي بلدة عراقية تقع في سهل نينوى.( كرمليس الحالية، بلدة كلدانية من بلدات محافظة نينوى، ترتبط اداريا بناحية برطلة، ضمن قضاء الحمدانية ومركزه (قره قوش-بغديدا). تقع جنوب شرق مدينة الموصل على بعد 28 كيلومترا، يمكن الوصول اليها عن طريق الموصل – أربيل مرورا ببرطلة، ثم بعد بضعة أميال تنحرف نحو اليمين لتصلها بعد بضعة دقائق، وهي على رأس ضلعي مثلث، طرفه الأيسر بلدة برطلة، والأيمن بلدة بغديدا (قره قوش). وتجثم كرمليس (كرملش) على هضبة تاريخية مساحتها حوالي (3 كم مربع) تحيط بها تلال أثرية كانت فيما مضى مدينة واحدة يحيط بها سهل فسيح يمتد من نهري الخازر والزاب من الشرق وحتى نهر دجلة غربا، يخترق هذا السهل جدول واحد يجري فيه منذ الأزل، مصدره نبعان كريمان، أحدهما عذب الماء والثاني كبريتي، يجريان من مرتفعات قرية (ترجلة) شمال شرقي القرية على مبعدة 6 كم، وهذا الجدول المائي يروي أراضي البلدة السيحية المحاطة بها ربيعا وصيفا، وينحدر شتاء نحو الغرب ليصب في نهر دجلة. ولعل الطبيعة حبت كرمليس وحدها بهذه النعمة الأزلية، نعمة الماء والخضراء وسط قرى كثيرة متعددة، تفتقر الى المياه الطبيعية، لذلك فأنت ترى أشجارها الباسقة وبساتينها ومزارعها الخضراء قبل الوصول اليها، وكانت الزراعة هي الحرفة الرئيسية الأولى التي زاولها أهلها أباً عن جد لسنين طويلة، وأعتزوا بها ولا زالوا أيم اعتزاز.
غالبية سكان البلدة هم من المسيحيين أتباع الكنيسة الكلدانية مع وجود أقلية تتبع الكنيسة السريانية الكاثوليكية وبالإضافة إلى أقلية من الشبك. تاريخ البلدة يمتد إلى أكثر من خمسة آلاف سنة مضت وتشتهر بالكثير من الأحداث التاريخية وأشهرها المعركة الكبيرة التي دارت بين الأسكندر المقدوني وداريوش الثالث ، كما عثرت فرق الحفريات على بقايا "قصر شلمنصر الثالث/ وسرجون الثاني 721 – 705"، فيما كانت العاصمة الأنتقالية للملك سرجون الثاني قبل ان يتحول الى (خرسباد) في اطراف نينوى،أصبحت البلدة مركزاً تجارياً ودينياً هاماً في المنطقة خلال القرون الوسطى، فمنذ عام 1332 نقل البطريرك دنحا الثاني بطريرك كنيسة المشرق كرسيه إليها وأستمر إلى نهاية القرن الرابع عشر حتى مجيء تيمورلنك إلى المنطقة بين عامي (1393-1403)، ففي هذه السنوات تعرضت بلاد ما بين النهرين إلى مذابح قضي فيها على غالبية أتباع كنيسة المشرق ودمرت أبرشياتها.
من ابرزالكنائس والأديرة: دير مار گورگيس/ دير مار يونان/ دير مار يوخنا/ دير بنات مريم/ كنيسة الأربعين شهيداً/ كنيسة القديسة بربارة/ كنيسة مريم العذراء/كنيسة مار أدٌي الرسول .ظهر اسم البلدة في إحصاء 1957 م وكان عدد سكانها في تلك العام 1876 نسمة. بالرغم من وجود أكثر من أربعة آلاف نسمة يقطنون البلدة الآن لكنه يوجد ما يقارب الثلاثة آلاف نسمة ممن هاجروا إلى خارج العراق. كما شهدت البلدة نزوح الآلاف من المسيحيين إليها بعد حرب العراق الأخيرة.
لوحة زيتية بورتريت قيد الأنجاز مع الزوجة العزيزة
قبل الختام، عن الأستاذ حبيب حنونا
منذ ان استقر الحال بالأستاذ حبيب حنونا وعائلته في الأقامة بمدينة ديترويت، فقد تبوء منزلة طيبة بين اقرانه من المثقفين والكتاب، ويشار اليه بالبنان خاصة في حقل البحوث التأريخية، وهو الذي لم يدرسها دراسة اكاديمية جامعية، بل اجتهد لعشرات السنين بالبحث، بلا كلل وملل، من اجل ان يقدم خلاصة عمله الى كل متابعي ومحبي تأريخ العراق القديم.
في ظلال بوابة النصر ـ باريس
ان ثقافته المتنوعة والمتميزة، وشخصيته الهادئة والرصينة تدعوني لمناشدة منظمات الجالية وأجهزتها الأعلامية للأستفادة من هذا الموسوعي، في اغناء الوعي والمعرفة عند ابناء جاليتنا الكريمة، بكل مشاربها وأنتمائاتها، طالما كانت تعتز بعراقيتها وأصالتها. انه لمن دواعي الفخر ان تكون بين ظهرانينا قامات باسقة، خضراء ومعطاءة مثل الأستاذ حبيب حنونا.
اماني للوطن
في الختام يأمل الأستاذ حبيب حنونا ان ينجلي هذا الليل المظلم الذي خيّم على الوطن، وأن يرفل ابنائه النجباء بالأمن والسعادة والتقدم والرفاه، حالهم كحال كل الشعوب التواقة للأستقرار، وأن يحّرم التميز بين العراقيين، وأن يحصل ابنائه الأصلاء على قيمتهم الحقيقية في الأبداع والمواطنة وليس العكس. وأن يسود القانون محل الأجتهادات ايا كانت وأن يعامل المواطن ويقاس بعراقيته ووطنيته وليس بأي مقاس آخر، وأن يقبر العراقيين نظام المحاصصة والقائمين عليه في انتخابات نيسان، وذلك بأختيار الناس الشرفاء الرافضين للفساد الأداري والعابرين للطوائف.
كمال يلدو
آذار 2014
1069 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع