تأريخ السكك الحديد في العراق*

           

                تاريخ  السكك الحديد في العراق*

 
                ا.د.ابراهيم خليل  العلاف
              استاذ متمرس –جامعة الموصل

 

السكك الحديد : تاريخها ، وحكايتها في العراق ، عبر ال (100 ) سنة الماضية ..تاريخ وحكاية  إرتبطت بتاريخ وحكاية  الاطماع الاجنبية في بلدنا :العراق ، منذ ان كانت ولاياته الثلاث :  الموصل،  وبغداد ، والبصرة تابعة للامبراطورية العثمانية .
وقد تحدث عن  هذا التاريخ ، وهذه القصة ، كتاب ومؤلفون ومؤرخون وباحثون عراقيون وعرب وأجانب ، وربطوا كل ذلك بسعي العراقيين في ان تكون لهم سكك حديد خاصة بهم تربط بين مدنهم في الشمال ، والوسط والجنوب ..ولعل من أبرز المؤرخين الذين كتبوا عن قصة السكك الحديد في العراق استاذنا الكبير المرحوم الدكتور زكي صالح واستاذنا الكبير المرحوم الدكتور عبد العزيز نوار واستاذنا عبد الرزاق الهلالي واستاذنا الدكتور لؤي يونس بحري . كماسبق للدكتور علي ناصر حسين أن كرس رسالته للماجستير التي قدمها الى كلية الاداب بجامعة بغداد سنة 1987 بإشراف الاستاذ الدكتور محمد حسين الزبيدي لدراسة "تاريخ السكك الحديد في العراق 1914-1958 ."  
لقد كان العراق ، بولاياته الثلاث بغداد ، والموصل ، والبصرة ، في القرن التاسع عشر .. ميدانا للتنافس بين الدول الاستعمارية الكبرى : بريطانيا ، والمانيا ، وفرنسا ، وروسيا . ولم تكن الدولة العثمانية بعيدة عن هذا التنافس ، وإتضح التنافس في مجالين مهمين هما : الملاحة النهرية والبحرية ، والسكك الحديد .
وكان الهدف من وراء هذا التنافس ، هو السيطرة على خطوط المواصلات العالمية . ويقينا ان الصراع بين الدول الاستعمارية إحتدم حول مد سكك حديد عبر العراق بدرجة لاتقل عن احتدام الصراع حول مشروعات الملاحة البخارية فيه ، ولمشروعات الملاحة البخارية ولبيت لنج في العراق قصة طويلة يمكن ان نتحدث عنها في مقال آخر إن شاء الله  .

 

ومن المؤكد ان الاوضاع السياسية في أواسط اسيا ، وفي الشرق الاوسط أسهمت إسهاما كبيرا في تقوية رغبات الدول الاستعمارية الكبرى .. وفي المقدمة منهم الانكليز في مد خطوط سكك حديد عبر ولايات العراق . وفي أعقاب تدخل ايران ، وكانت تسمى مملكة فارس انذاك في افغانستان فكرت بريطانيا في إرسال حملة عسكرية ضد ايران بأعتبار ان ذلك محاولة لحماية المصالح البريطانية في الخليج العربي وفي الهند درة التاج البريطاني كما كانت تسمى انذاك .
وهكذا أرسل الانكليز حملة كبرى إستولت على الاحواز من خلال نهر الكارون  ، وكان لهذه الحملة دور كبير في تخلي شاه ايران عن مشروعاته التوسعية في وسط اسيا .ومن الطريف ان نذكر بأن الباخرة البريطانية كوميت التابعة للقنصلية البريطانية في بغداد ، اشتركت في الحملة البريطانية المسلحة للسيطرة على الاحواز .
وعندما نشبت في الهند ثورة ضد النفوذ البريطاني سنة 1857 ، بدأ الانكليز يفكرون في العراق ، وينظرون الى طريقه المهم كقاعدة استراتيجية لمواجهة الاوضاع في الجزء الغربي من إمبراطوريتهم وطريق يمكن ان يكون بديلا منافسا لمشروع قناة السويس (الفرنسي ) الذي كان الانكليز يتابعون مراحله بأنزعاج شديد .
وهنا ظهرت فكرة إحياء استخدام السكك الحديد ، ومدها ترجع الى سنة 1840 .علما بأن أول افتتاح للسكك الحديد في العالم كان سنة 1825 بتخطيط من الانكليزي جورج ستيفنسون .
لقد كان الصراع الروسي –البريطاني في ذلك الوقت على أشده بين بريطانيا وروسيا .. وقد اقتضت الجوانب الاقتصادية لذلك الصراع ، أن يعمل الانكليز على انشاء خطوط مواصلات سريعة ومباشرة وامنة عبر العراق ومن ثم الى مستعمرتهم الهند للحيلولة دون تدفق البضائع والسلع الروسية اليها .
ويروي الاستاذ الدكتور عبد العزيز سليمان نوار في كتابه :" تاريخ العراق الحديث " ، قصة مهمة تتعلق بنجاح زراعة القطن في الموصل ، وما كانت ولاية الموصل تحتويه من كميات كبيرة من الحنطة والشعير والصوف ، ومن غلات ذات أهمية كبرى للصناعة والتجارة البريطانية وقد كتب قنصلها في العراق (كريستيان رسام)  تقريرا عن ذلك .
وكما قلنا في بحث  سابق  لنا عن :"الخدمات البريدية والبرقية في العراق " ،  فأن مشروعات مد السكك الحديد ، رافقت مشروعات مد خطوط التلغراف ، ومن ثم ارتبطت بالتنقيب عن النفط في فترة لاحقة .
لقد كان على الدول الاستعمارية ، وخاصة بريطانيا وفرنسا لكي يبدأوا بمشاريعهم في مد خطوط التلغراف وسكك الحديد  استحصال موافقة الدولة العثمانية صاحبة السيادة على العراق انذاك ،لذلك امتدت الصراعات الى داخل العاصمة استنبول واصبح الفرنسيون والانكليز يتسابقون للحصول على امتيازات مد سكك الحديد من السلطان العثماني ، واشتد التنافس ، وتدفقت الاموال ، وتأسست البنوك ودارت المفاوضات بين الانكليز والفرنسيين لاقتسام مناطق النفوذ ، والتعاون وتسوية النزاعات وكان ما يدفعهم لذلك النفوذ الروسي الذي وجد له طريقا داخل الدولة العثمانية . ومع هذا ظل الانكليز يخافون النفوذ الفرنسي ويتصدون له في العراق والهند .
وقد تكونت شركات فرنسية ، وبريطانية متخصصة بمد سكك الحديد وتقدم مواطن بريطاني إسمه ( اندرو ) بمشروع مد سكة حديد عبر العراق،  وطالب حكومته ان تضمن مشروعه،  لكنه لم يحصل على ذلك حيث ان رئيس الوزراء البريطاني بالمرستون ، لم يقتنع بالمشروع . وقد انطلق بالمرستون من فكرة ان سياسة حكومته تقوم على ضمان الحفاظ على وحدة الدولة العثمانية ، ومن ثم عدم التدخل في شؤونها ومع هذا تجددت المساعي لطرح مشروع خط سكة حديد الفرات على مجلس العموم البريطاني سنة 1863 . ومن الغريب ان الانكليز كانوا يعارضون مشروع قناة السويس التي فتحت للملاحة سنة 1869 ، وقالوا بأنها مشروع غير اقتصادي وان على بريطانيا ان تقف ضده لانه يهدد سلامتها ومصالحها في الهند .
كانت الحكومة البريطانية ، ترى ان خط حديد الفرات سوف لن تكون له قيمة بعد فتح قناة السويس ، ورأى بالمرستون ان مد خطوط تلغراف في المنطقة أهم وايدت الدولة العثمانية هذا التوجه .
حدث في اواخر القرن التاسع عشر ، تحول مهم في مجال مد سكك الحديد ؛  ففي سنة 1899 استطاعت المانيا من الحصول على امتياز من السلطان العثماني عبد الحميد الثاني  1876-1909 ، وبموجب هذا الامتياز اصبح يحق للالمان - وكانوا يحتفظون بعلاقات وثيقة مع العثمانيين – مد خط سكة حديد الاناضول من استنبول الى الموصل ، ومنها الى بغداد والبصرة . كما كان مقررا ايضا ان ينتهي هذا الخط بالكويت على الخليج العربي .وكان هذا الخط قد عُرف تاريخيا ب( خط سكة حديد بغداد – البصرة-  برلين) ، وكان ذلك قبيل الحرب العالمية الاولى .
وسرعان ما بوشر بأنشاء تلك السكة بمراحل .. وأما ما يخص العراق فقد تم  إنشاء القسم الممتد من بغداد الى سامراء ، وافتتح في سنة 1914 بعد اعلان الحرب بقليل . وفي اثناء الحرب توقف العمل فيه ولم يكتب للالمان ان ينجحوا  في اكماله .وان معظم السكك الحديد الاخرى تم انشاؤها على يد الجيش البريطاني الذي احتل العراق خلال الحرب العالمية الاولى .
لقد كانت المانيا في سنة 1885 ،  قد اتمت مد سكة حديد البلقان ، وقد مهد هذا للاتصال المباشر مع استنبول العاصمة العثمانية . وفي سنة 1888 حصل الالمان من الدولة العثمانية على امتياز خط سكة حديد حيدر باشا –ازمير . وفي سنة 1889 تأسست شركة سكة حديد الاناضول برأسمال الماني وبذلك اكتمل خط انقرة في سنة 1893 ثم كمل خط اسكي شهر وقونية في سنة 1896 ثم اخذ الامتياز ،  ولكن لم يشرع به بخط انقرة – قيصرية  – سيواس – ديار بكر –بغداد .

وفي سنة 1899 تمت المصادقة على امتياز قونية – الخليج العربي عبر الموصل وبغداد ، ومن ثم البصرة فالكويت .
حدث نوع من التقارب بين بريطانيا والمانيا ، وتم الاتفاق على ان يمد الخط المشار اليه الى البصرة فقط واذا أريد له ان يستمر الى الكويت فلابد ان يكون ذلك بموافقة بريطانيا .
كان الانكليز يحرصون على المشاركة بتمويل هذا الخط الا ان البرلمان والراي العام البريطاني رفض سياسة رئيس الوزراء انذاك آرثر بلفور في ان تتم المشاركة بالتمويل . وقد يكون من المناسب القول ان فكرة ومشروع مد سكك الحديد منها الخط الذي عرف بخط سكة حديد بغداد ظل مشروعا للنقاش في البرلمان البريطاني وحتى في البرلمان الفرنسي لما لذلك من تاثير على مستقبل مصالحهما وصراعهما المستقبلي مع الالمان .
وتشير الوثائق المتداولة  أن المانيا وبعد الاتفاق بين الحكومات العثمانية والبريطانية والمانية –خطت خطوة فعالة في اطار تنفيذ المشروع ولم تكد تحل سنة 1912 حتى وصلت أول شحنة من مواد انشاء خط سكة حديد بغداد ..

  

وفي سنة 1914 ومع اندلاع لهيب الحرب العالمية الاولى كان الخط العريض للسكة مابين بغداد وسامراء قد تم انشاؤه .
يقول الاستاذ عبد الكريم حسان خضير في مقال له انه بوشر بمد هذا الخط في 27 تموز سنة 1912م ، ويسمى بالخط (العريض) من بغداد باتجاه الشمال، فوصل الى سامراء عندما قامت الحرب العالمية الاولى... حيث اكمل الانكليز فيما بعد هذا الخط الى الشرقاط جنوب مدينة الموصل.. وعن الاحتفال بوضع حجر الاساس لهذا الخط جاء في مجلة  ( لغة العرب ) للاب انستاس الكرملي لشهر ايلول 1912م ما نصه :" كان الاحتفال بوضع الحجر الاول لسكة حديد بغداد في جانب الكرخ .. وقد دعا رئيس الاشغال العامة والي بغداد جمال باشا صباح يوم السبت 27 تموز 1912م.وحضر الاحتفال رجال الحكومة العثمانية كافة من عسكريين وملكيين وسراة الوطنيين وقناصل الدول الاجنبية..وكان الاحتفال عظيماً ما شاهدت بغداد مثله..!" .
وقد استفاد الاتراك من استخدام خط بغداد - سامراء بنقل جيوشهم ومعداتهم الحربية اثناء انسحابهم واخلائهم بغداد ليلة العاشر من اذار 1917م. فنقلوا ما تمكنوا من نقله واشعلوا النيران في المتبقي..فغطى الدخان الاسود والظلام مدينة بغداد. وقد بنى الالمان قصرين كبيرين شاهقي الارتفاع لم يعتد اهالي الولاية امثالها فكانوا موضع اعجابهم.. ويعرفان بقصور الجرمن...واتخذا كمقر لهم ويقعان في جانب الكرخ قرب منطقة الصالحية في (الاراضي العائدة الى  كاظم السهيل)على جانبي شارع حيفا (المنصور سابقاً). في المنطقة المعروفة بأراضي السكك القريبة من مبنى اذاعة وتلفاز بغداد (حالياً). ويروي المرحوم نصيف السكران انه اشتغل عامل بناء (طين) في بناء القصرين،وشاء القدر ان تدخل حفنة من الرمل في عينيه فترمد ولقلة وسائل التطبيب فقد بصره وقضى طيلة حياته كفيف البصر معتمداً على عصاه التي لا تحمي جبهته من الصدمات

  

وقد اتخذ احدهما (على الجانب الايسر وانت نازل الى محلة كرادة مريم) كمسكن للامير عبد الاله.  عندما كان شاباً وموظفاً في وزارة الخارجية العراقية لفترة من الزمن...وكثيراً ما كنا نشاهده- ونحن الاطفال- وهو يدخل بمفرده من تلك البناية والتي كانت بدون حراسة...وقد هدمت هذه البناية الاثرية لتضاف الى حدائق فندق المنصور ميليا... ومازالت البناية الثانية باقية لتتخذ دائرة للسكك،وشغلتها لفترات شرطة السكك وبعض النقابات واخيراً كانت مقراً لفوج حراسة مبنى الاذاعة والتلفاز ...وياللحسرة وما يحز في النفوس ان هذه البناية الاثرية (الباقية) هي مهملة في طريقها الى الانهدام والانقراض ونحن بدورنا نهيب بدائرة الاثار والتراث التابعة لوزارة الثقافة،وحتى لا يمحى هذا الصرح الاثري النادر من الوجود وان تقوم بالاشراف والمحافظة عليها ونأمل ان تكون لهذه الاستغاثة من سامع..! وقد مد الانكليز خط السكك الخاص بهم من البصرة للاغراض العسكرية وخدمة للمجهود الحربي اثناء تقدمهم وزحفهم نحو بغداد. توسعت سلطات الاحتلال الانكليزي في استملاك الاراضي بموازاة الخط الحديدي لغرض بناء المحطات وورش التصليح فعندما وصلوا بغداد بنو ثلاث محطات رئيسة اثنتان في جانب الرصافة وهما (محطة شمالي بغداد (باب المعظم) والثانية في (شرقي بغداد (محطة باب الشيخ) اما الثالثة فكانت في جانب الكرخ وهي محطة (غربي بغداد) والتي استقبل فيها الملك فيصل الاول عند قدومه الاول من البصرة الى بغداد...وعند شمال هذه المحطة أسسوا معامل الشالجية، وهي من اكبر الورش الصناعية في تاريخ العراق لتصليح القطارات وعربات النقل.. وظل هذا المرفق الصناعي يقدم خدمات التصليح والعطل ويرفد الجهد الصناعي بالعمال والفنيين المهرة طيلة دخول القاطرة الى العراق. وفي بداية الخمسينات من القرن الماضي مدت السكة من مدينة كركوك الى اربيل في الشمال واستخدام لفترة واخيرا تقرر رفع الخط نهائيا والمتصل من بغداد- كركوك- اربيل. اعتمدت قوات الاحتلال الانكليزي في توفير الايدي العاملة العراقية... على كادرها الوظيفي وعلى جهات منها: الهنود الذين دخلوا ضمن قوات الاحتلال وكانت لهم الخبرة في تشغيل القطارات.. والاثوريين الذين نزحوا من تركيا عن طريق ايران  ، وسكنوا في مخيمات في ضواحي مدينة بعقوبة واكثر ما اشتغلوا في ادارة المحطات التي تقع على امتداد خطوط السكك.. وعلى الجالية التي كان لها المام بالامور الحسابية ومسك الدفاتر ومعرفتها اللغة الانكليزية.. حتى وصل منهم الى درجة رفيعة (نائب المدير العام) وبعد نقل ملكية هذا المرفق الى الحكومة العراقية... وعند جنوب محطة غربي بغداد شيدوا بناية كبيرة جدا عالية السقوف (اللوكة) وهي غسل وفحص وتزييت القاطرات والتي كثيرا ما اتلفت محاصيلنا الزراعية نتيجة (ماء الغسيل الملوث) والممزوج بالنفط والزيت ولان نهاية مجراه بحدود بستان خضير العباس التي هي على مقربة من هذا المأوى. ظلت ملكية هذا المرفق الحيوي وادارته بيد الانكليز لمدة طويلة من الزمن... وبعد مفاوضات ومباحثات عدة ومعقدة تم نقل ملكيتها الى الحكومة العراقية وكان آخر مدير عام (انكليزي) لهذه المؤسسة هوالمستر (سمث) وبعده تسلمت ادارتها شخصيات عراقية وطنية... واول ما فكرت به هو انشاء محطة مركزية كبيرة على غرار محطة لندن حيث تكون منطلقا لجميع خطوط السكك في العراق..ورسا مشروع المحطة العالمية في نهاية الاربعينات على شركة انكليزية هي (Holway Brothers)
وشرعت هذه الشركة بالبناء وأكملته عند الخمسينات وانتقلت لهذه البناية الضخمة ذات القبة الخضراء الادارة العامة للسكك الحديد العراقية بجميع اقسامها ماعدا المطبعة.

 

وبعد ثورة 14 تموز 1958 ، ومن خلال انفجار ثورة البناء والاعمار قررت حكومة عبد الكريم قاسم تقسيم الاراضي الخالية والعائدة للسكك والقريبة من المحطة العالمية الى قطع سكنية وبنتها وجرى اسكان موظفي السكك فيها. واخيرا سجلت ملكيتها على من كان ساكنا تلك الدور وكذلك قامت الجمهورية بتبديل مقياس خط السكة القادم من البصرة الى بغداد والذي مدته قوات الاحتلال الانكليزي الى الخط الجديد المتري (العريض) لغرض توحيد مقياس جميع الخطوط العاملة في العراق.

    

عندما نشبت الحرب العالمية الاولى سنة 1914 إحتل الانكليز البصرة سنة 1914 وبغداد سنة 1917 والموصل سنة 1918 وقد تعرضت المعامل والقاطرات التي جلبها الالمان الى تدمير كبير من جراء الاعمال القتالية .
وهكذا لم يكن في العراق سنة 1914 من خطوط السكك الحديد سوى خط يبلغ طوله قرابة 119 كيلومترا .
ويشير الاستاذ عبد الرزاق الهلالي في كتابه (معجم العراق ) الى انه عندما احتلت الجيوش البريطانية البصرة سنة 1914 وانسحبت القوات العثمانية نحو الشمال ظهرت للسلطة البريطانية المحتلة الضرورة الماسة لوجود خطوط السكك الحديد لتامين مواصلاتها رسيما عندما قررت ملاحقة القوات العثمانية والزحف شمالا بمحاذاة نهري دجلة والفرات .
ولذلك باشرت السلطات البريطانية بتامين مواصلاتها وانشاء خطين احدهما يمتد من البصرة الى الناصرية ، والاخر من البصرة الى مدينة العمارة .ثم لما احتل الانكليز كلا من الناصرية والعمارة مدوا الخط الاول الى مدينة السماوة وبداوا بند خط جديد من مدينة الكوت الى بغداد ومنها الى الحدود الايرانية .
وفي ايلول سنة 1916 شرع الانكليز -خدمة لمصالحهم العسكرية والاقتصادية - بتاسيس " مديرية السكك الحديد " .
لقد كان في العراق عندما انتهت الحرب العالمية الاولى سنة 1918 اربعة خطوط للسكك الحديد وهي :
1. الخط الممتد من البصرة والسماوة
2. الخط الممتد بين البصرة والعمارة
3.  الخط الممتد بين الكون وبغداد
4.  الخط الممتد بين بغداد وسامراء وهذا هو الخط الذي اسسه الالمان كما سبق ان قلنا قبل قليل .
ولما كانت الضرورة تقضي بايصال الخط الممتد من البصرة الى بغداد لاسيما وانه يمر في منطقة زراعية مهمة ولهذا فقد مدد الخط من السماوة الى الحلة ثم منها الى بغداد .

  
ومن الجدير بالذكر انه بوشر بمد هذا الخط في سنة 1918، وانتهى العمل به سنة 1920 وقد سار عليه اول قطار من بغداد الى البصرة في هذه السنة أي سنة 1920 .
لقد مدد خط بغداد –سامراء الى تكريت ومن ثم الى بيجي ومنها الى الشرقاط التي تبعد مسافة 188 ميلا عن بغداد وكان عرض خط بغداد –الشرقاط ويسمى ب( الخط العريض ) هو ( 4  ) اقدام و ( 8،5  ) بوصة اما الخطوط الاخرى والتي تعرف بالخطوط المترية فعرضها (  3  ) اقدام و (3.8 )   بوصة .
اذا لم يكن في العراق في سنة 1920 سوى الخطوط التالية :
1.الخط الممتد من البصرة وبغداد
2. الخط الممتد بين بغداد والشرقاط
3.الخط الممتد من بغداد وخانقين
اما الخطان الاخران وهما :
الخط الذي كان يربط بين البصرة والعمارة ، والخط الذي يربط الكوت ببغداد  ، فقد تم رفع القضبان الحديدية لهما للاستفادة منها في تمديد الخط الرئيسي وهو خط البصرة – بغداد .
في سنة 1920 انتقلت ادارة شؤون السكك من الادارة العسكرية الى الادارة المدنية . وقد كانت تدار من قبل موظفين بريطانيين باشراف المندوب السامي البريطاني .
ورغبة في تسيير القطارات والاستفادة منها في النقل،  فقد سبق ان اصدر الفريق ( ماكمن ) وكيل القائد العام للقوات البريطانية بيان السكك الحديد لسنة 1919 الذي وضعت بموجبه التعليمات والاوامر وما الى ذلك وهو اول بيان يصدر في هذا الخصوص .
وفي سنة 1924  وكما جاء في الدليل الرسمي العراقي لسنة 1936 انتقلت ادارة السكك الحديد الى حكومة العراق ، الا ان ملكيتها ظلت للحكومة البريطانية حتى اذا جاءت سنة 1936 انتقلت الى الحكومة العراقية،  بموجب قانون ابرام الاتفاقية العراقية المختصة بنقل ملكية السكك الحديدية للحكومة العراقية رقم 52 لسنة 1936 .
ومن هنا فأن يوم 16 نيسان سنة 1936 عد عيدا للسكك الحديد في العراق .وقد نص في المادة الاولى من هذا القانون على ان الانتقال يتم حالما  :
1. تتسلم الحكومة البريطانية من الحكومة العراقية المبلغ ( 400 ) الف باون استرليني الواجب دفعه خلال عشرين يوما من تاريخ الاتفاقية .
2. يتم حسب الاصول تشكيل مجلس الادارة المنصوص عليه في المادة الثانية والتي نص على تعهد صاحب الجلالة ملك العراق بان تناط ادارة السكك الحديد بمجلس ادارة تؤلفه الحكومة العراقية وذلك لمدة عشرين سنة من تاريخ نقل السكك بمقتضى المادة الاولى .ويتالف مجلس الادارة من خمسة اشخاص وهم احد وزراء الدولة ويكون رئيس المجلس والمدير العام للسكك وثلاثة اشخاص اخرين تعينهم الحكومة العراقية على ان يكون احدهم من رعايا بريطانيا ويشكل المجلس فورا بعد تنفيذ الاتفاقية وياخذ على عاتقه ادارة السكك الحديد في العراق .
اما المادة الرابعة فقد نصت على ان يشغل المناصب العامة من قبل رعايا بريطانيين بشروط خدمة ولمدة عشرين عاما .
والجدير بالذكر ان مفعول هذه الاتفاقية انتهى بتاريخ 2 تموز سنة 1952 بموجب القانون رقم 84 لسنة 1952
ويذكر الاستاذ سمير خليل في مقالة له عن السكك الحديد : ان اول مجلس ادارة للسكك الحديد تشكل في تموز سنة 1936 وتألف من وزير الاقتصاد ورئيس اركان الجيش ومدير البلديات العام ومدير البناء والملاحة والسكك ومستشار وزارة المالية ومديرا الحركات والتجارة. وتوالت اشكال وانواع القطارات التي انطلقت من هذه المحطة وتدرجت قطاراتها من البخارية التي كانت تعمل بالفحم الى القاطرات المعروفة بالديزل .

 

كان العراق من اوائل دول الشرق الاوسط استخداما للقطارات في نقل المسافرين والبضائع .. وتشير الوثائق  المتوفرة  ان أول رحلة تم تسييرها  كانت  من بغداد إلى سميكة (الدجيل) إلى الجنوب من مدينة سامراء سنة 1914، بينما تم تسيير أول قطار بين بغداد والبصرة سنة 1920، وأول قطار بين بغداد وكركوك سنة 1925،وأول قطار بين بغداد والموصل تم تسييره سنة 1940، وأول قطار من العراق إلى محطة حيدر باشا في اسطنبول كان في الاول من تموز سنة 1940. وإن " العراق ما زال يستخدم سكك الحديد التي بناها الألمان سنة 1914 وطورها البريطانيون سنة 1916 أثناء استعمارهم للعراق...  ثم سُير قطار من المعقل في البصرة الى بغداد على الخط المتري وهو اقل من 90 سم ومن بغداد الى الموصل على الخط المتري وكذلك من الموصل الى اسطنبول ويسمى بقطار طوروس أول  قطار الشرق السريع ويتوقف في الجانب التركي الاسيوي ومن ثم يباشر من الجانب الاوربي مخترقا اوربا وصولا الى العاصمة البريطانية ( لندن ) وهو في ذلك كان يعد - كما تقول ( ايفين چرمكا ) -

  

أطول رحلة في القطار عالميا ، ولكنها رحلة دقيقة في مواعيدها وغنية في خدمتها ونظافتها وكان هذا القطار مضربا للامثال في قيافة العاملين عليه من السائق ومساعديه الى المراقب الى العمال وحتى الحمالين والنظام الدقيق المتبع في هذه القطارات .
لقد أصبحت السكك الحديد ملكا للحكومة العراقية منذ سنة 1936 والحقت ادارة السكك بوزارة المواصلات والاشغال سابقا أي وزارة المواصلات لاحقا . وفي سنة 1953 صدر قانون يقضي بجعل ادارة السكك مصلحة مستقلة يتولى ادارتها نيابة عن الحكومة مجلس ادارة ويعد المدير العام المرجع الاعلى لشؤون المؤسسة وتتبعه شعبة المحاسبات ورئاسة التدقيق ورئاسة الحقوق والاراضي والمطبعة والهندسة وشعبة القوة المسؤولة عن تشغيل وصيانة القاطرات والعربات والشاحنات والكاشفات الالية –الطرزينة وكانت معامل الشالجية تضم 17 قسما يدير كل قسم مهندس مختص كما ان هناك شعبة النقليات شعبة الحركة وشعبة التجارة .وكان عدد موظفي السكك بعد قيام ثورة 14 تموز 1958 أي في سنة 1960 حوالي 3500 واما العمال فبلغ عددهم حواي 20000 كلهم من العراقيين وبعد الثورة افتتح الزعيم عبد الكريم قاسم مشروع انشاء سكة حديد بغداد –البصرة العريض الذي كان ينتهي عند ساحل الخليج العربي في ميناء ام قصر وذلك في اوائل سنة 1960 وقد جهز الخط باحدث القاطرات والمقطورات المريحة .
كان اول قطار ُسير الى اسطنبول في الاول من تموز سنة 1940. كما تشكلت اول ادارة للسكك في العراق في ايلول 1916 تحت سيطرة القوات العسكرية البريطانية ، ثم انتقلت ادارة السكك في العراق من عهدة الجيش الى الادارة المدنية البريطانية في 1/4/1920 ، بعدها انتقلت ملكية السكك الى الحكومة العراقية في 16/4/1936 واصبحت تسمى ب :" سكك حديد الحكومة العراقية " س ح ح ع .. واصبح ذلك اليوم عيدا للسكك الحديد العراقية تحتفل به كل عام.

    

في سنة 1948 وضع الحجر الاساس لبناية المحطة العالمية للسكك الحديد في بغداد وانجزت بشكل نهائي سنة 1952 بتصميم انكليزي وهي توأم لمحطتين  بنيتا ايضا بعد الحرب العالمية الثانية احدهما في الهند والاخرى في لندن وتتشابه المحطات الثلاث في كل شيء.. ويضم برجا المحطة ساعتين احدهما تحمل ارقاما هندية عربية والثانية تحمل ارقاما انكليزية وتشابه دقات ساعاتي المحطة العالمية في بغداد، ساعة ( بغ بن ) الشهيرة في لندن .

تشكلت أول  دائرة للسكك الحديد في بغداد وتحت ادارة بريطانية ولذلك فأن الأسس المتبعة في قطارات العراق ، كانت انكليزية بالكامل وفي جميع المرافق التي تخص السكك الحديدية ولذلك نرى اسلوب تسيير القطارات والمواعيد والاهتمام بالدقة فيها وملاحظة النظافة والحاق المطاعم في قطار البصرة النازل وقطار الموصل الصاعد واسلوب تد قيق البطاقات من قبل ( التي تي ) واسلوب رزم الحقائب وانواع القاطرات والوقفات بين المحطات وتوقيتات الحركة واسلوب تبديل المحطات وفحص الخطوط وكان ذلك كله ايام القطرات البخاريه وعندما دخلت القاطرات الديزل واكثرها دخلت من المانيا ( الشرقية ) ومن رومانيا وبولونيا اصبحت السكك الحديد متقدمة كثيرا وكانت تمتاز بخدمة راقية وخاصة في مراتب الدرجة الاولى والثانية والسياحية

كان في كل قطار نازل أو صاعد مطعم راقي يقدم وجبات لجميع ركاب القطار بمختلف درجات مقطوراتهم لانه معزول في قاطرة مستقلة ومهيْ بشكل جيد وباسلوب حضاري ويقدم المشروبات والعشاء والاشربة الساخنه والبارده ويعادل مطاعم الدرجة الاولى في نوعية الخدمه والطعام .

وكانت المنافسة شديدة بين مطاعم السكك الحديد ، وما تقدمه الخطوط الجوية العراقية من طعام في طائراتها وكلاهما كانا يمتازان بالجودة والخدمة الفاخرة وينتسبان الى الوزارة نفسها .
في الثلاثينات من القرن الماضي كان المدير العام للسكك الحديد في العراق ( الكولونيل ج.س. وارد) وكان السكرتير المالي سي اف نيكول اما المعاون الشخصي للمدير العام فهو ( باترسن) ومدير النقل( إن بي اوريلي  ) ونائبه  ( دي جي بورن  ) وحتى ملاحظوا النقليات ، فكانوا من الانكليز ومنهم ( جاي مول ) و( جوشورلاند ) و( او اف ارنولد)  وتولى  ( حسين افنان  ) مهمة تسوية قضايا حقوق الاراضي التي تمر بها خطوط السكك الحديد وتولى ( ابراهيم الكبير )  مهمة وكيل مدير الحسابات وكان وكيل مدقق ايرادات النقل (  الياس زارة ) ومحاسب المصروفات ( موسى شوحيط ) ومعاون ضابط الذاتية  ( يوسف ابو ابراهيم ) ومعاون ضابط الحسابات  ( جورج شماس )  ورئيس الصحة ( الدكتور ئي لانزن)  وطبيب مستشفى السكك  ( الدكتور ت كرديان)  وملاحظ المخازن ( و.في وينيكر ) ومدير المعامل (اي اف روبرتس ) ووكيل رئيس المهندسين (  اي تي ديلن ) ومعاون مهندس ( اي دي براون ) ومعاون مهندس ألي ( محمد مسعود ) ومعاون مهندس كهربائي ( ناظم الحيدري)  ومعاون مهندس ( اس باتل)  ومعاون مهندس ( إل بي اس سميث ) .

 

كانت توقيتات حركة القطارات ، مهمة ، وتدون بدقة.  وكانت حركة القطار الصاعد الى الموصل تتم بالساعة السابعة والنصف مساءا ويصل بالساعة السادسة صباحا ..اما قطار البصرة فانه يتحرك في الساعة السادسة مساءا ليصل الى البصرة بالساعة السابعة صباحا وتستخدم نفس التوقيتات عند العودة
وكانت اسعار القطارات رخيصة قياسا بقرينتها من أجور السيارات اضافة الى الامان والراحة ودقة المواعيد.

كانت شبكة السكك الحديد في العراق تتالف من ثلاثة اقسام هي  :
1. القسم الذي يربط ميناء المعقل في البصرة ببغداد مع خطوطه الفرعية الممتدة من مفرق الشعيبة الى الشعيبة ومن مفرق اور الى الناصرية ومن مفرق الهندية الى كربلاء .
2. القسم الذي يوصل بغداد بكركوك مع خط فرعي من قره غان الى خانقين
3. القسم العريض الذي يربط بغداد ببيجي في الجانب الغربي من نهر دجلة متجها الى الشمال.
اما طول هذه الخطوط الثلاثة فقد كان 1211 كيلومترا .
زمنذ ذلك التاريخ اخذت ادارة السكك تسير بخطى واسعة في سبيل تحسين وضعها العام والعمل على مد خطوط جديدة وتوسعات ضرورية لذلك ما ان اتت سنة 1950 حتى شهدت السكك الحديد في العراق عدة تجديدات منها :

           


1. إيصال الخط العريض الى الموصل ثم تل كوجك الواقعة على الحدود السورية وبذلك تم الاتصال بقطار طوروس السريع الذي اصبح يسير من بغداد الى الموصل وتل كوجك وحلب ومنها الى محطة حيدر باشا في استنبول فاوربا .ومن الطريف هنا ان اشير الى امرين اولهما ان قطار الشرق السريع اي قطار طوروس كان موضوعا لرواية بوليسية كتبتها الكاتبة الشهيرة أجاثا كريستي زوجة الاثاري الذي عمل في النمرود في الموصل وكانت معه ماكس مالوان ..

 

وثانيهما انني سافرت اواسط السبعينات الى استنبول من الموصل عبر قطار الشرق السريع وكانت سفرة رائعة وكان ثمة كافيتريا في القطار وغرف منام مريحة وقد وصل القطار الى محطة حيدر باشا في الجانب الاسيوي من استنبول ثم النتلنا عبر عبارة الى الجانب الاوربي واستقلينا القطار الى صوفيا وبوخارست وسالونيك في اليونان ووارشو ومن ثم الى فرنسا والى بريطانيا عبر المانش ....هذا هو قطار الشرق السريع الذي كان باستطاعة المرء ان يسافر عبره من البصرة الى لندن ..ومن المؤكد ان هذه النعمة اندرست بعد تدمير السكك الحديد في العراق اثر الاحتلال الاميركي سنة 2003 .
وثمة تطور اخر طرأ على سكك الحديد ، وهو تمديد الخط المتري من كركوك الى اربيل وجرى ذلك في اواخر سنة 1949 .
وكانت هناك مشاريع وتحسنات اخرى منها انشاء جسر مشترك للقطار والمركبات عبر نهر دجلة في بغداد وانشاء جسر للسكك عبر الفرات قرب سدة الهندية وانشاء محطة بغداد العامية والتي تشغلها الان مديرية السكك العامة وتوسيع معامل السكك في الشالجية وتحسين السفر من خلال تهيئة قطارات جديدة من نوع ديزل

    

لقد بلغ طول خطوط سكك الحديد في العراق في سنة 1953-1954 2032-07 اي قرابة 2033 كيلومتر امالا عدد القاطرات والمقطورات فقد بلغ في السنة ذاتها 67 في الخط العريض و260 في الخط المتري هذا بالنسبة لعربات المسافرين و1472 في الخط العريض و6300 في الخط المتري بالنسبة لعربات البضائع .ومن محطات السكك الحديد على الخطوط المختلفة محطات خط بغداد  –البصرة ومنها غربي بغداد وهور رجب والخضر والشعيبة والمعقل ومفرق الشعيبة –جبل سنام ومفرق الناصرية – أور ومفرق الهندية – كربلاء ومحطات خط بغداد – الموصل – تل كوجك ومحطات خط بغداد –كركوك –اربيل ومفرق جلولاء – خانقين ، من بغداد وللسكك الحديد ميزانية خاصة وتتالف وارداتها من اجور نقل المسافرين والبضائع ومن الطريف ان نقول انها وصلت في الخمسينات الى خمسة ملايين دينار وكان عدد الموظفين المستخدمين في مديرية السكك العامة لغاية 1954 زهاء 14256 منهم 130 ضابطا وبين هؤلاء 25 ضابطا بريطانيا . اما المستخدمون والعمال المدربون فبلغ عددهم 3232 من بينهم 10 من البريطانيين والهنود اما من العمال غير المدربين فبلغ عددهم قرابة 10894 عاملا وتشير الاحصاءات المتوفرة الان الى ان عدد من يعمل في السكك الحديد يبلغ قرابة 14 الف موظف.
وهنا لابد ان نشير الى ماكان يسمى ب(طوابع السكك الحديد)  التي يتحدث عنها الاستاذ علي ابو الطحين فيقول :" لعل طوابع سكك الحديد العراقية هي أكثر الطوابع العراقية إثارة وغرابة في التصنيف وفي التوثيق ؛  فمنذ صدورها لأول مرة في الأول من أيلول عام 1928 وحتى إلغائها في بداية الأربعينيات لم يكن لها الأهتمام الكافي لا في التوثيق لدى الباحثين ولا في التجميع لدى الهواة." ويضيف :" بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وتحويل أدارة السكك الحديدية في العراق من الأستخدام العسكري للجيش البريطاني الى الأدارة المدنية وأنطلاق شركة سكك الحديد العراقية في 15 كانون الثاني عام 1920 بأفتتاح خط البصرة-بغداد، كان نقل البريد بين المدن العراقية والمركز في بغداد هي أحد الخدمات الرئيسية للشركة بالتعاون مع دائرة البريد.
ورغم التوسع في الخدمات البريدية على عموم العراق إلا أن تلك الخدمات لم تكن لتشمل كافة النواحي والقرى في البلاد. في عام 1928 أتفقت شركة سكك الحديد، وكانت مازالت شركة مدنية بإدارة بريطانية، مع دائرة البريد العراقية بإستلام الرسائل البريدية من قبل المواطنين والشركات في كافة المحطات العائدة لسكك الحديد ونقلها الى أقرب دائرة بريد أو نقلها الى البريد المركزي للتوزيع، هذا مقابل أجور تدفع سلفاً من قبل المواطنين على شكل طوابع خاصة تلصق على الرسالة إضافة الى الرسوم الأصلية التي تستوفيها دائرة البريد في نقل تلك الرسائل. وكان ثمن هذه الخدمة هو 2 آنة لرسالة وزنها الأقصى 80 غراماً (ثم أصبح 10 فلوس بعد إصدار العملة العراقية عام 1932) ، وهذه الإجور بالطبع لا تختلف سواء كانت للبريد الداخلي أو الخارجي.

  

ويقال أنه حتى في المناطق التي تتوفر فيها دوائر البريد كانت محطات سكك الحديد هي وسيلة لإستلام الرسائل خارج أوقات الدوام الرسمي لمكاتب البريد. لقد ظهرت خمسة طبعات لهذه الطوابع، الطبعات الأربعة الأولى على شكل مربع بالورق الأبيض ووضعت عبارة السكك الحديدية العراقية و Iraq Railways، أضافة الى الحروف I. R. في الوسط، وكذلك السعر وكلمة (بريد) ومن ثم (طابع بريد) باللغتين العربية والإنكليزية" .

كما لابد ان نشير الى مسألة تتعلق  بالحركة العمالية والنقابية في العراق وهي ان الوعي المهني والسياسي كان واسعا بين عمال السكك . وقد ظهرت بينهم منذ العشرينات من القرن الماضي بواكير حركة نقابية ، وأسسوا ( جمعية الصنائع ) ، وقاموا بالعديد من الاضرابات والمظاهرات احتجاجا على سوء وضعهم وقلة اجورهم وعدم مساواتهم بالعاملين الانكليز والهنود.
تضررت الشركة بفعل الاحتلال الاميركي –البريطاني للعراق سنة 2003 ، وما أعقبها من عمليات نهب حيث وبسبب عمليات النهب والتخريب التي أعقبت الحرب لم يعد صالحاً للاستخدام من قاطرات الشركة سوى ما مجمله  (158) قاطرة من أصل  (410  ) قاطرة المملوكة للشركة.
كما أن الوضع الأمني الغير مستقر أدى إلى توقف الشركة عن تسيير رحلات بشكل نهائي في فترات معينة. إلا أن الشركة قد عادت لتسيير رحلاتها بين بعض المحافظات سنة 2007م ؛ فمثلاً أعيد العمل بخط البصرة – بغداد بسبب التحسن في الوضع الأمني. ويقول الاستاذ خالد محمد الجنابي الى انه بالرغم من كل الصعوبات والمعوقات التي عمت البلاد من اقصائها الى اقصاها في تلك الفترة والمعروفة للجميع ، فأن السكك الحديد العراقية قامت بتقديم افضل الخدمات للمسافرين . كما قامت بنقل واردات العراق من سوريا ومن تركيا عبر الاراضي السورية بحيث كانت الشريان الاهم في قطاع النقل داخل العراق علما انها تعرضت الى اذى كبير من خلال التدمير والتخريب والسرقة الذي وقع على معظم مرافقها ومحطاتها وآلياتها وتشكيلات قطاراتها لكنها اصرت على العمل .

  

تدار السكك الحديد اليوم من قبل (الشركة العامة للسكك الحديد) .. وتتبع (وزارة النقل) في حين ، كانت السكك الحديد في الثلاثينات من القرن الماضي ُتدار من قبل وزارة تسمى ب"وزارة الاقتصاد والمواصلات " .
                          

            

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

752 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع