الثلج الغادر
بقلم / ابن الرافدين
اشرقت الشمس في صباح يوم الخميس السادس من تشرين الثاني عام 1986 في منـطقة المثلث العراقي التركي الايراني وكانت كبقية صباحات الآيام من فصل الخريف حيث السماء الزرقاء مع قطع من الغيوم البيضاء متناثره هنا وهناك مصحوبة بنسائم من الرياح البارده .
كان لواء المشــــاة 502 منفتح علي الرواقم 3280 و 3180 و 3150 بمعدل فوج مشاة لكل راقم والتي هي ضمن سلسلة جبال حصاروست و من خلفهم مقر اللواء بأمرة العميد غانم.
ان هذه الرواقم هي فوق مستوي خط الغابات بمعدلات 1200 متر لذلك يكون الغطاء النباتي فوق مستوي 2000 مترانواع من النباتات البرية و بعض من انواع الشجيرات والاحراش.
تضاريس هذه السلسلة هي عبارة عن جبال شاهـــــقة الارتفاع و من الصـــــــعب تسلقها لكثرة المنعطفات وانحدارت وقطوعاتها الحاده و وعورتها في جميع الاتجاهات اضـــافة الي تنوعها الجغرافي التي يتميز ببرودة الطقس في اعالي القمم و سفوحها.
قمه جبل هلكورد 3607 م و الثلوج الآزليه في ذروة فصل الصيف حيث الحديقه الوطنيه
لقد شكلت هذه السلسله و سلاسل اخري حاجزا و سورا منيعا و لحماية حدود المنطقه واهلها من هجمات المغول و التتار وغيرهم من الغزاة و الطامعين القادمين من الشرق عبرالتاريخ.
ان انفتاح قوة بحجم تشكيل لواء مشاة علي هذه الرواقم و لاول مره في تاريخ الجيش و في بداية شهر حزيران من عام 1986 شكلت طـــفره نوعيه لسيطرتها علي اراضي شاســـعه من منطقة دوله ميدان و هواريي الايرانيتان و لمنعها من خرق الحدود كما حدث في تموز 1985.
خلال شهر ايار 1986 تم تنفيذ تحرير 14 راقم و التي هي اقل ارتفاعا نســبة لرواقم سلسلة حصاروست والتي تتفاوت ارتفاعاتها من 1930 م جبل رأس العبد الي 2462 م جبل كرخـوت والتي تتسم بــذوبان ثلوجها مع نهاية فصل الربيع حيث البيئة الطبيعية والحياة البرية من الحيوانات والطيور والصخور والســــــــفوح والغابات التي تكسو الأوراق أغصان اشجارها و شجيراتها والكساء الآخضر للآرض من التنوع النباتي كما تزهر الورود والأزهار والابصــال و الزنابق البريه مــــــن شتي الالوان و الاصناف بجانب الكثير من الينابيع المتدفقه و الشلالات الساحره ذات مياه العـــذبه في مشهد طبيعي خلاب يسحرالفؤاد والعين.
سلسلة جبال حصاروست المغطاة بالثلوج الكثيفه و امامها بعشرات كيلومترات جبال شاهقه اخري و من ثم جبل زوزك الشبه مغطي بالثلوج و المطل علي قضاء سوران و الغيوم تغطي سماؤها و هي دون مستوي القمم .
في الساعه الواحده من ظهيره ذلك اليوم حدثت ان تكاثفت الغيوم بسرعه قياسيه و بدأت الثلوج بالتساقط علي السلسله و بضمنها المواقع التي يشغلها التشكيل و كأنه كان علي موعد مع هـــذا الوحش الأبيض الغادر.
علي الفور تم تبليغ المراجع العليا بالحدث و ضرورة اخلاء التشكيل لمواقعه قبل ان يتفاقم الامر وتصعب عمليات الانقاذ . و بالسرعة تم تبلغ التشكيل بالانسحاب المنظم لمواقع بديله اسفل تلك الرواقم بعد ان تراكمت الثلوج عند المساء لمستوي اكثر من 50 سنتمترا تقريبا . و بعد اجراء تعداد لمنتسبي التشكيل للتعرف علي اعدادهم تبين بقاء 52 منهم في مواقعهم
لاسباب صعوبة الموقف من قطع الاتصالات و الطرق لشدة العاصفه الثلجيه و قسوتها.
في تلك الليله ساد السكون والرهبه افراد التشكيل المنسحبين لقسوة البرد من جهه والشـــــــوق الحنين لأخوانهم و زملائهم من المقاتلين المتبقين هناك متأملين لقائهم عند الصباح .
في صباح اليوم الثاني من العاصفه و في حمله واســــــــــعه من عمليات الانقاذ بأستخدام الجهد السمتي و الزحافات الثلجيه و لغاية المساء تم انقاذ 34 مقاتلا من مخالب هذا الوحــــش الأبيض الذي باغتهم و فتك بهم حيث قضي 18 منهم نحبهم تحت الجليد و الثلوج احدهم برتـــــبة ملازم اول لينضموا الي قافلة الشهداء و تبقي جثامينهم هناك و ليتم اخلائهم بعد قرابة 7 اشهرمن النوم السرمدي من قبل زملائهم من نفس التشكيل في حزيران من عام 1987 بكل خشوع و رهـــــبة تقديرا لأرواحهم الطاهره .
كان قد تم العثور علي الشهيدين صـلاح و سكران ايديهم مشـــدودة ببعضها لبصيص مـن ألامل كان يراودهما للعودة للحياة سوية علي قاعــــــــدة (عايشين سوا لو ميتين سوا ) هنا كانت تكمن أصرة محبتهم بحيث لم يفرقهم قدرهم.
من الجدير بالذكر ان قيادة الفرقه المسؤوله عن القاطع كانت قد قدمت دراسه في بداية فصـــــل الخريف لترقيق قطعات التشكيل وعلي مراحل للتدريب والتجهيز وألاعداد لواجبات مقبله .
علي ما يبدو لم تكترث أنذاك القياده العليا بالأمر لجهلها بطبيعه و خطورة الموقف هــناك لكون الحدث لأول مره و ان صعد العسكر مثل هذه القمم و لم يســبق لكبار القاده و الامرين الاطلاع علي المنطقة و ظروفها المناخيه الصعبه من قبل من جهه و شــــده و ضراوة و شراسة المواجهات فــي قواطع الفيالق الاخري من جهه ثانيه.
753 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع