دار المسناة الناصرية - دار علم وعلماء : الدكتور مصطفى جواد

سمير عبد الحميد


دار المسناة الناصرية - دار علم وعلماء : الدكتور مصطفى جواد

في ملحوظة قيمة ذكرها الاستاذ حسين محمد عجيل في تقديمه لكتاب ((معالم بغداد وخططها في العصر العباسي لقصي اسماعيل الفرضي)) قال:((...... ان اشارة خططية قد تردعرضا ضمن خبر عابر ،او وصف لحدث سياسي او عسكري ،او ترجمة لاديب او فقيه او امير،في كتاب يرقى تاليفه الى عصر الدولة العباسية او بعيد سقوطها ،يمكن ان تتخذ قرينة –او ربما دليلا مرجحا-لتعيين هذا المعلم المندثر او ذاك في مكان جديد غير ما استقرت عليه اراء المشتغلين المعاصرين في خطط بغدادوقد يترتب على ذلك تغيير في مواضع جملة من المعالم المندثرة القريبة منه او المرتبطة به وظيفيا وتتكرر امثال هذه الحالات كثيرا في اعمال خططي بغداد الابرز العلامة الدكتور مصطفى جواد)) وهذا ما حصل فعلا مع الدكتور مصطفى جواد رحمه الله في القول ان القصر العباسي في وزارة الدفاع القديمة كونه دار المسناة الناصرية.فقد كتب الدكتورمقالة في مجلة كلية الاداب بعنوان دار المسناة الناصرية دار علم وعلماء في العدد4 لسنة 1960 جاء فيه:(.

احتوى الجزء الثاني من مجلة كلية الآداب هذه ، لسنة ١٩٦٠ ، فيما احتوى عليه من المقالات المفيدة ، على مقالة عنوانها « المدرسة الشرابية أو القصر العباسي في قلعة بغداد ، للاستاذ الفاضل ناجى معروف المعروف ، وقد حاول فيها أن ينفى كون هذه الدار الفخمة بكل معانى الفخامة القديمة « دار المسناة ، التى أمر بإنشائها الخليفة الناصر لدين الله أبو العباس المستضيء بأمر الله الحسن العباسى « ٥٧٥ - ٦٢٢ » . وهو الرأى الذي ذهب اليه المحقق الماضى يعقوب السركيسى المتوفى سنة (١٩٦٠) وأيدته أنا فيه لما رأيته فيه من الصحة والاصابة اللتين لا مندوحة منهما ، في الكشف عن تاريخ الآثار العربية الغامض.
وقد ذكرنا أن دار المسناة هذه - على حسب رأينا - قد أنشأها الناصر لدين الله ، وأنشأ فيها خزانة كتب جليلة ، لمفاوضة العلماء فيها ، فهى على التحقيق دار علم ، ولذلك كانت بنايتها أقرب الى بنايات المدارس منها الى البنايات الأخرى ، وقد اقتبس من تصميماتها المعمار الذي شيد المستنصرية. ولاسيما الابهاء الذى توضع فيها خزانة الكتب أو تنضد فيها على المناضد تنضيدا . ومما يدل على أن دار المسناة هذه كانت دار علم خبر ذكره القفطى المؤرخ الاديب الوزير المشهور قال في ترجمة برهان الدين أبي الرشيد مبشر بن أحمد بن على بن عمرو الرازي الاصل ، البغدادي المولد والدار الحاسب :

هذا رجل في زماننا الاقرب ببغداد ، كان أوحد في زمانه ، فاضلا كثير المعرفة بالحساب وخواص الاعداد والجبر والمقابلة وعلم الهندسة والهيأة وقسمة التركات ، وحوى من سائر العلوم طرفا ، وكان يقرأ عليه ويؤخذ عنه ، ولم يزل متصدراً لذلك ، وتميز فى أيام الناصر لدين الله أبي العباس أحمد ، وقرب منه ، واعتمد فى اختيار الكتب التى وقفها بالرباط الخاتوني السلجوقي وبالمدرسة النظامية ، وبدار المسناة ، فانه أدخله الى خزائن

الكتب بالدار الخليفة ، وأفرده لاختيارها . وكان مقربا الى أولياء الدولة محببا عندهم ، محبا للعلوم ، وكسب المال الكثير ، ولم يزل على حاله في الاقراء والافادة الى أن سيره الخليفة الناصر لدين الله في رسالة الى الملك العادل أبي بكر بن أيوب عندما قصد بلاد الموصل ، فلقيه على نصيبين أو
دينسر ، ومات هناك في شهور سنة تسع وثمانين وخمسمائة . وكان مولده في سنة ثلاثين وخمسمائة.
فالمؤرخ محدو ومبعوث على المساءلة عن السبب في اخراج الخليفة الناصر الكتب المختارة من دار الخلافة العباسية ، التي فيها قصوره ودوره للسكنى ، وتوزيعها بين ثلاث مؤسسات هى رباط زوجته سلجوقی خاتون السلجوقية الخلاطية (1)، والمدرسة النظامية المشهورة و دار المسناة ، والتاريخ نفسه يجيبه بأن ذلك انما كان لنشر العلم بين الناس ونيل الثواب .
1- كان هذا الرباط على شاطئ دجلة فى الجانب الغربي من بغداد
فوق محلة الخضر الياس الحالية ، وقد جرفته دجلة مع تربة السيدة المذكورة بعد أن اتخذه البكتاشية تكية لهم ، وقد ذكره نيبور الداينمركي السائح في رحلته وكان قدم بغداد سنة (۱۱۸۰هـ الموافقة لسنة ١٧٦٦ الميلادية . وكان قريبا منه مشهد عون ومعين الذى وصفه ابن جبير في رحلته. فدار المسناة كانت من المؤسسات التي أنشئت من أجل تلك الغاية الجليلة.

وكان وضع الناصر لدين الله الكتب فى المؤسسات المقدم ذكرها قد جرى فى سنة ٥٨٩ بدلالة ما نقله ابن تغرى بردى في بعض تواريخه ، ، قال في حوادث السنة المذكورة : « وفيها بنى الخليفة الناصر لدين الله العباسي دار الكتب بالمدرسة النظامية ببغداد ، ونقل اليها عشرة آلاف مجلد ، فيها الخطوط المنسوبة وغيرها . واذ كنا نعلم أن المدرسة النظامية كان لها دار كتب منذ زمن طويل أيقنا أن دار الكتب الناصرية كانت من بابة المضافات والزيادات ، فدار المسناة التى كانت خالية من الكتب كانت أحق بكثرة الكتب ، وعلى هذا الرأى نقدر ما وضع فيها من الكتب بخمسة عشر ألف مجلد ، ولا نغالى فترتفع الى عشرين ألفا اي الى الضعفين . وهذا العدد الضخم من الكتب ينبغى أن يفكر المؤرخ البارع في البيوت التي تسعها ، وتحتوى عليها ، وتكون المطالعة والجداول ومطارحة الاقوال والمناظرات فيها ، اذا بعثت الحاجة الملحة على ذلك الأمر ، فاتساعها من مقتضيات السبب في انشائها..
وبما قدمت من الابانة عن الغاية التي أنشئت من أجلها « دار المسناة الناصرية ، التي هي القصر العباسى القائم أكثره اليوم في جنوبي وزارة الدفاع ، يبطل قول الاستاذ ناجى معروف فى أول مقالته المشار اليها « لم يعرف على وجه التحقيق الغرض الذى شيدت من أجله العمارة المعروفة بالقصر العباسي ، فى قلعة وزارة الدفاع ببغداد ، وكل ما ثبت للباحثين أن القصر العباسي المذكور بناية عباسية تدل آثارها الباقية على فخامتها وجمالها وروعة هندستها وزخرفتها ولم يعرف من أنشأها ولا التاريخ الذي أنشئت فيه ، لانه لم يتسن للعلماء والباحثين الوقوف على التفاصيل الضرورية التي تمكنهم من معرفة حقيقتها وماهيتها لندور المراجع التاريخية عن بغداد في العصور المتأخرة وبه ايضا
ينتفي قوله بعد ذلك : « ولذلك يمكن أن نتساءل عن الاغراض التي أنشئت من أجلها هذه الحجر والغرف التي تطل على ساحة واحدة أو صحن واحد وعلى أروقة مزخرفة ، هل كانت تتخذ لسكنى الخليفة ونسائه أو أن نساء الخليفة وجواريه كن يستقبلن سيدهن الخليفة في هذه الغرف الضيقة البسيطة الخالية من كوى الاضاءة والتهوية . أم ان الغرف الكبيرة التى كان يسكن فيها الخليفة الناصر لدين الله ونساؤه وحاشيته وأهل بيته قد نقضت وبنى مكانها هذه الغرف الصغيرة)).
فهذا قول مرسل من الأقوال التى لا حادى عليها ، فمن قال للزميل الفاضل ان هذه الدار أعنى دار المسناة أنشئت لسكنى الخليفة وجواريه ، حتى يسائل تلك المساءلة ؟ وكيف استدل على أن المراد بكل دار في التاريخ الاسلامى أن تكون خاصة بالسكنى وعيش الجوارى والحواشي ؟ فقد ذكرنا أنواع الدور من حيث استعمالاتها واتخاذاتها ؟ وهل عنده عدة مخططات لدور الخلفاء العباسيين ببغداد وفى أواخر عصرهم خاصة ، حتى يستند الى ما ادعى أنه تفنيد علمى فنى ؟ ولعله يدرس بغداد في العصور العباسية حتى يعلم أين كان الخلفاء يعيشون هم وذوو قرباهم ونساؤهم وأبناؤهم وبناتهم وجواريهم وخدامهم وخوادمهم وغير أولئك من حواشيهم ؟ انهم والناصر لدين الله منهم كانوا يسكنون فى دار الخلافة التي كانت جنوبي المستنصرية والنظامية على شاطى دجلة وما جاور ذلك من الجهة الشرقية من بغداد ، قال ابن جبير وقد قدم بغداد فى عهد الناصر لدين الله وذلك في سنة (٥٨٠هـ) يصف بغداد : « وأما الشرقية فهى اليوم ) دار الخلافة ) وكفاها بذلك
شرفا واحتفالا ، ودور الخليفة مع آخرها ، وهي تقع منها في نحو الربع أو أزيد ، لان جميع العباسيين فى تلك الديار ، معتقلين اعتقالا جميلا ، لا يخرجون ولا يظهرون ، ولهم المرتبات القائمة بهم ، وللخليفة من تلك الديار جزء كبير قد اتخذ فيها المناظر المشرفة ، والقصور الرائقة ، والبساتين الانيقة....وله قيم على جميع الديار العباسية ، وأمين على كافة الحرم الباقيات من عهد جده وأبيه وعلى جميع من تضمه الحرمة الخلافية ، يعرف بالصاحب مجد الدين أستاذ الدار ، هذا لقبه ، ويدعى له أثر الدعاء للخليفة وهو قلما يظهر للعامة ، اشتغالا بما هو بسبيله من أمورتلك الديار و حراستها والتكفل بمغالقها وتفقدها ليلا ونهار. هنا جاءت الاشارة الخططية وقد وردت عرضا ضمن كتاب مضمار الحقائق وسر الخلائق لتقي الدين عمر بن شاهنشاه الأيوبي عالم الكتب. القاهرة. 1968م المولود في عام 567 والمتوفى في عام 617هـوهو كتاب يرقى تاليفه الى عصر الدولة العباسية.لتوثق حقيقة دار المسناة والتي ضاعت بالتخمين والاجتهادات .ففي الصفحة 88 من الكتاب:( ((وفيها كان الفراغ من بناء دار المسناة التي على شاطئ دجلة وكان المتولي عمارتها الحاجب الاعز وهي اول دار شرع الخليفة في عمارتها للتنزه والفرجة وهي اول دار فرشت طوابيق ملونة ازرق واحمر وسائر الالوان وكان الخليفة كثير الملازمة لها والحضور فيها وهي من الدور المستحسنة بنيت على طرف السور مما يلي دجلة قد غرم عليها اموالا جمة ولما تم عملها نقل اليها فرشا كثيرة وانية من ذهب وفضة ورتب فيها جماعة من المماليك والخدم لحفظها وحراستها يلازمون الخدمة فيها دائما والى الان فأن كان راكبا في دجلة او على ظهر واراد الدخول اليها تكون مهياة للقعود فيها والسكنى بها وجعل لهذه الدار حرمة قاطعة كحرمة التاج الشريف بحيث لايقدر احد يقعد تحتها ولايدنو منها الا ان كان سائرا في سفينة فحسب...من هذا النص المهم تبين لنا ان دار المسناة هي (دارتنزه وفرجة وليست دار علم) وقد اعطى ابن جبير في رحلته وصفا لكيفية انحداره من منظرته وصعوده الى دار المسناة في اعلى البلد فقال: أبصرنا هذا الخليفة المذكور وهو أبو العباس أحمد الناصر لدين الله بن المستضيء بن المستنجد بالله - بالجانب الغربي أمام منظرته ، وقد انحدر عنها صاعدا في الزورق إلى قصره بأعلى الجانب الشرقي على الشط)وقد حددموقعه صاحب كتاب المضمار: ان دار المسناة بنيت على طرف السور مما يلي دجلة اي بقرب سور بغداد الذي يبدا من الباب المعظم وينتهي في الباب الشرقي بينما يقع القصر العباسي في الوسط بالنتيجة فان دار المسناة هي دار للتنزه والفرجة وليس دار علم.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

745 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع