زيد الحلي..ورحلة نصف قرن في الصحافة
اعداد صديق الگاردينيا الدائم
الصحفي الرائد المخضرم زيد الحلي من الصحفيين العراقيين الرواد الذين عاصروا مختلف العهود في تاريخ العراق الحديث وكانت لهم بصمات واضحة في مسيرة الصحافة العراقية على مدى أكثر من نصف قرن
زيد الحلي قلم متميز وصحفي عريق، حفر لنفسه تاريخا مجيدا بالسهر والمثابرة والابداع والحرص والتفاني تحكيم العقل واحترام القارئ واحترام المهنة مهنة البحث عن المتاعب
جمع هذا الصحفي الرائد خزين ذكرياته ونتاج مسيرته الصحفية في كتاب صدر مؤخرا بعنوان خمسون عاما في الصحافة وقد ضمّ الكتاب المؤلف من 290 صفحة خلاصة المسيرة الوضاءة للصحفي الرائد وحقق للقارئ عنصر التشويق من أجل متابعة قراءته من خلال القدرة الفائقة على سرد الأحداث والمواقف التي عاشها الحلي طيلة خمسين عاماً وهي فترة ليست بالقصيرة، فالحلي الذي ولج الى عالم الصحافة وهو ابن(17) عاما لم يلجها من باب الهواية والترف إنما كان راغبا وعارفا فيما اختار لذلك مضى بسعيه بكل ثقة حتى نضجت لديه التجربة وتحققت له انجازات عدة وكان شعاره الدائم في الصحافة أزرع زهرة على شاطيء الحياة كي يشم عطرها كل جيل آت من الحياة ، احبه الصحفيون فأنتخبوه لست دورات في مجلس نقابة الصحفيين العراقيين حاصل على اربع دبلومات في الصحافة ، الاول من المعهد القومي للصحفيين العرب في عام 1976 واثنان من كليه التضامن للصحافة والاعلام في هنكاريا في عامي 1968 و 1990 والرابع من معهد يوليوس فوجم في براغ عام 1989
كتبت عنه الاعلامية فريدة الحسيني قائلة:
لقد مثل زيد الحلي الانسان بكل صفاته من حيث دماثة خلقة وحسن تعامله مع الاخرين ومواقفه النبيلة حتى مع من نصب له العداء وكاد به , و كتابه المنوه عنه قد تضمن جزء ا من ماذكرناه, فهو نادر مثل كتابه النادر الذي احتوى الكثير منها و من بين هذه النوادر الجميلة التي استقصيتها في هذا الكتاب الذي أتيحت لي فرصة مطالعته ان الحلي استطاع ان يصور لنا ماعاشه من ذكريات صحفية وحياتيه غاية في الأهمية كونها امتدت بمساحتها إلى أربعة عهود من الحكم السياسي في العراق ابتدأ ت من عبد السلام عارف الى صدام حسين , والحقيقة يبقى الكتاب نادرا بكل شيء بسرده وبمعلوماته وبغور السيرة الذاتية للكاتب والشخوص التي تفاعل معها ورافقها في مسيرته الطويلة هذه ، انه سجل لحكايات أزمنة مختلفة وأحداث كبيرة ومهمة فهو أضمامة مهمة جدا تضاف إلى المكتبة العراقية ,, فمبروك للأستاذ الحلي المدرسة الصحفية الحقة هذا الانجاز الرائع ومبروك لنا نحن تلامذته هذه الثمار التي سنتغذى منها في مسيرتنا الحياتية والمهنية
وكتب عنه الاعلامي شكيب كاظم
قلة هم الذين يدونون يومياتهم ومذكراتهم، لان هذا التدوين اليومي يحتاج الى حياة منظمة ومنضبطة ومرتبة، واكثر الناس تميل الى الراحة والتحلل من الانضباط، لذا فأن هذه اليوميات، فضلاً على ذاكرة صاحية، تلتقط فلاتضيع بسهولة هذا المُلتقطُ، هما من كانا وراء هذا الكتاب الجميل الذي دبجته يراعة الكاتب والصحفي اللامع زيد الحلي والمعنون بـ (50 عاما في الصحافة-ذكريات صحفي في اربعة عهود) وقد اصدرته دار امل الجديدة بدمشق بطبعته الاولى لسنة 2012 الذي يعد سياحة رائعة وجميلة في دنيا الصحافة العراقية وعلى مدى نصف قرن، منذ ان تلبسه هوى الصحافة وهو طالب في الدراسة المتوسطة، ليكون اول صحفي يحصل على هوية نقابة الصحفيين العراقيين ولما يبلغ الثامنة عشرة من عمره، يوم انخرط بالعمل في جريدة (العرب) التي اصدرها الاستاذ نعمان العاني من 1963 وحتى 1967، وكان قبوله في النقابة على يد الصحفي الرائد فيصل حسون، الذي كان يشغل مهمة نقيب الصحفيين العراقيين، والذي رصع صدر كتابه هذا بكلمة محبة ارسلها الاستاذ فيصل حسون من مغتربه في الولايات المتحدة الامريكية وهو ينوء تحت كلكل الشيخوخة، اطال الله عمره، فضلا على كلمة رقيقة للصحفي الرائد والكبير الاستاذ سجاد الغازي
الوفاء سمة من سمات زيد الحلي، فهو يذكر بالشكر والعرفان جهود اساتذته في دنيا الصحافة، لايغفل احداً، وان تغيرت بهم الحال وأُديلت مكانتهم: يذكر اساتذته نعمان العاني، وشاكر علي التكريتي، والصحفي الرائد قاسم حمودي، صاحب جريدة (الحرية) التي كنت اشتريها يومياً وانا طالب في الابتدائية ولاسيما اثر تأميم قناة السويس في تموز 1956، واشتداد الازمة بين سورية وتركية صيف عام 1957 وتصريحات وزير الدفاع السوري خالد العظم ووزير خارجيتها صلاح الدين البيطار، وكانت هذه الازمة سبباً مهما في اندفاع سورية للوحدة مع مصر في شباط، 1958، كما يذكر بكل المحبة والعرفان نجله سعد وكذلك (نمير) النجل الاصغر للحاج العاني.
كثيرون من ينكرون وجود الحظ وتأثيره في حيوات الشخوص، ومع ايماني الراسخ بوجود الحظ، وبأن الدنيا حظوظ، تجعل هذا شقياً وذاك سعيداً، فلقد وجدت زيداً الحلي يُعلي من شأن حظه ويجعله سبباً مهماً في الكثير من النجاحات التي صادفها في حياته، اذ يذكر ان جريدة (العرب) قد افسحت امامه فرصاً كثيرة وواسعة، كانت من احلام الذين امضوا عقوداً من الزمن في الصحافة
زيد الحلي لعلو اخلاقه وسمو نفسه، ماذكر في كتابه هذا احداً بسوء، حتى الذي وقف في طريقه حائلاً دون نقل خدماته من جريدة (الثورة) الى المكتب الاقليمي لوكالة الانباء العراقية بالقاهرة، وكتب ذاك الهامش العدواني: يكتب لهم بالرفض وبأننا بأمس الحاجة الى خدماته ولدينا نقص بين في الكادر). ولقد خمنت من يكون من خلال توقيعه واستقرائي للحياة الصحفية والثقافية وقتذاك (1981)، انه شاعر انكر حتى انتماءَه لمدينته المقدسة خوفاً وكتب رواية تعبوية متملقاً ومات في مدينة الطب وقد تشمع كبده لكثرة معاقرته الخمر كما لم يذكر بسوء من وقف وراء ابعاده عن مجلس نقابة الصحفيين، فتلك امة خلت لها ماكسبت وعليها ما اكتسبت، وذهبوا واعمالهم في مواجهة الرب الرحيم
لقد عمل الصحفي المهني زيد الحلي في الصحافة العراقية سنوات طويلة تقترب من النصف قرن، أمضى اكثرها في جريدة (الثورة) وعاصر ثمانية رؤساء لتحريرها هم: صلاح عمر العلي، طارق عزيز، ناصيف عواد، سعد قاسم حمودي، حميد سعيد، د.صباح ياسين، طه ياسين البصري، وقد أجمَلَ صفاتهم الخلقية والمهنية، فكانت محيرة للالباب، وهذا ناتج عن الفروقات الفردية، والاختلاف الهائل في الجينات الوراثية، التي فك شفرتها عالم امريكي حاز جائزة نوبل عام 1962 التي تصل الى مليارات الاحتمالات، مما يؤكد معجزة الخلق الانساني التي اوجدها الخالق واجب الوجود، فمن هؤلاء الرؤساء من كان مشبوب العاطفة، صادق الوجدان، يتابع كل صغيرة وكبيرة، وكان هناك من يدخل صباحاً الى غرفته ويخرج منها من غير ان يعرف مايدور في الصحيفة، وسمع من بعضهم اقوالاً جميلة، وعندما لمس افعالهم، شعر بالمرارة، وبينهم من كان يشمخ بانفه وبينهم من كان متواضعاً، وبعضهم جعل الجريدة مكاناً للقاء المفكرين العراقيين والعرب والاجانب وبعضهم الاخر كان طارداً للمبدعين، واحس من بعضهم، التماس العذر لمن اساء من غير قصد، ويضفي على الموهبة، مهما تدنى مستواها، ثناء مشجعا فيما كان بعضهم يسعى الى الجام الموهبة، لكن كل هذه الفروقات اختفت لتجتمع عند صعيد واحد: معظمهم كانت تضعفهم نظرة من انثى تهوى الصحافة، وتخلب لهم ابتسامة من دغادة لعوب تهوى الصحافة.. ايضاً!!
وكتب عنه الاعلامي حسين سرمك حسن
إن هذا الإنسان ثابر على العطاء على الرغم من الفاجعات التي كادت تكسر ظهره، وأولها حملته صفحة الكتاب الأولى التي عنونها بعنوان حارق (يا دجلة لماذا سرقت حياتي؟) والتي تحدث فيها عن الرحيل المبكر لإبنه طارق الجميل الذي مات غرقا عام 2000. والعنوان يبدو مشتركا يجمع العراقيين المفجوعين عبر تاريخهم بلا قصد حيث ذكرني بكتابي عن الشاعر المبدع الراحل "علي الشباني" والذي استقيته من قصيدة له عنوانها هو "نهر الديوانية .. ماذا فعلت بحياتي؟". والمصيبة أن قصيدة علي الشباني أهداها إلى روح شقيقه الأصغر الذي مات غرقا في نهر الديوانية وحمّل نفسه مسؤولية خسارته حتى رحيله -أي رحيل علي !!-.
وقد أبهرتني مقدمتان كتبهما عميد الصحافة العراقية الأستاذ المهجور في أميركا (فيصل حسون) والأستاذ "سجاد الغازي" - وهو من أعمدة الصحافة العراقية المعروفة - يشيدان فيهما بالسلوك الصحفي المثابر والمخلص لتلميذهما البار والمثابر والمعطاء "زيد الحلي ". وزيد لم يخيّب أمل أستاذه فيصل حسون الذي قرر منحه هوية نقابة الصحفيين رغم المحاذير التنظيمية ، ليكون أصغر صحفي معترف به رسميا في صحافة العراق والوطن العربي (هل نقول العالمية؟). دخل زيد الصحافة وهو بعمر (17) عاما، وبتشجيع من أستاذه الصحفي الرائد الأستاذ (حسن العلوي) الذي كان يدرّسه في مرحلة الدراسة المتوسطة ( متوسطة "الثورة" في كرخ بغداد في بداية ستينيات القرن المنصرم ) لكن كان إصراره وتصميمه الشخصي هو الأساس. ولعل الكثيرين سيحارون في تفسير الدوافع التي جعلت "مراهقا" من "الحلة" المدينة الصغيرة المهملة آنذاك، وفي مدرسة متوسطة ببغداد يقوم بكل تلك "المناورات" الصعبة ويزعج أباه الطيّب ويتعبه ، كي يصبح أصغر مراسل لمجلة (الرأي العام) البيروتية مثلا وغيرها ؟؟
تحية للصحفي المخضرم الرائد زيد الحلي والى مزيد من الإبداع والتألق ونتمنى أن يستفيد الإعلاميون والصحفيون الشباب من تجارب وذكريات الرواد وفي مقدمتهم أخونا زيد الحلي أطال الله في عمره ونفعنا بعلمه ومعلوماته
658 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع