يعتبر الشاعر العراقي سركون بولص أحد أهم شعراء الحداثة عربيا وعالميا، شاعر امتلك صوتا وبصمة خاصين به، ورغم ما له من تأثير في شعره أو في كتاباته القصصية وترجماته، فإنه لم ينل الاهتمام الذي يستحقه كظاهرة شعرية متفردة.
العرب /عواد علي:مرت في 22 أكتوبر الجاري الذكرى العاشرة لرحيل سركون بولص، أحد أيقونات الحداثة الشعرية العربية، وأبرز شعراء جماعة كركوك الأدبية التي تشكلت في ستينات القرن الماضي، حاملة مشروعا يتخطى ما أنتجه رواد قصيدة التفعيلة، أو ما يُطلق عليهم أصحاب الحداثة الخمسينية.
تكشف مجموعات سركون بولص الشعرية الست: الوصول إلى مدينة أين، الحياة قرب الأكروبول، الأول والتالي، حامل الفانوس في ليل الذئاب، إذا كنت نائما في مركب نوح، والعقرب في البُستان، أنه شاعر يحمل نكهة شعرية خاصة به فريدة وغريبة.
عاش الشعر، وكان يؤمن بأنه نوع من السحر الذي من الممكن أن يغيّر حياة المرء، فلم يتبع الطرق المعتادة التي يتبعها الشعراء الآخرون لأنه كان “الأكثر شعورا بالغربة من أبناء جيله”، وكانت حياته مضطربة على نحو مهول، “فاكتفى منها بصفة شاعر، متشبثا بالشعر خلاصا”.
ولو كان شاعرا فرنسيّا أو إنكليزيّا أو ألمانيّا لكُتبت عنه العشرات من الكتب، لكن، بالرغم من اتفاق جميع الشعراء والنقاد العرب على علوّ مكانته في الشعر العربي الحديث، لم تُنشر عن منجزه الشعري.
وكذلك القصصي، إلا دراسات متفرقة، وستة كتب أعدها ثلاثة كتّاب من أبناء جلدته (الآشوريون/ السريان) وشاعر عربي من مدينته كركوك، أولها كتاب “سركون بولص: حياته وأدبه”، باللغتين السريانية الحديثة والعربية، للشاعر روبين بيت شموئيل (بغداد عام 1998)، تلاه كتاب “سركون بولص قاصا” باللغة العربية للكاتب نفسه، ثم كتاب “سركون بولص عنقاء الشعر الحديث”، باللغة العربية، للقاص والروائي هيثم بهنام بردى (2011) فكتاب “شاعران من كركوك: جان دمو وسركون بولص”، باللغة العربية، لنوري بطرس (2011)، وكتاب “أسد آشور: سركون بولص، دراسات” للشاعر هشام القيسي (2012).
أخيرا صدر كتاب “سركون بولص الذي رأى”، باللغة العربية، لهيثم بهنام بردى، في دهوك، بإقليم كردستان، عن المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية.
يحتوي الكتاب الجديد فصولا عديدة تضمّنت شهادات عن سركون بولص لمجموعة كبيرة من الشعراء والنقاد والكتّاب، منهم: أدونيس وأنسي الحاج وسامي مهدي وروبين بيت شموئيل وجواد الأسدي وجاد الحاج وشـوقي بزيع وفخري صالح وفوزي كريم وعبدة وازن وفاضل العزاوي وهاشم شفيق وشربل داغر وعباس بيضون وقاسم حداد وخالد المعالي وهاتف الجنابي.
كما اشتمل الكتاب على مجموعة دراسات عن أشعار سركون بولص وقصصه لكل من: باسم المرعبي وحسين بن حمزة وكاظم جهاد وعلي جعفر العلاق ومحمد صابر عبيد وجاسم عاصي وناجح المعموري وحسين سرمك حسن ومحمد علوان جبر ومحمد مظلوم وباقر صاحب وشاكر مجيد سيفو.
إضافة إلى حوار مع الشاعر روبين بيت شموئيل مؤلف الكتاب الوحيد عن سركون بولص وهو على قيد الحياة، وقراءة في ذلك الكتاب. وأفرد معدّ الكتاب بردى فصلا تضمن مختارات من قصائد سركون بولص وقصصه وبعضا مما قيل فيها.
شاعر لم يتوقف عن الدهشة
* “سركون بولص أحد ممثلي القوة الأسطورية التي تعنيها بلاد نمرود والماء وجلجامش. منذ الستينات كلما تقابلنا كأنه يريد أن يقول لي شيئا، ولم يقله. كذلك حين عدنا والتقينا في أوروبا الثمانينات، أراد أن يقول لي شيئا، همّت به عيناه. ولم يقله”.
أنسي الحاج
* “سركون بولص شاعر حقيقي، شاعر كبير بلا ادعاءات ولا استعراضات، يشعر بمسؤولية الشاعر الفنية والأخلاقية، وهو نفسه قصيدة تمشي على رجلين، هكذا أراه، وكل الذين مشوا في طريقه، أو حاولوا تقليده، تبعثروا على الجانبين”.
سامي مهدي
* “عمل كل جهده علي تطوير قصيدة الحداثة وصنع قصيدته غرزة غرزة من دون أن يأبه للوجاهات وللبهرجة الإعلامية. وربما اختار منفاه إيثارا منه للمزيد في التواري، وهو يري بأم العين ليس خراب البصرة وحده بل خراب العالم العربي برمته وخراب العلاقات الإنسانية”.
شوقي بزيع
رحلة شعرية من كركوك إلى قارات العالم
* “قصيدة سركون بولص مقتصدة أسلوبيا، ليس فيها ذلك الانثيال اللغوي الذي عهدناه في الكثير من قصائد النثر العربية، حيث يمثل بولص حلقة وصل بين جيلي الستينات والسبعينات في الشعر العربي. وهي تسعى للتعبير عن اليومي الخالص، والأرضي المنفك عن أي أفكار ميتافيزيقية، لكنها تغور عميقا للبحث عن معنى للوجود ما أمكنها ذلك”.
فخري صالح
* “سركون بولص، من بين كل جماعة كركوك، كان الأكثر اعتدالا في التعامل مع مخيلته الإبداعية، ومع التقنية في بناء نصه الشعري، ونصه القصصي. كان بالغ الحرص على أن يظل داخل مجرى الحداثة الشعرية العراقية”.
فوزي كريم
* “لا أريد أن أفكر في سركون خارج الحياة، لأنه سيكون ضد كل ما كتبه وعاشه في حياته، هو الذي لم يعتقد قط بأي نهاية لتلك الرحلة التي كانت قد بدأت ذات يوم في الحبانية وأينعت في كركوك ثم صارت شجرة باسقة عابرة للقارات. عرفت سركون شاعرا حقيقيا منذ اللحظة الأولى التي التقيته فيها في مقهى في منطقة القورية في كركوك في العام 1958 وكنا لا نزال تلاميذ في المدرسة… ربما كان سركون الشخص الوحيد الذي لم أكن لأجد موضوعا آخر أتحدث فيه معه غير الشعر، وكأن العالم خلق من الشعر وحده”.
فاضل العزاوي
* “أحسب أن سركون بولص بين شعراء القصيدة الراهنة هو أقرب الشعراء إليَّ. والحق أنني ما أن قرأت قصائده في مواقف حتى ذهلت. كانت هذه واحدة من اللحظات التي نشعر فيها بشرارة الشعر تخترقنا. إنها اكتشاف أكيد. لم يتوقف سركون عن إدهاشنا. كانت عمارته الشعرية ذات أعال وسفوح. وفي أعاليه قول للأعالي وفي سفوحه قول للسفوح”.
عباس بيضون
* “تبدو اللغة مع سركون بولص مثل عجين أول وبلمسة طفولية مدهشة. لعله كتب قصيدته بأصابع الغربة والعجمة والتوحش والتفرد بما جعلها مختلفة”.
شربل داغر
753 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع