السليمانية/ أصوات العراق: أصدر المؤرخ عماد عبد السلام رؤوف، كتابه الجديد الموسوم "الملفة الشخصية للواء الركن عبد الكريم قاسم" عن مؤسسة جين لإحياء التراث الوثائقي والصحفي الكردي، الذي يكشف من خلال نحو 200 وثيقة أصلية معلومات جديدة ترقى لأن تكون "أسراراً" عن حياة الزعيم العراقي الأسبق، أبرزها كثرة ديونه وإجازاته و"اختفائه" عن أنظار السلطات العراقية أربعة أشهر في بريطانيا عام 1947.
وقال البروفيسور رؤوف وهو مؤرخ وخططي عراقي معروف لوكالة (أصوات العراق)، إن الكتاب "يكشف عن معلومات ترقى أن تكون أسراراً وتفاصيل غير معروفة عن حياة اللواء عبد الكريم قاسم من خلال ملفته الشخصية"، مشيراً إلى أن الملفة التي كانت محفوظة في أرشيف وزارة الدفاع العراقية تحت التسلسل 1062 "تحتوي على نحو 200 وثيقة رسمية مصدرها وزارة الدفاع العراقية، قبل أن تتداولها الأيدي بعد سنة 2003 وتصل إلى مؤسسة جين لإحياء التراث الوثائقي والصحفي الكردي في السليمانية (364 كم شمال العاصمة بغداد)".
وأضاف أن المؤسسة "كلفتني بإعداد هذه الوثائق بنحو علمي والتقديم لها ونشر أصول وثائقها مصورة خدمة للمكتبة التاريخية العراقية"، مبيناً أن الكتاب الوثيقة "يلقي أضواءً جديدة على الحياة الشخصية لرجل ارتبطت حياته بحقبة دقيقة من تاريخ العراق الحديث".
وعبد الكريم قاسم، هو رئيس وزراء العراق بين سنتي 1958 - 1963، وكان رئيس تنظيم الضباط الأحرار الذي أسقط الحكم الملكي في العراق وأسس الجمهورية العراقية في 14 تموز يوليو 1958، وتم إعدامه في أعقاب انقلاب عسكري جرى يوم 8 شباط فبراير 1963.
وأوضح رؤوف، أن الكتاب يتضمن "تقديماً دقيقاً للوثائق كما هي ودون أي تغيير أو تدخل أو إقحام من قبلي خدمة للحقيقة والتاريخ"، لافتاً إلى أن الوثائق التي عرضها الكتاب "تتنوع بين قوائم لرواتب قاسم ومخصصاته وديونه ودائنيه، وإجازاته الكثيرة سواء كانت مرضية أم اعتيادية، وسفره خارج العراق، وتسوية راتبه التقاعدي بعد إعدامه صباح التاسع من شباط 1963، وغير ذلك من الأمور التي يندر أن تتناولها المصادر التاريخية".
وأكد المؤلف، أن الوثائق التي تصدى لعرضها الكتاب "تغطي المدة المحصورة بين عام 1932 وهو تاريخ انتساب قاسم إلى المدرسة العسكرية الملكية (الكلية العسكرية فيما بعد)، وحتى عام 1978 عندما سويت معاملة رواتبه التقاعدية بصورة نهائية، ومن ضمنها وضعه بعد ثورة 1958"، منوهاً إلى أن تلك الوثائق "لا تتناول التفاصيل الشخصية لحياة قاسم حسب، بل وتستمد أهميتها أيضاً من الحقبة الحاسمة والحافلة بالأحداث التي وثقتها من تاريخ العراق المعاصر".
وبشأن الأسرار التي يكشفها الكتاب، قال رؤوف، إنها عديدة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تشير الوثائق إلى أن الشاب عبد الكريم "غير أسم والده من جاسم محمد البكر في وثائقه إلى قاسم، في وقت مبكر من حياته، وربما قبل دخوله المدرسة العسكرية الملكية بتاريخ 14 أيلول 1932، وأن والده اضطر لفقره الشديد، إلى رفع دعوى قضائية ضده، بعد أن تخرج من المدرسة برتبه ملازم ثان، مطالباً إياه بنفقة شهرية تعينه على متطلبات الحياة"، لافتاً إلى أن المحكمة "حكمت لصالح الأب بمبلغ أربعة دنانير وستمائة فلس كنفقة شرعية شهرية تستقطع من راتب ولده، حيث استمر هذا الاستقطاع يسجل في قوائم رواتب عبد الكريم حتى سنة 1951".
ومضى المؤلف قائلاً، إن الوثائق تكشف أيضاً عن "الضائقة المالية المزمنة والمستديمة التي كانت تلاحق عبد الكريم قاسم، على الرغم من كونه ظل أعزب طيلة حياته، وأنه كان يقيم في القسم الأول من حياته في دار الضباط، التي لم تكن تتطلب إلا أجوراً رمزية"، مضيفاً أن تلك الأزمة المالية كانت "تضطر قاسم إلى الاستدانة المستمرة من أشخاص مختلفين من خارج الجيش، بينهم تجار يهود وآخرون لم تحدد هوياتهم، وأنه كان يعجز أحياناً عن تسديد ما بذمته من أموال، أو يرفض تسديدها لسبب غير مفهوم، فيضطر لمواجهة دعاواهم لتحصيل ديونهم".
وذكر رؤوف، أن قوائم رواتب قاسم "تحفل بالكثير من المعلومات عن هذا الجانب من حياته، بل أنه كان معتاداً على حجز ربع راتبه شهرياً لتسديد ما بذمته من ديون، ومنها ديون لدار الضباط مقابل إقامته فيه، على ضآلة ما كانت تلك الدار تتقاضاه، وديون أخرى للنادي العسكري، لأن قاسم لم يكن يدفع لهاتين المؤسستين مستحقاتهما ما اضطرهما لمفاتحة الجهات العليا في الوزارة لتحصيلها".
وأردف المؤلف، أن ملفة قاسم الشخصية تكشف عن "كثرة ما كان يحصل عليه من إجازات مرضية من مستشفى الرشيد العسكري، ومن المستشفى الملكي أحياناً، والسبب الوحيد والمتكرر لذلك هو إصابته بالتهاب الجيوب الأنفية، وقد اضطر لعمل غسيل لها في إحدى تلك الإجازات"، مرجحاً أن تكون هذه المشكلة "السبب الرئيس لعدم قبول قاسم في الطيران العسكري، إذ جرى فحصه في العاشر من أيلول سنة 1935 وتبين عدم صلاحيته لذلك".
واستطرد رؤوف، أن الوثائق "لم تحدد أسباب طلب قاسم المتكرر منحه إجازات اعتيادية"، منوهاً إلى أنه "لم يكن يقضي تلك الإجازات، التي كانت تمتد من يوم واحد إلى أربعة أشهر كاملة، وسط أسرته في الصويرة (135 كم شمال الكوت مركز محافظة واسط 180 كم جنوب شرق العاصمة بغداد)، إنما في بغداد والموصل، أو خارج العراق لاسيما في بريطانيا".
لغز الاختفاء في لندن
وأكد المؤلف أن مما يلفت الأنظار هو "تواري قاسم عن الأنظار خلال سفرته إلى بريطانيا في عام 1947"، شارحاً أن قاسم "لم يبلغ السفارة العراقية في لندن، أو الملحقية العسكرية فيها، بوصوله، حتى أن السفارة اضطرت لإبلاغ بغداد بأنها لا تعلم عن مصيره شيئاً بعد أربعة أشهر من انتهاء إجازته المفترض في الخامس من نيسان 1947".
وواصل رؤوف، أن وثيقة مؤرخة في التاسع من تموز 1947 "تكشف عن تقديم قاسم في ذلك التاريخ عريضة يخبر من خلالها أنه يرقد في إحدى مستشفيات لندن للعلاج على نفقته الخاصة، دون أن يحدد تاريخ دخوله المستشفى وما إذا كان العلاج يتطلب ذلك الوقت كله (أي أربعة أشهر)"، مضيفاً أن القضية "سويت لاحقاً وصرفت لقاسم رواتبه على أساس أنه كان مجازاً مرضياً برغم أنه كان في إجازة اعتيادية بالأساس".
وأكد المؤلف أن الملفة "تنتهي عند تفاصيل مطالبة ورثه قاسم برواتبه التقاعدية، ومستحقاته عن إجازاته الاعتيادية التي لم يتمتع بها"، مبيناً أن هذه المسألة "سويت نهائياً في 12 أيار 1978" .
وخلص البروفيسور عماد عبد السلام رؤوف إلى أن الطريقة التي اعتمدها في معالجة الوثائق "تتلخص بترتيبها على وفق سياقها الزمني وبحسب السنين، ونشر صور أصولها كاملة مع وصف محتويات كل وثيقة"، موضحاً أنه لم يشأ أن "يثقل الكتاب بمقدمة مطولة عن قاسم إنما عرف بأهمية الملفة من النواحي التاريخية فقط".
والبروفيسور عماد عبد السلام رؤوف، من عائلة موصلية الأصل عباسية النسب، ولد في بغداد عام 1948 وحصل على شهادة الدكتوراه في جامعة القاهرة، ترأس اتحاد الكتاب والمؤلفين العراقيين، وهو أستاذ التاريخ في الجامعات العراقية ومن أعلام المؤرخين في العصر الحديث، شغل العديد من المناصب العلمية منها رئيس مركز إحياء التراث العلمي العربي بجامعة بغداد، ولديه العشرات من المؤلفات التاريخية التي طبعت في العديد من دول العالم والتي تعد مرجعا مهما للباحثين والدارسين والمثقفين، فضلاً عن عشرات الدراسات من تحقيق ودراسة الكتب التاريخية ومئات المقالات المنشورة والبرامج التلفازية والإشراف على عشرات الرسائل الجامعية مع وجود رسائل جامعية ومؤلفات وبحوث كتبت عن حياته ومسيرته العلمية.
اما مؤسسة جين (الحياة) لإحياء التراث الوثائقي والصحفي الكردي، فهي مؤسسة غير حكومية تأسست عام 2004 في السليمانية، للعناية بجمع وحفظ ونشر كل ما له علاقة بالكرد وكردستان والمنطقة وشعوبها ولديها العشرات من الإصدارات باللغات الكردية والعربية والفارسية.
673 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع