التراث الكردي في مؤلّفات الإيطاليين الجزء الاول
صدر للكاتب والباحث الشاعر جلال زنكبادي ، كتاب الكردلوجيا ويعد موسوعة موجزة وغنية واحد أهم الكتب التي صدرت في الشأن الكوردي خلال عام 2014 في أربيل. الكتاب من تأليف وترجمة الباحث. يشكل مدخلا يسيرا لدراسة جوانب متعددة من تاريخ الكرد وكردستان ومجتمعاتها المتنوعة. جاء في الصفحة الخامسة عشر موضوع مهم وهو الكرد وكردستان في مؤلّفات إيطاليّة في القرون (13- 19م) تأليف ميريلا كَاليتي (Mirella GALLETTI) تعريب وتعليق و إيضاحات ( د. الاب يوسف حبّي) إعداد: جلال زنكَابادي (كردولوجيا موسوعة موجزة) (جاء في البحث مايلي):
في مجلّة (الشرق الحديث) الصادر عن (المعهد الإيطالي الشّرقي) في مدينة روما، نشر هذا البحث القيّم للكردلوجيّة ميريلا كَاليتي منشور أصلاً في (1978) على الصفحات (563 - 596) في (ع 11) .
(التراث الكردي في مؤلّفات الإيطاليين) بحث عرّبه د. الاب يوسف حبّي بعنوان ونشرته مجلّة المجمع العلمي العراقي (الهيئة الكرديّة) المجلّد الثامن في 1981 على صفحاتها (225 - 300) و نوّه الأستاذ حبّي في تقديمه قائلاً:
هذه البحث لا يهمّ اللغة الكرديّة والتراث الكردي و منطقة كردستان و حسب، بل اللغة العربيّة واللغة السّريانيّة ولغات و لهجات أخرى في المنطقة، كما تخصّ العراق والبلدان المجاورة أيضاً، و يختتم الاب حبّي تقديمه قائلاً: غطّت الباحثة الإيطاليّة حوالي أربعين كاتباً أو رحّالة من الإيطاليين ممّن كتبوا عن هذا التراث، تفتتح الباحثة كَاليتي بحثها قائلةً:
لقد تكوّن عن الأكراد أدب اوربي (فرنسي وإنكَليزي وألماني) بوجه خاص معروف بما فيه الكفاية، هذا إلى جانب المصادر الكلاسيكيّة اليونانيّة منها واللاتينيّة، والعربيّة والكرديّة طبعاً. أمّا المصادر الإيطاليّة، فرغم كونها من المصادر القديمة جدّاً، لا يزال العلم بها أقل و غير مجمّعة، على الرغم من جزيل فوائدها.
تتطرّق كَاليتي إلى المصادر القديمة غير الإيطاليّة في بداية بحثها:
المصادر العربيّة:
منذ الفتح العربي عام 637، لنا معلومات مفصّلة عن الأكراد، فقد دخل العرب في علاقات مع الأكراد، وذلك بعد فتح تكريت و حلوان، لدى المؤرّخين المسلمين كالمسعودي و الأصطخري و حمدالله و غيرهم، أمّا أهمّ المؤلّفين فهو، الطبري (المتوفّي سنة 923)، فهو يورد أنّ الخليفة مروان هو أبن أمَة كرديّة. أمّا المسعودي (المتوفّي سنة 956) فهو أوّل من يعطي معلومات منتظمة عن القبائل الكرديّة، و يصف ابن بطوطة (المتوفّي سنة 1377) مدينتيّ الموصل وماردين و أكراد سنجار، ويذكر إبن خلدون (1332 - 1406) في كتاب (العِبَر) أنّ قوّات المغول حين نهبت الأكراد المسلمين أوقعت فيهم القتل، أُضطرّت بعض القبائل إلى الهجرة إلى سوريا و مصر والجزائر. ولا يرد ذكر الأكراد بخير في كتاب ألف ليلة و ليلة، إذْ يأتي وصفهم كأناس قساة و مغفّلين.
المصادر الفارسية:
وبعد ذلك تنتقل كَاليتي إلى التنويه بالمصادر الفارسيّة، وتقتصر على (شرفنامه) لشرف خان بدليسي، الذي انتهى من تأليفه في (1596م) و تشيد بمكانته المرموقة بين مصادر التاريخ الكردي.
التراث الكردي في المصادر الإيطاليّة
ومن ثمّ تدخل صلب موضوعها، ألا وهو(التراث الكردي في المصادر الإيطاليّة)، فتشير إلى أنّ أولى المصادر التي
تطرّقت إلى الأكراد ترقى إلى سنة (1200 م) وتواصل ذكر الكرد وما يتعلّق بهم حتى سنة (1800) و ما تزال العلاقة قائمة بين كردستان و إيطاليا، بفضل السّياح و الدبلوماسيين، والمبشّرين والتجّار، الذين مرّوا بكردستان قاصدين بلاد مابين النهرين وفارس (ولا يخلو الحضور الإيطالي من آثار ذات أهمّيّة) وتذكر كَاليتي قلاعاً شيّدها معماريّون من (جنوا) في كردستان، و تشير إلى الإشارات والملاحظات العابرة للسيّاح الإيطاليين عن الكرد و كردستان، و المصنّفات المتخصّصة لكَارزوني و كامبانيلي و دي بيانكي، وعندها تشيد بدور المبشّرين بالمقارنة مع السّيّاح، ( بينما قام المرسلون بعمل ذي أهمّيّة بالغة، لتعريفنا بكردستان و سكّانه، و ذلك بفضل وجود جماعات مسيحيّة، و لاسيّما من السّريان الأرثوذكس (اليعاقبة) والآثوريين (النّساطرة) والملكيين والكلدان والأرمن، إذْ كان يفد إلى الموصل مبشّرون، للعمل على إرجاعهم إلى حضن الكنيسة الكاثوليكيّة).
وقبل ان تتناول باحثتنا المؤلّفين الإيطاليين واحداً واحداً ترى من المفيد أن ( تستعرض أهمّ خصائص الفترات التاريخيّة، مع التوقّف لدى الكتبة الذين تركوا أثراً مهمّاً مستديماً)، و هي تؤكّد على حقيقة ساطعة، ألا وهي :
(لقد كانت السّياسة والتجارة والديانة متشابكة معاً هي المحرّك الأساس لاكتشاف أرجاء آسيا النائيّة)
و عندها تكتب كاليتي (ترجع تقارير الرحلات الأولى ذات الأهمّيّة العلميّة، إلى القرن الثاني عشر الميلادي الصّواب هو الثالث عشر/ ج.ز)، فقد أنطلق الأخوان نيكولو و ماتيو بولو سنة (1259م) إلى آسيا، ثمّ أخذا في الرّحلات للاحقة ابن أخيهما الصّغير ماركو بولو و ذلك في السنوات (1271- 1295) وقد ترك لنا هذا شهادة موجزة عن كردستان في كتابه (المليون) ولكن جاء في الهامش (22) لمْ يمر ماركو بولو بالموصل، على الأرجح، لكنّه سجّل في كتابه (المليون) ما سمعه عن الموصل وبغداد.( أنظر الطبعة الإيطاليّة الكاملة لرحلته).
اعقبهم الرّاهب الدومنيكي ريكولدو مونتيكروتشي (1243- 1321) الذي أشتهر كمستشرق كبير ومبشّر في بلاد المغول،ودوّن معلومات عن كردستان حيث سافر إلى بغداد بناءً على طلب من البابا نيقولاوس الرابع و موافقة رئيس رهبنته، للإتّصال برؤساء الكنيسة هناك، وللتعمّق في العقيدة الإسلاميّة، وقد زار الأراضي المقدّسة في طريقه، واجتاز مدينة صيدا إلى طرابلس فأرمينيا و طرطوس و تبريز، وقطع جبال راوندوز و مرّ بشقلاوه، ووصل إلى الموصل (نينوى)، ثمّ ركب (الكلك) حتى تكريت و سامرّاء فبغداد، إذْ وصلها في صيف 1290 والتقى هناك بالبطريرك يهبالا الثالث، واتّصل بالعالم الإسلامي، و درس على أساتذة المستنصريّة، و حاور العلماء (حسب هامش الأستاذ حبّي). وتمضي كَاليتي في استقصائها التاريخي ووثّق أهالي البندقيّة علاقات متينة مع الشرق في القرن الرابع عشر، و منهم مَنْ قصد فارس، حيث وطّدوا روابط تجاريّة، وكان طريقهم مروراً بأرمينيا الصّغرى بمحاذاة كردستان، بينما كان يمضي أهلي جنوا عبر تريبسوندا. ولم يكن التجّار الذين يجتازون بلاد فارس بنادرين في أواسط القرن الرابع عشر، وذلك لدى سفرهم إلى الهند، و لتقوية الروابط، في القرن الخامس عشر، بين جمهوريّة البندقيّة و فارس، بعثت البندقيّة رسلاً إلى البلاط الفارسي، منهم : بربارو و كونتاريني، و نجا بربارو عام 1474 من هجوم أكراد عليه في جبال طوروس، و رغم خسران الأسبقيّة في التجارة، في القرن السادس عشر، نلقى زيادة في التقارير عن كردستان، علاوة على ذكر رحلات قام بها بعض الرحّالة أمثال رونتشينوتو، أو بعض التجّار أمثال بالبي، والتاجر البندقي
المجهول الهويّة، بينما قام تاجران من آل فيكييتي بمهام دبلوماسيّة ، و ذلك بفضل معرفتهما لغات شرقيّة.
و تدهورت الصّناعة والتجارة الإيطاليّة في القرن السّابع عشر، إذْ كانت البندقيّة تخوض معارك دمويّة مع تركيا، حتى انّها فقدت رويداً رويداً ما كانت تمتلكه في الشرق، فانخفض بذلك عدد الذين مازالوا يسافرون سعياً وراء التجارة إلى عدد الأصابع، و لمْ يبق سوى ندرة من الفضوليين والعلماء والمرسلين.
وقد وصف بيترو ديلا فالي كردستان و شعبها الكردي بدقّة و تفاصيل، بحيث يصدق على وصفه الحكم الذي أطلقه كَيبون بقوله: لمْ يُعرَف سائح آخر أفضل من ديلا فالي، و لمْ يكتب عن بلاد فارس أفضل ممّا كتبه هو.
ومن بين الرّحّالة المشاهير، برز في أواخر القرن السّابع عشر كَيميلي كاريري، الذي طاف نصف العالم، ووصف رحلته الطويلة في سفر جليل تُرجِم إلى أهم اللغات الأوربيّة، و ترك الطبيب البندقي ليكَرينزي معلومات تستقّ الاهتمام من خلال رحلته إلى بلاد مابين النهرين وكردستان وفارس والهند. و في القرنين السّابع عشر والثامن عشر وهنت علاقة إيطاليا مع بلدان الشرق.والحق أن المرسلين (المبشّرين)، بعددهم و نوعيّتهم، هم الذين قدّموا أهمّ مادّة من كلّ ما قدّمه الرحّلة الإيطاليّون، إذْ جمعوا معلومات كثيرة و مفيدة جدّاً، عبر تواصلهم اليومي مع السّكّان المحلّيين، حيث كان في مقدورهم دراسة أوضاع المجتمعات والتعرّف عليها، بل لهم فضل الريادة في دراسة اللغات القديمة والحديثة للشعوب التي عايشوها. ورغم إنّ كتب القواعد والمعاجم التي وضعوها لم تبلغ المستوى العلمي المنشود في زماننا، تظلّ ذات فوائد جليلة، لدراسة تطوّر اللغات، وينسحب هذا الحكم على (قواعد و معجم اللغة الكرديّة) لكَارزوني، الذي يُعَد أول من دافع في الغرب عن أصالة اللغة الكرديّة، التي كانت تحسب لهجة فارسيّة حنذاك، وإنْ كان ديلا فالي قد نوّه قبله أنّ للأكراد لغة خاصّة بهم مختلفة عن اللغات المجاورة.
كانت أحكام المرسلين (المبشّرين) على العادات والتقاليد والديانات المحلّيّة (مفعمة بنزعة أوربيّة مركزيّة و عقائديّة، فجاءت تقاريرهم أيضاً ثمرة نظرة متحيّزة).
و في القرن الثامن عشر، تجوّل أباتي سيستيني عالم المسكوكات الشهير، في تركيا، فارس، كردستان و سوريا، حيث جمع كتابات و مداليات، و خلّف معلومات ثمينة، مقدّماً خدمة جليلة لعلم المسكوكات والعلوم المقارنة.
و تأسّست الرسالة الدومنيكيّة سنة 1748 في الموصل، بموافقة البابا بندكتس السّادس عشر، وتعيّن فيها المبشّران تورياني و كوديليونجيني، و وصلا برفقة الكرملي لياندرو سنة 1750 إلى الموصل، و قد ساهمت هذه الرسالة كثيراً في التعريف بكردستان وسكّانها، و لابدّ من القول أنّ هؤلاء الرهبان كانوا يرسمون عادةً النواحي السّلبيّة والغريبة للمجتمع الكردي، كما كانت تبدو في أعينهم، بينما كان الرّحّالة من العلمانيين و ذوي الأفكار التحرّريّة أمثال، ديلا فالي و دي بيانكي يقيّمون النواحي الإيجابيّة والخصوصيّات المهمّة، و ذلك بكل اهتمام، مع تقبّل لما عليه الأكراد دون محاولة تغيير أو تشويه في مجرى حياتهم، أو مساس بالأسس الخلقيّة والثقافيّة والعلميّة التي يرتكز عليها
مجتمعهم، و في أواخر القرن الثامن عشر، برز المدعو (الشّيخ منصور) من بين المبشّرين الإيطاليين، بعد إعتناقه
الإسلام، و قاد عشرة آلاف كردي، واستولى خلال السنوات (1785 - 1790) على بدليس و سعرد و ارضروم، بلْ مضى حتى القوقاز، حيث أخضع أقواماً عديدة، فامتعض الروس وهاجوا بسبب انتصاراته، وأرسلوا قوّاتهم لمحاربته،
فحقق انتصارات عليهم في البداية، ومن ثمّ دحره الروس و سجنوه في دير أركانكَيل، حيث توفّي بعد عشرين سنة.
و تشير كَاليتي إلى انّ الإرساليّات الإيطاليّة العاملة في مدن أخرى من كردستان كـ (وان و دياربكر) لمْ تقدّم أيّة
مساهمة على الصّعيد الأدبي.
و في القرن التاسع عشر، بدت خصائص جديدة فيما نُشِرَ عن الكرد، تبعاً لتغيّر التكوين الاجتماعي والثقافي للرحّالة، و قد تميّز ماكتبه الدومنيكي كامبانيلي في 1818 بمعلوماته القيّمة، رغم نزعته المعاديّة عادة.
لقد زادت النزعة الرومانتيكيّة والشموليّة حبّ التعرّف على الشعوب غير الأوربية، لاسيّما غير المعروفة منها، ، إذْ شاعت في أوربا يومذاك أسطورة (المتوحّش الطيّب)، لذا نرى وصف الأكراد بشعب بربري حادّ الطبع، لاينفي عنهم نزعتهم الحربيّة و نزوعهم إلى الاستقلال و حبهم للحرّيّة،
و لقد دخلت لفظتا(كرد) و(كردستان) في الموسوعات، والكتب المدرسيّة، بدوافع تاريخيّة و سياسيّة. وكذلك ظهرت خارطة كردستان بتواتر أكبر في الأطالس الجغرافية، و نشأت أولى التحاليل للغة الكرديّة، في الدراسات اللغويّة.
وبعد سنة 1848 غدت كردستان ملجأً لإيطاليين، لأسباب سياسيّة، و جلّهم من مقاطعتيّ لومبارديا و فينيتو.
و في 1863 نشر كتاب دي بيانكي، الذي يمكن اعتباره أهمّ مرجع أدبي إيطالي في الموضوع، ولمْ يترك الإيطاليّان دي فيكي و أوسكولاتي سوى إشارات خاطفة عن الكرد، حيث مرّا في بلاد فارس و تلتهما بعد عشرات السّنين، بعثة ملكيّة لمْ تترك تقريراً رسميّاً في حين ترك العالم دي فيليبي وصفاً مطوّلاً و في أواخر القرن التاسع عشر نشر كتاب كَاروفاليو، الذي كان ذا علاقات مع الكرد، خلال إقامته في الشرق.
ويمكن القول انّه، لمْ يظهر بعد كتاب دي بيانكي أيّ تحليل أو تقرير ذي أهمّيّة حول كردستان والأكراد، بل يمكننا القول أنّ خيط الأدب الإيطالي بشأن كردستان أنقطع مدّة قرن ونيف، فلمْ تظهر سوى إصدارات ثانويّة لا قيمة علميّة لها، والعلّة تكمن في ضعف الإرساليّات الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط، إذْ أُستُبدِل مرسلون فرنسيّون بالإيطاليين، حيث راحت فرنسا تدعم رعاياها ضمن نطاق سياستها التوسّعيّة، و كذلك انتشار إرساليّات بروتستنتيّة بريطانيّة وأمريكيّة.
و من الغرابة انّه إثر تحقق (الوحدة الإيطاليّة) انقطعت العلاقات والاهتمامات بكردستان وبالشرق الأوسط عموماً بلْ تلاشى أوج الرحلات الكبرى، فلمْ نعد نلقى يوميّات أو رسائل أناس يستهويهم حبّ الاستطلاع والمغامرة، أو من المجازفين في جبال كردستان، سعياً لاكتشاف المجهول، و تنطوي إيطاليا على ذاتها، و لا يسمح فقر اقتصاد البلد الحديث الوحدة بتجهيز حملات ضخمة كالحملات، التي قامت بها و موّلتها بلدان أوربيّة أخرى، لأنّ الأسبقيّة في إيطاليا أصبحت لمشاكلها الداخليّة.
و يجب أنْ لا يغرب عن بالنا أنّ الأدب الإيطالي نعت الشّعب الكردي بالصّفات عينها خلال سبعة قرون، مركّزاً على عادة السّطو، الأمر الذي يوضّح جمود المجتمع الكردي الذي لمْ يحظ بتحوّل جذري على الصّعيد السياسي والإقتصادي، والثقافي والإجتماعي، إلّا في القرن الأخير، حين تركّزت ظواهر الاستيطان في المدن، و تفسّخت القبليّة لدى سكّانها، فظهر فكر جرى له إعداد مسبّق أبانَ و قوّى روح الوحدة الوطنيّة والنضال القومي، هناك أيضاً مصادر أجنبيّة مترجمة إلى اللغة الإيطاليّة في القرن التاسع عشر بالأخص، و هي تشكّل حلقة وصل بين روح النهضة الإيطاليّة والارتياح لكلّ نضال تقوم به الأقلّيّات المظلومة، بينما لمْ تُتَرجم في السّابق سوى مؤلّفات قليلة جدّاً، و لكن ليس شرطاً أن تكون من أهمّ الرّحلات الموجودة في الأدب الأوربي عن الموضوع خلال الفترة السّالفة الذكر.
و هنا تجدر الإشارة إلى كتاب شفايكر- لرشنفيلد، الذي خصّص صفحات منه للعادات والتقاليد المتعلّقة بالمرأة الكرديّة، والأهم منه هو كتاب الجنرال البروسي فون مولتكه الذي شارك في تنظيم الجيش العثماني و حملاته ضدّ الكرد. و هو يكشف عن حنكة و ثقافة وأناة في دراسته للمعضلة الكرديّة، و ملاحظاته دقيقة جديرة بالاهتمام وتجدر الإشارة أيضاً إلى ترجمة الانبا شموئيل جميل (1847- 1917) لـ (قصّة الإيزديين) لإسحق البرطلّي عن السريانيّة إلى الإيطاليّة في 1900.
تقسيم المصادر الإيطاليّة عن الكرد و كردستان إلى:
(1) الآثار المخطوطة.
(2) الأعمال المطبوعة (القرون 13- 19).
(3) الأعمال المطبوعة في القرن العشرين.
يمكن تقسيم المجموعة الأخيرة إلى قسمين: أوّلها أعمال الصحافيين المحتوية على معلومات بسيطة و ملحوظات فولكلوريّة. أمّا القسم الثاني فهو أعمال القائمين بالأبحاث والدراسات عن الشعب الكردي من وجهات نظر عربيّة، أو تركيّة، أو إيرانيّة دون بلوغ استحضار وتجسيد الـ (الخصوصيّة الكرديّة)، بسبب احتواء الكرد ضمن الوطن العربي، أو العالم التركي، أو الفارسي. ولا ريب في أنّ الأوضاع السياسيّة قد أثّت و مازالت تؤثّر على نظرتنا إلى الكرد، و شحّة الدراسات العلميّة عنهم تزيد الطينَ بلّة، و طالما يُفْرَض الصّمت على هذه القضيّة أو تلك، أو تُستخدم حسب ظروف سياسيّة خاصّة، و لعلّ ما نُشِرَ في القرن الماضي هو أقرب إلى الواقع ممّا نُشِر في القرن العشرين، وهنا نتوقّف في بحثنا هذا عند نهاية القرن التاسع عشر( علماً أن كَاليتي تعد بمواصلة البحث وإفراد دراسة جديدة تتناول فيها ما كتبه الإيطاليّون عن الأكراد، في القرن العشرين/ د. يوسف حبّي).
إنّ هذا المبحث فهرست واستعراض و تقييم للمؤلّفات الإيطاليّة المتعلّقة بشأن الكرد و كردستان، وهو يتدرّج من تقارير رحّالتين من القرن الثالث عشر، هما: ماركو بولو، و ريكولدو دامونتيكروتشي اللذين لمْ يذكرا عن الأكراد سوى كونهم شعباً من الشعوب والأقوام المتعددة، و كان لهما تماس وإيّاهم من وجهة نظر فولكلوريّة ليس إلّا! بعد قطع مراحل عدّة، إلى تكوين أدب كامل و صحيح عن الأكراد، له اهتماماته الثقافيّة والعلميّة المحدّدة السّمات، و ذلك في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
الآثار المخطوطة
( Domeneico Lanza دومينيكو لانزا(1718- 1782).
(تقرير تاريخي مطوّل لأسفار الأب الدومنيكي لانزا ـ روما) 625 صفحة، لهذا الأثر قصّة غريبة و طريفة، فقد
ترجم المطران رافائيل بيداويد شيئاً منه، وبعد نشره مسلسلاً في مجلّة (النجم) نشره في كتيّب بعنوان (الموصل في الجيل الثامن عشر، حسب مذكّرات دومينيكو لانزا) ط2/ 1953 الموصل (100 ص)، في حين كانت المخطوطة الأصليّة ضائعة، بلْ ضاع أيّ أمل في العثور عليها، وإذا بالأب كَوليلموتي يجدها بالصّدفة ذات يوم في 1948لدى قصّاب يغلّف مبيعه بالأوراق المتاحة له! ولقد عثر أيضاً الدكتور يوسف حبّي على نسخة ثانية منها أثناء اشتغاله على أطروحة الدكتوراه، ووعد بنشرها لاحقاً.
لهذه المخطوطة أهمّيّة بالغة، لكون لانزا الكاهن والطبيب ذا علاقات وثيقة بالعديد من الشخصيات ذوي المنزلة الرفيعة في الموصل و ما جاورها، فقيّض له أنْ يصف بدقّة الأحداث السياسية والدينيّة والإقتصاديّة آنذاك، وكذلك الأماكن والمواقع التاريخيّة والأثريّة التي زارها آنذاك، و هو يتطرّق لماماً إلى الكرد و بصورة هامشيّة، فقد إنصبّت جهوده على حسم الخلاف القائم بين الكنيسة الكاثوليكيّة والنساطرة. ويذكر لانزا الصراعات الدائرة بين الإمبراطوريّتين العثمانيّة والفارسيّة في مطلع القرن الثامن عشر في الموصل، فهبّ سكّانها جميعاً من عرب وأكراد وأتراك ومسيحيين للقتال ضد العساكر الفارسيّة و حماية مدينتهم ، التي كان عدد سكّانها نحو (300 ألف نسمة)..و لعلّ لانزا أوّل أوربّي أشار إلى وجود النفط بجوار الموصل،ويروي لانزا بإسهاب عن المجاعة الرهيبة التي أصابت الموصل خلال (1756- 1757)، بسبب البرد القارس، حيث جمد نهر دجلة عشرين يوماً، و بسبب هجوم الجراد و
تفشّي وباء الطاعون الخبيث. كما يذكر لانزا بالتفصيل المنازعات التي كانت تنشب بين أفراد العائلات الحاكمة.
و رغم خلوّ هذا لأثر من تحليل أصيل مسهب، فإنّه ذو أهمّيّة بالغة في وصف الحياة اليوميّة في الموصل معرفة الأوضاع عن كثب.
Agostino Marchi أوكَستينو ماركي (1805- 1875).
(رسالة إلى وكيل الرهبنة العام، صادرة عن مار ياقو(دهوك) في 20 تشرين الثاني سنة 1852 )
تتضمّن الرسالة إشارات طفيفة لا أهمّيّة لها عن الكرد و كردستان، يصف فيها الكرد بأنّهم ، مستقلّون، بغير زمام، متطبّعون على الإستبداد، ويبدي ملحوظة طريفة عن المسيحيين بأنّهم يقومون بممارسات عصابات كعشيرة (التيّاريّة) الأكبر عدداً والأشدّ قتالاً، و يعزو السبب إلى العرب والكرد والإيزديين. ومعروف ماركي بأحكامه غير الصّائبة والقاسية.
وكان ماركي قد دخل في الرهبنة الدومنيكيّة سنة 1825 وإلتحق في الرسالة الدومنيكيّة في الموصل سنة 1841حيث مكث 14 سنة، و قد أصبح مساعداً لناظر الرسالة سنة 1846 و ناظراً في السنوات (1848- 1857)
الآثار المطبوعة:
Marco Polo ماركو بولو(1254- 1324).
( كتاب (المليون) للسّيّد ماركو بولو، طبعة فلورنسا سنة 1928و طبعة ميلانو- روما سنة 1932) 281 صفحة).
يقدّم ماركو بولو معلومات وجيزة، لكنّها دقيقة، عن الموصل، وعن تكوينها القومي والدّيني. ومنها معلومات عن
إقتصادها، لاسيّما عن صناعة وتجارة أقمشة الحرير والذهب المسمّاة Mussolini موزلين، والتي هي أصل تسميتها بـ (الموصل) ويتحدّث عن كردستان بعبارات تدلّ على كونه مطّلعاً جيّداً على بلد الجبال هذا، الّذي يسكنه بمعيّة الكرد كثرة من المسيحيين و هم على مذهبيَّ النسطوريّة واليعقوبيّة (أتباع الكنيستين الآثوريّة والسّريانيّة الأرثوذكسيّة) و (Saraceni تسمية المسلمين الشائعة عصر ذاك) من أتباع محمد. ويصف ماركو بولو الكرد بأنهم ، شعب محارب و كئيب، و لعلّه يشمل بذلك المسيحيين وغيرهم أيضاً، و يظنّ فرانكي أنّ وصف بولو للكرد هكذا، يدلّ على حدوث تجربة قاسية حلّت به أثناء مروره بكردستان. وحين يحسب ماركو بولو الممالك الثماني لبلاد فارس، يؤكّد على أنّ المملكة الثانية تسمّى (كردستان).
يشير د. يوسف حبّي في (هامشين) إلى أن ماركو بولو لمْ يمر بالموصل، على الأرجح، لكنّه سجّل ماسمعه عن الموصل و بغداد، علماً بأنه لم يرافق أباه و عمّه في رحلتهما الأولى، وإنّما رافقهما في الرحلة التي بدأت سنة 1271 ومن ثمّ وصل ثلاثتهم إلى الصين بعد ثلاث سنين ونصف السّنة، وبعدها عادوا إلى البندقيّة سنة 1295.
كتاب الرحلة إلى أنحاء الشرق للأخ ريكولدو دا مونتيكروتشي ، روما 1948/ 130 صفحة).
يوضّح ريكولدو الوقائع بشكل تام، في تقريره ولغته النثريّة سلسة تمتاز بالبساطة والبلاغة معاً.
يؤكّد ريكولدو على حبّ الكرد للحرب، و أتينا شعب الكرد Curtorum المخيف المرعب، فهم يفوقون كلّ الشعوب الأخرى التي صادفناها بشراستهم، و يسمّون بـ (كُرت كُرد)، ليس لقصر قاماتهم، فهم ضخام الأجسام، بل لأنّ Curti كُرتي تعني (ذئب) باللغة الفارسيّة، ! (الصّواب هو انّ لفظتيّ Qurt و Kurtقُرت و كًرت تعنيان ذئب باللغة التركيّة/ أمّا بالفارسيّة فتعني لفظة Gurd شجاع/ ج. زنكَابادي)
و عن ديانة الكرد يقول ريكولدو : ، إنّهم مسلمون يأخذون بالقرآن، و يعادون غير المسلمين، لاسيّما الإفرنج، ويقول ريكالدو(وهو ليس على صواب) بأن الكرد مسيحيّون في الأصل. ويشير إلى وجود يهود في الموصل، وإلى حضوره مجادلة علنيّة في مجتمعهم.
و كان ريكولدو قد دخل دير الآباء الدومنيكيين في فلورنسا سنة 1267 وأرسله البابا هونوريوس للتبشير في الشرق الأوسط سنة 1287، فزار فلسطين و تبريز والموصل و كردستان. و أفلح في إقناع بطريرك السّريان الأرثوذكس في الموصل بالإتحاد مع روما، و تجادل في بغداد مع علماء المسلمين، بعد إتقانه للغة العربيّة. علماً انّه ألّف كتابه باللغة اللاتينيّة.
Giosaphat Barbaro كَوزافات بَربارو(1413- 1494).
(رحلة جوزافات بربارو إلى تانا إلى فارس في الإبحار والأسفار) 1543.
كان سفير جمهوريّة البندقيّة. وقد تعرّض أثناء إيفاده إلى بلاد فارس لهجمة عصابة سلب من الكرد في (4 نيسان 1474) فقُتِل رفيقاه والسّفير الفارسي في جبال طوروس: لدى اقتحام هذا الجبل، فإنها جبال عالية و وعرة، يسكنها قوم يسَمّون Cordi كًرد، لهم لهجة خاصّة تختلف عن لهجات المحيطين بهم، و هم قساة و لهم قلاع عديدة مشيّدة
على أوتاد خشبيّة و باللِبِن وكثيراً ما كانوا يتعرّضون للقوافل التي تمرّ من هناك،
و هكذا نرى أنّ بربارو هو أوّل مَنْ ميّز بين اللغة الكرديّة و لغات الأقوام المتاخمة. و لابدّ من الإشارة هنا إلى انّ
العصابات و عادة السّطو كانت جزءً من حياة سكّان تلك المناطق، في تلك الأزمنة، إذْ كانت المنطق الوحيد، الذي بوسعه أنْ يعبّر عن قساوة الظروف، و ذلك بسبب نقص الخيرات، والانقسامات السياسيّة، و عجز الحكومة المركزيّة عن القيام بالسيطرة و توطيد السّلام، و تبعيّة أفراد القبيلة أو العشيرة للرئيس، و كلّ ذلك في أرض تكثر فيها الأدغال و يتعذّر إستثمارها من دون استصلاح يتطلّب عناءً و وسائل كبيرة.
Anonimo Veneziano مجهول من البندقيّة.
(رحلة تاجر من البندقيّة إلى بلاد فارس).
و هو تقرير نفيس لتاجر فينيسي كتبه في السنوات (1517-ر1520) حين كان بمعيّة جيش شاه فارس (إسماعيل) الذي كان يشنّ الحرب ضد أمير Caramaina كاراماينا، و قد زار الكاتب ماردين ، وان ، بدليس، و مدناً كرديّة أخرى، و وصف قلاعها، و دوّن معلومات عن التجارة في تلك الأرجاء. و هو يصف الكرد بأنّهم قساة يلبسون أغطية رأس حمراء، وأنهم محمّديون (مسلمون) أشدّ إسلاماً من الفرس، إذ أن هؤلاء صفويّون، بينما أغلب الكرد من (السّنّة) والقليل بينهم من (الشيعة) من الذين يدينون بدين الحاكمين. وثمّة ملحوظة جديرة بالذكر سجّلها هذا التاجر المجهول، ألا وهي: إنّ هذا البلد أمين من جهة اللصوص، بحيث إنّي لمْ ألاقِ أيّ إزعاج طوال المدّة التي قضيتها في الخان، ويذكر أنّ الشاه إسماعيل قد أرسل ستة آلاف مقاتل ضد مدينة بدليس، ثمّ أُضطرّ إلى سحبهم و إرسالهم إلى منطقة أخرى.
Marino Sanudo IL Giovane مارينو سانودو الصّغير(1466- 1536).
(يوميّات مارينو سانوتو- البندقيّة).
يذكر مارينو كردستان ببضعة أسماء منها: Chixan و Gurgistan و Guirdystan و يذكر المدن الآتية للكرد: أرزانجيف (أرزنجان)، بتليس (بدليس)، كيسام و موكس. ويذكر أنّ في ديار بكر أكراد Zena زينا البالغ عددهم (14 ألف) فارس. ويحدّد موقع الكرد بتوسّطه بلديِّ الملك الصفوي والملك التركي، و يعلّق: ، و أنتم إنْ سألتم: كيف يتصرّفون حيال هذين الملكين؟ فهم يقولون أنّهم يسايرون الاثنين معاً، و يشكّل الكرد مركز ثقل في الحروب، التي تدور بين الإمبراطوريّتين العثمانيّة والفارسيّة. و قد تغيّرت أوضاع كردستان السياسيّة واستقرّت حدودها، إثر الانتصار الذي حقّقه السّلطان سليم الأول سنة 1514 في جالديران.
Luigi Ronsinotto لويجي رونتشينوتو.
(رحلة آل جوفاني إلى الهند) 1543/ 180 صفحة
تتضمّن إشارات قليلة عن الكرد فوق جبال طوروس يوجد قوم يُسمّون بـ Cordi كُرد، و ، ثمّة أكراد في
أرمينيا الكبرى والصّغرى. هم شعب جبلي محارب، يطيع معظمهم السّيّد التركي، بينما يطيع قسم منهم السّيّد
الصّفوي، و ثمّة أقلّيّة صغيرة لاتطيع أحداً، و رونتشينوتو سائح من البندقيّة، قام برحلته إلى الهند وبلاد فارس
والأناضول، في السّنوات (1529- 1532).
Gasparo Balbi كَاسبارو بالبي
(رحلة إلى الهند الشّرقيّة لكَاسبارو بالبي، البندقيّة 1590/ 159 صفحة)
يأتي فيها ذكر أكراد يدينون بالإسلام، و ذكر أكراد ماردين.
و بالبي سائح من البندقيّة، وقد استغرقت رحلته السنوات (1579- 1588) و هي تتضمّن معلومات اقتصادية و اجتماعية مفيدة.
Giovan Battista e Gerolamo Vecchietti
{ كَوفان باتيستا (1552- 1619) و كَيرولامو فيكييتي رحّالتان إلى الشرق}
و هو تقرير موجز، يتضمّن وصف أماكن الكرد و طباعهم، و خواص اللغة الكرديّة، و يرد فيه خطأ حسبان كل الكرد كمسيحيين قبل الإسلام، و فيه وصف زعيم كردي باسم خوبات (قباد، على الأرجح) كان يتزعّم عصابة اتخذت إحدى القلاع مقرّاً لها. ان كَوفان باتيستا(يوحنّا المعمدان) و كَيرولامو(هيرونيموس) تاجرين و رحّالتين مثقفين وضليعين بمعرفة لغات الشرق، و قد كلّفهما البابوات بمهمّات رسميّة.
سفراء البندقيّة في القرن السابع عشر:
Nicola Barozzi- Guglielmo Berchet نيكولو ماروتزي و كَوليلمو بيرشيه.
(تقارير الدول الأوربيّة إلى مجلس الأمّة (Senato) مرفوعة من قبل سفراء البندقيّة في القرن السابع عشر)
نادراً ما يأتي ذكر الكرد في هذه التقارير، وفي النصف الأول من القرن السابع عشر فقط.
يقول أوغسطين ناني: ، ثمّة أقوام ساعدوا الأتراك في صراعاتهم في آسيا، هم الجورجانيّون والكرد (Kurdi)، و،الكرد هم الفرثيون القدامى، و قد ،سخّروا الأرمن للتخريب، وقسماً من الكرد كجنود، و هؤلاء لا يصلحون لحروب البحار، و طبعاً (حسبما تفضّل الأستاذ حبّي في الهامش) لا يثبت التاريخ صحّة كون الكرد هم الفرثيين القدامى.
و يؤكّد أوتافيانو بون على انتماء الكرد للدين الإسلامي، و يخطئ في كونهم من الشيعة، والصّواب معظمهم من السّنّة.
و يذكر سيمون كونتاريني سنة 1612 وجود(كردستانيين Kurdistani): ، إنّ شريف هاو أمير الكرد هو سيّد (زعيم) له وزنه الكبير في تلك البلاد، ويذكر بعض القلاع التي إستولى عليها أسياد من الكرد.
ويذكر كريستوفورو فالييه سنة 1616 أنّ (الشعوب الكرديّة) تحت سيطرة الإمبراطوريّة العثمانيّة. وتأتي الملحوظة
نفسها عند جوفاني كابيلو سنة 1634 بشأن الكرد.
Pietro Della Valle بيترو ديلا فالي (1586- 1652).
(أسفار بيترو ديلا فالي الرّحّالة، وصفه هو نفسه في رسائل عائليّة، البندقيّة 1667).
إنّه مصدر مهم للمعلومات عن الكرد، إذْ أن ديلا فالي يعبّر عن حسّ كوني شامل، وكما يقول دي غوبرناتس: ، يبدو ديلا فالي في معلوماته إنسانيّاً، لطيفاً و ذا فروسيّة، فهو لا يعتبر من الغرابة بمكان أيّ شيء يشاهده، ولا يُبان له أيّ شعب يقصده غريباً، بسبب نفسه الكبيرة السخّاء و روحه الواعية. إنّه نبيل، و يودّ حتى في البلاد البعيدة، و لدى أقوام توصف بالتوحّش أنْ يقدّم الدليل على نبله…، وقد كتب أوّل تقرير عن كردستان والكرد واللغة والدين والعادات ودور المرأة، بأقلّ الأخطاء، و بتفهّم كبير للصّعاب التي تنتاب الإمارات الكرديّة والأسياد الكرد، بسبب الوضع الجيوبوليتيكي لكردستان، نظراً لموقعها كمطب بين إمبراطوريتيين كبيرتين متنازعتين ومتصارعتين.
لقد كان ديلا فالي ضليعاً باللغات: العربيّة، التركيّة والفارسيّة. وقد سافر سنة 1614 في رحلة طويلة شملت: القسطنطينية، القاهرة، فلسطين، بلاد مابين النهرين، بلاد فارس والهند، ون ثمّ عاد إلى روما في (28 آذار 1626)
كان ديلا فالي أوّل رحّالة إيطالي، بلْ أوربّي قدّم معلومات عن سعة المنطقة الكرديّة التي تمتد – حسب قوله- من بابل (بغداد) و حتى مابعد نينوى(الموصل)، ومن الخليج الفارسي حتى أرمينيا، وليس ببعيد عن البحر الأسود: ، و يبدو كأنّ الطبيعة وضعت كردستان كحدود طبيعيّة وسط هاتين الإمبراطوريتين العظيمتين التركيّة والفارسيّة،
ويؤكد بيترو على خواص اللغة الكردية، وكذلك على الممارسات الدينية التي يتمسّك بها الكرد، حيث يقول: ، و ديانة الكرد في أيّامنا هي الإسلام، و هم في ذلك يتبعون مذهبيّ الفرس والأتراك، بحسب ما ينتسبون إلى هؤلاء أو إلى أولئك من الأمراء. و صحيح أن المسلمين الآخرين يعتبرونهم غير كامليّ السلامة في إيمانهم، وانّ لهم علاوة على تقاليد الإسلام، معتقدات خرافيّة خاصّة بهم، ترجع جذورها إلى الوثنيّة،
و عن الوضع السياسي للكرد يقول: ، إنهم يخضعون لأسياد عديدين، معظمهم بالوراثة، يعترفون بهم كأغوات إقطاعيين منهم أتراك و منهم فرس، تبعاً لقربهم منهم. أمّا كبارهم فهم أحرار، منهم أغوات أكثر إقتداراً أو أقلّ شأناً، بحيث يتمكّن بعضهم من أنْ ينزل على الميدان عشرة آلاف أو إثني عشر ألف فارس، كالذي رأيته في القسطنطينيّة، و هو آغا بدليس (….) والأشدّ ليسوا بإقطاعيين، إنّما يعيشون تحت راية ملك أو ملكين، و قد يبدّلون الراية أحياناً، حين يعود الأمر عليهم بالنفع، كما يفعل عندنا في إيطاليا بعض المتنفّذين،و يتطرّق ديلا فالي إلى دور المرأة في المجتمع الكردي، فيقول انّه بخلاف نساء الشرق الأوسط المسلمات ، تسير النساء الكرديات بحرّيّة، بوجه سافر، و يتحدّثن مع الرجال كمثل ما مع أهلهنّ، سواء أكان هؤلاء من أبناء البلد أم من الغرباء، و لبيترو تجربة مباشرة حيث نزل ضيفاً على بيت كردي: ، كانت تسكن ثمّة إمرأة إسمها شانون سلطان (خاتون، على الأرجح) هي سيّدة المكان و ماحواليه…لانقوى على وصف اللطف الذي إستقبلتنا به،فقد كان زوجها غائباً في خدمة الملك Sardanapalo وقد سررنا جدّاً بما كان لنا من طيب ولطف،و سوف يأخذ بهذه المعلومات الرحّالة اللاحقون و يتوسّعون بها، كما ستؤكّد صحّتها الدراسات التي ستكتمل في القرن العشرين.
يتبع الجزء الثاني
المصدر:
(كردولوجيا موسوعة موجزة) (جلال زنكَابادي).
786 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع