شاتوبريان برائحة الپاجة البغدادية!!!
وأخيراً قررت الزواج ... أجل قررت ان اتزوج وأترك العزوبية ... بالرغم من ان إقدامي على تلك الخطوة مجازفة !! أجل مجازفة كبيرة .. ولكن ماباليد حيلة أريد ارضاء والدتي العزيزة .. لا يمر يوم حتى تعيد نفس الاسطوانة التي حفظتها على ظهر قلب :-
- ولدي العزيز ، أكمل دينك .. أريد ان ارى اولادك ... بمجرد اشارة صغيرة منك ستجد كل التسهيلات .. إسمع كلامي يا ولدي ارحمني .. الله يرحمك !!
ولكن من هي التي سأتزوجها ؟ .. [ انه النصيب ] .. لنرى من هي بنت الحلال التي تصبح من نصيبي .؟
وجدتها !! وجدتها !! سأفاتح (( سهام )) بالزواج ... أنها جميلة .. أجل جميلة .. طويلة القامة .. شقراء.. مثقفة .. أجل انها مثقفة سبق وانها كانت في احدى الدول الاشتراكية بمصاحبة والديها ... بقيت هناك اكثر من ثلاث سنوات حيث كان والدها يعمل في الملحقية التجارية هناك ...
سافاتحها بالموضوع .. انها بنت مثقفة و تكن لي كل الاحترام والتقدير ونظراتها تقول انها معجبة جداً بملابسي واختيار الالوان ونوعية العطور و ... الخ .. الى حد ما سمعته عنها قبل ايام :-
- اهنئك يا سيد سعد على هذا الذوق الرفيع عطرك رائع ورائحته زكية جداً هنيئاً للفتاة التي ستصبح زوجتك .
ان كلامها بمثابة جواز مرور بل الدخول الى قلبها .. إنها تخاطبني بصورة غير مباشرة مبدية اعجابها بي .. بعد مدة سوف يتحول هذا الاعجاب الى حب والحب الى زواج .. الحمد لله .. ساكمل ديني وبالتالي سأرضي والدتي المسكينة
ما أن فاتحتها بذلك حتى وافقت على الفكرة حالاً ودون أية مقدمات أو أعتراضات ..
هذا شئ يسرني وعائلتي ولكن المشكلة .. المشكلة أن لـ ( سهام ) طلب واحد وهو انها تريد ان تسكن في بيت مستقل عن اهلي .. وهذا من حقها .. حتى الوالدة لا تعترض على ذلك .. المشكلة بل المصيبة التي كانت كالصاعقة ضربت رأسي هي مسألة الطبخ والمأكولات لقد اخبرتنا والدتها في احدى الزيارات لهم بمصاحبة والدتي :-
- أن ابنتي ( ربة بيت ) ممتازة .. لقد علمتها كل الاكلات التي تطبخ في المطاعم العالمية .. على سبيل المثال هي فنانة في عمل الاكلات التالية /
الهمبرگر .. بيف برگر.. جكن برگر ..جيز برگر..سبانج برگر ..بيف ستيك .. شاتوبريان .. فيليه .. و... الخ.. اما السلطات فحدث ولا حرج.
سلطة بالمايونيز .. شريحة سلط .. توماتو سلط .. گرين سلط .. بينيز سلط .. والاكلات الايطالية فهي من اختصاصها خذ مثلا :-
سباكتي .. ميت سباكيتي .. هوت سباكيتي .. الخ
ظلت عمتي تسرد في الاكلات الفرنسية .. الانگليزية .. ووالدتي المسكينة فاتحة فمها دون ان تشاركها في الحديث .. وتنظر اليها نظرات غريبة وبعدها تنظر الي وكل وجهها علامات تعجب واستفهام عن كلام هذه المرأة !! ماذا تقول ..؟ ما هذه الاسماء الغريبة..؟
خرجنا وطيلة المسافة من بيت سهام الى بيتنا لم تنبس بكلمة واحدة الا عند وصولنا الى البيت قالت:-
- صدقني يا ولدي لم افهم كلمة واحدة من كلام عمتك!!!
* حتى انا يا والدتي العزيزة !!
مع كل ذلك كانت والدتي مقتنعة قناعة كاملة بـ سهام كزوجة لي وهكذا كان .. لانها كانت تقول !
- سأدخلها الى مطبخنا كلها اشهر وساجعلها فنانة في طبخ كل الاكلات التي نحبها ..(الدولمة .. الباجة.. انواع الكبب .. الخ)
تزوجتها .. اثثت لها بيت من الطراز الاول .. صالة .. غرف .. اهم شيء مطبخ من الدرجة الاولى .. دخلت مطبخنا تتلقى الدروس والتعليمات على يد والدتي اكثر من سنة ولكن دون جدوى واخيرا وبكل صراحة قالت عمتي :-
- اسمع ياسعد .. ابنتي بنت دلال .. متعلمة في اوربا صحيح انها شرقية ولكن ارجوك.. ارجوك من دون زعل .. اترك ابنتي وشأنها ولاتجبرها على ما لا يعجبها.!!.
- وما هو الشيء الذي لايعجبها .. ياعمتي العزيزة ..؟
- مسألة الطبخ والاكلات الشرقية .. نحن كلنا لانرغب في تعلم وتناول الاكلات التي تحبونها .. دعها وشأنها .. انها فتاة معاصرة تكره الاكلات القديمة التي اصبحت من التقاليد التي لاتنسجم مع العالم الحالي..!!
منذ ذلك اليوم قررت ان اترك سهام تفعل ما تشاء .. اعطيتها الحرية الكاملة لتعمل ما تشاء من الاكلات التي لااستطيع ان الفظ حتى اسماءها .. فكيف استطيع ان اتناولها ..؟؟
اتفقت مع والدتي ان تعمل لي كل الاكلات التي احبها .. تعمل لي كميات كبيرة من (الدولمة.. الپاجه.. انواع الكبب والبرياني والتشريب.. الخ) اضعها في المجمدة ..
كل يوم اقوم بتسخين قسم منها واتناولها بمفردي .. كنت اتمنى ان تشاركني زوجتي باحدى الوجبات ولكن دون جدوى .. على سبيل المثال في اليوم الذي كنت اتناول (برياني دجاج) مطعم باجود انواع التوابل .. كانت تجلس بالقرب مني وهي تتناول قطعة من الـ( بيف ستيك ) مع صحن من گرين سلط .. في كل مرة كنت اقول لها :-
- تفضلي يا عزيزتي ..
ـ كلا .. كلا.. انا لم اتعود على مثل هذه الاكلات .. انها اكلات قديمة .. ماما هكذا تقول !!
كنت اضحك مع نفسي واقول ( اللهم زد وبارك من هذه الاكلات القديمة) .. آمين يارب !!
المفاجأة الكبرى .. كانت سهام في اجازة طويلة وذلك بسبب وضعها الصحي مما تحتم على عمتي ان تبقى عندنا خلال تلك الازمة .. وفي احدى الايام عدت الى البيت قبل الموعد المعتاد باكثر من ساعة.. قبل الدخول سمعت عمتي تخاطب سهام :-
- يالها من اكلات لذيذة .. هيا يا سهام اسرعي .. كلي من هذه الكبة .. ومن تلك الدولمة .. فعلاً اكلات لذيذة .. ان اطباق اليوم الذ بكثير من اطباق الامس وقبلها يالها من اكلات انها شهية فعلا .. بالاخص الپاجه !!
انها مفاجأة فعلا .. لم استطع ان اصدق مايدور في الداخل ولكنها الحقيقة لقد سمعتهم بنفسي انهم يأكلون بشراهة .. انهم اشبه بالجراد الذي يداهم المزروعات .. يقضون على كل الذي امامهم .. حينها تذكرت ان المأكولات التي ترسلها لي الوالدة المسكينة تنتهي خلال ايام قصيرة .. عدت الى الوراء دون ان ادخل اشغلت نفسي وعدت في الموعد المحدد .. استقبلتني عمتي بضحكة صفراء ..
- اهلا يا سعد .. مكانك خالي لقد عملت طبقا شهيا من الـ( شاتو بريان) مع انواع السلطات ولكن كنت اعلم مسبقا انك لاتهوى تلك الاكلات لذلك لم نحسب حسابك يا عزيزي..
نظرت اليها ..اطلت النظر اليها والى زوجتي سهام وقلت لهما :-
- هنيئا يا عمتي العزيزة.اعظم شيء في الـ( شاتوبريان) ان رائحته كرائحة (الپاجة) ١٠٠٪.!!.
نظرت العمة الى سهام .. وسهام الى عمتي .. بعد صمت لمدة نصف دقيقة قالت وهي تتلعثم في الكلام.
- على العودة الى البيت فصحة سهام جيدة الحمد لله ..
قلت لها :-
- شكرا ياعمة.. قررت من اليوم أن أشارك زوجتي العزيزة ما تطبخها.. فرائحة ( الشاتوبريان) نفس رائحة أكلات أمي!!!.
تشرين الثاني1995
*هذه القصة ضمن مجموعة قصص كتبتها في السجن الأنفردي في معتقل الحاكمية( المخابرات) ...عام 1995 حفظتها على ظهر قلب لعدم وجود قلم وورق.. حينما نقلت الى سجن أبو غريب نقلتها على الورق ..
417 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع