قصة مرور الطيار صباح نوري السعيد بطائرته من تحت الجسر في بغداد

       


قصة مرور الطيار صباح نوري السعيد بطائرته من تحت الجسر في بغداد

                                             

                                                       

          اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس

     

أود أن اروي قصة هذه الحالة نقلا عن المصور الذي التقط الصورة ، فكما تعرفون ويعرف كبار السن منا انه كان هناك من المصورين المشهورين في بغداد الحبيبة مصور اسمه (أرشاك) وهو ارمني جاءت عائلته إلى العراق منذ بداية  القرن الماضي، وكان مصورا ماهرا مشهورا يلتقط التصاوير لكبار الشخصيات العراقية ، وكان صديقه المرحوم صباح بن نوري السعيد ، وصباح كان طيارا في القوة الجوية العراقية برتبة رئيس اول ( رائد) طيار آنذاك، وكان في ذلك الوقت عدد من الخبراء الأجانب يعملون في القوة الجوية لصيانة أو تدريب طيارينا على الطائرات . وكان من ضمن الطائرات الموجودة في القوة الجوية آنذاك طائرات أمريكية نوع ( دوكلاس Douglas ) تم شراء عدد محدود منها من أمريكا لم يتجاوز عددها بضعة طائرات، وعندما أرسلت هذه الطائرات إلى العراق جاء معها الفنيون والطيارون لتدريب العراقيين عليها . وفي هذا الخصوص يروي المصور أرشاك أن صباح قال له ذات يوم، انه قد تشاجر مع أحد المدربين الأمريكان الذي كان يبدي استهزائه بقدرة الطيارين العراقيين على استخدام هذه الطائرات أو غيرها والأولى بهم أن يطيروا طيارات أم السناطير (أي الورقية) وقد قال هذا أثناء جلسة لهم في بار الاستراحة، فما كان من صباح إلا أن وبخه وقال له (راح اشوفك) غدا ماذا سأعمل. وفي اليوم التالي جاء الرئيس الأول الطيار صباح إلى صديقه المصور أرشاك وطلب منه ان يذهب ومعه آلة التصوير ويتهيأ لالتقاط الصور له وهو يمر بطائرته من تحت جسر الملك فيصل الأول (الأحرار حاليا) بالساعة كذا من يوم غد, وذلك تحديا للمدرب الأمريكي ولبيان قدرة الطيارين العراقيين ومهارتهم في قيادة الطائرات . وهنا يقول أرشاك، فعلا فقد ذهبت في اليوم التالي وفي الوقت المحدد واتخذت مكاني بالقرب من الجسر في وسط بغداد، وفي الوقت المحدد بالضبط ظهرت في السماء طائرة صباح نوري السعيد ودارت حول الجسر دورتين، ثم ذهبت بعيدا باتجاه منطقة الباب الشرقي (موقع وزارة التخطيط الحالية) وانخفضت وجاءت بارتفاع منخفض جدا وهي تطير فوق ماء النهر بارتفاع لا يتجاوز بضعة أقدام وتحلق بعكس اتجاه جريان الماء، وما هي إلا لحظة حتى مرقت الطائرة بمرورها السريع والخاطف من تحت الجسر مارة بين دعامتين من دعامات الجسر. ويستطرد أرشاك قائلا انه كان قد هيأ الكاميرا على أسلوب الالتقاط السريع والمتتابع للقطات التصويرية فتمكن من التقاط عدة لقطات للطائرة وهي تقترب من الجسر وهي تمر من تحته ومن بعدها تغادره من الناحية الثانية مرتفعة في الجو وهي تتقلب على محورها بحركات (رول تسلقي).

قام بعدها المصور الشهير أرشاك بتحميض الفيلم ومن ثم طبع التصاوير وقال لنفسه سأذهب بها إلى الباشا نوري السعيد وأعطيها له وأكيد هو سوف يكافاني على ذلك، وفعلا ذهب ومعه الصور إلى مجلس الوزراء وطلب مقابلة الباشا لأسباب شخصية مهمة، وكان الباشا يعرفه طبعا. ويستطرد أرشاك قائلا عند دخولي على الباشا قال لي "ها أرشاك ماذا تريد؟"، فقلت له عندي مفاجأة سارة لك باشا، فقال له شنو هاي المفاجأة؟ فأخرجت التصاوير واريته إياها، فقال له الباشا شنو هاي التصاوير؟ فأخبرته بالقصة، فاستشاط الباشا غضباً وقام بتمزيق التصاوير جميعها، وضربني راشدي أصلي (الراشدي يعني صفعة بالعراقي) وطردني من دائرته قائلا :

هل انت مجنون مثل صباح؟ كيف توافق على ذلك ولم تخبرني بما ينوي عمله مسبقا؟ ثم كيف يخاطر صباح هكذا بممتلكات الدولة والقوة الجوية؟

ويستمر أرشاك قائلا أن الباشا عنف ووبخ صباحاً على فعلته ومنعه من الطيران بعد ذلك كعقاب له على مخاطرته بحياته بل بمخاطرته بأموال الدولة وممتلكات القوة الجوية. وهنا يستدرك أرشاك انه عند عودته إلى محله وهو متأسف لضياع هذه التصاوير الثمينة، واذا به يجد نسخة منها لم تضيع وكذلك مسودات الفيلم فاحتفظ بها، وهو اليوم ينشرها على الفيس بووك. لقد قرأت هذه القصة منذ عدة سنوات عندما تم نشر التصوير ورسخت في ذهني، ولم يكن في وقتها نوع الطائرة معروفا من قبل القراء الاعزاء ، فقسم قال انها من نوع هارفارد الامريكية التدريبية التي كانت لدينا في بداية خمسينيات القرن الماضي ، وقسم قال أنها البستن بروفست . بل ان البعض هذه الأيام خصوصا قد ذهب بعيدا فأخذ الصورة الأصلية وعمل لها مونتاجا وابدل الصورة بصورة طائرة نفاثة من نوع ميك 17 ، وهي لم تكن أصلا موجودة في وقت حدوث القصة التي نتحدث عنها . وهنا أود أن أقول إنني سبق وقمت بعد نشر الصورة الأصلية من قبل أرشاك بتحليل شكل التصاوير ومقارنة ذلك بأنواع الطائرات التي كانت موجودة لدى القوة الجوية في الأربعينيات من القرن الماضي، واستنتجت أنها كانت طائرة من نوع دوكلاس وذلك ليس بسبب شكل الطائرة ووقت حدوث الواقعة فقط، بل لأن صباح كان يتحدث عن شجار مع مدرب طيران أمريكي , ولم يكن لدينا طائرات أمريكية في ذلك الوقت غير طائرة الدوكلاس . وارفق صورة الطائرة الأصلية جاثمة على الأرض، وكذلك الصورة الأصلية للطائرة وهي تمر من تحت الجسر، كما أود أن أشير إلى أن هناك موقع اسمه متحف التاريخ بالإمكان المشاركة فيه للاطلاع على كثير من المعلومات التاريخية المفيدة عن عراقنا العزيز

             

الصورة الأصلية لمرور طائرة صباح نوري السعيد نوع دوكلاس تحت جسر الاحرار (الملك فيصل الأول آنذاك) في بداية اربعينات القرن الماضي

   

طائرة تدريبية نوع دوكلاس Douglas أمريكية الصنع استلمت منها القوة الجوية عددا محدودا في أربعينيات القرن الماضي وهي نفس نوع الطائرة التي نفذ بها الرئيس الأول الطيار صباح السعيد مغامرته موضوعة البحث.

اللواء الركن
علاء الدين حسين مكي خماس

  

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1108 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع