"شارع الزعيم" ادانة لستين عاما من سلبيات الاحداث في العراق
ايلاف/ عبدالجبار العتابي:صدرت للروائي العراقي عباس لطيف روايته التي تحمل عنوان (شارع الزعيم) عن دار ميزوبوتاميا للطباعة والنشر بغداد، وفيها استحضار لوقائع عراقية مؤثرة خلال ستين سنة عراقية والتداعيات التي تركتها في المجتمع .
تقع الرواية في 190 صفحة بالحجم المتوسط ، ابتدأها الروائي بأقوال مأثورة تحت عنوان (قبل البدء)الاول : (من لا نصيب له في السلطة هو بمثابة نزيل في البلاد) النشيد التاسع من الياذة هوميروس ، الثاني : (التاريخ رواية وقعت ،والرواية تاريخ قابل للوقوع) غونكور ، والثالث : (اذا كان الطير ينطق بعشر لغات فلماذا لم يصرخ ويقول: لا تذبحوني) الرواية، مع ملاحظة جاء فيها : (اسماء الشخصيات تكتب كما هي بغض النظر عن موقعها الاعرابي)، وهي اشارات واضحة الى اهمية الرواية في كتابة التاريخ .
وتتوزع الرواية على (25) فصلا بالارقام ، والعنوان لوحده يثير الفضول حيث تذهب الاشارة بالتأكيد الى من يمتلك الصفة الوحيدة لمفردة (الزعيم) في تاريخ العراقي ،وهي رتبة عسكرية آنذاك ، هو رئيس الوزراء العراقي الاسبق عبد الكريم قاسم (1914- 1963)، وقد امتلك الشارع حضوره من خلال قصة حب لاحد ابطال الرواية مع فتاة تسكن هذا الشارع في بيت اشتراه والدها بداية عام 1959 يقع بالقرب من فندق الشيراتون وكان الاب يرى سيارة الزعيم عبد الكريم وهو يغادر الى وزارة الدفاع بملابسه العسكرية لم يكن في حمايته سوى السائق والمرافق، واذ كان الشارع لا يمثل ذلك التأثير الكبير في سرد الاحداث بقدر مكان اخر هو (مرسم سعيد) الذي يعد المكان الأهم في صناعة الحدث، وكما يقول الراوي عنه (كنا نتخذ من مرسم سعيد لبيع اللوحات مكانا نتآمر فيه على صحونا ونحاول النسيان من الواقع المر ،فلا شيء فيه سوى اخبار الموت والقصف والهجومات والافق المغلق) .
وفي الغلاف الاخير ثمة تعريف باحداث الرواية : (تدور احداث هذه الرواية في فترة الثمانينيات وتمتد حتى مرحلة ما بعد الاحتلال الاميركي للعراق،وتلجأ لاستثمار التاريخ واحداث الحروب والحصار ،الى جانب عدد من الفصول التي توثق انقلاب 8 شباط 1963 وكل ذلك عبر لعبة سردية وقصة حب تجمع بين جلال المدرّس مع احلام التي تسكن في شارع الزعيم،وبهذا يتحول المكان الى بطل محوري ،وهناك شخصيات مثل سعيد الرسام وحسن خريج الفلسفة العاطل عن العمل ،وتؤرخ الرواية للحرب العراقية الايرانية وترصد ازمة الحياة وصعوبتها ايام الحصار الاقتصادي (في تسعينيات القرن العشرين) وصولا الى مرحلة الاحتلال ، الرواية باختصار ذات ابعاد متعددة في الحب والتاريخ والسياسة والواقع الاجتماعي).
في الرواية يختصر الروائي تاريخ المأساة التي مرت على العراقيين وغيرتهم تماما ، مزقت نسيجهم الاجتماعي وهدرت ثرواتهم واحاطتهم بالكثير من العذابات والموت الذي لم تنته بعد ، اراد ان يكشف عما جرى للناس في خضم الاحداث السياسية التي بدأت منذ رحيل مؤسس الجمهورية العراقية الاولى عام 1963، فجعل (شارع الزعيم) مدخلا لسرد الأحداث التي مر بها العراق ووصول حزب البعث الى السلطة ، مرورا بالحرب العراقية الإيرانية وغزو الكويت وحرب عام 2003 ، وتجري الاحداث من خلال ثلاثة أصدقاء هم : جلال (الراوي) المدرس والكاتب والصحفي وبائع الكتب، و (حسن) الشهير بـ (حسن مكرر) لانه يكرر قول الاشياء ، وهو الذي يحمل هوية طالب جامعي مزوّرة، وثالثهم (سعيد) الرسام المسرّح من الجيش لأسباب صحية، لكن بوثائق مزوّرة، وهؤلاء يتبادلون في جلساتهم همومهم واخبار الحرب وهي تدخل عامها الخامس وبصمت دولي مريب، وكما يقول الراوي عنهم (نبدو نحن الثلاثة نعيش كالمجانين في زمن خال من المسرات) .
وتخلل ذلك كله قصة الحب ما بين جلال المتزوج من (نوال) لكنه يعيش معها حياة لم تسره وحسب اعترافه (يعاني من طلاق روحي ومعرفي) ، وبين (احلام) زميلته في المدرسة ،فهو يراها (امرأة استئنائية) ويصفها (امرأة مكتظة بالعذوبة، منحته طاقة للخلاص من عناء الحياة، عناء الزوجة والأولاد)، وتتصاعد العلاقة لتصل مستويات عالية حتى الزواج ، لكن اشياء عديدة تتخللها،لكن هذه العلاقة جزء من واقع متعب ،عبر سنوات عديدة، تدور في ارجائه العناءات الحياتية الكثيرة التي يشترك فيها المقربون ،حيث (سليم) شقيق (أحلام) يبيع بيت الأهل، وتموت (نهى) زوجته بمرض السرطان، بينما سعيد يُجبر على إخلاء مرسمه ليتحول الى مطبعة لتزوير العملة !!، ويضطر جلال وأحلام وأمها المقعدة الى مغادرة العراق الى سورية هرباً،من التهديد الذي وصلهم عبر رسالة محشوّة بإطلاقات رصاص، لكن جلال واسرته الهاربة يضطرون مرة اخرى الى العودة الى بغداد بعد تلقيهم خبر مقتل نجله بحادث سيارة مفخخة،لكن الصدمة ان الاب يكتشف ان رسالة التهديد كان وراءها ابنه هذا في محاولة منه بمي يثأر لأمه .
في الرواية،التي امتلك اسلوبها الجاذب،ولغتها التي تصل الى الشعرية، توثيق للكثير من الاحداث عبر (الفلاش باك) وعبر الحوارات التي تعتمدها الرواية ،لكنها في الوقت ذاته تؤكد على ادانة السلبيات التي حدثت في حياة العراق المعاصر ،لكل ما جاء في السياسة والحروب والانفلات الامني، ادانة تمتد على مدى ستين عاما من القسوة والموت والدمار .
831 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع