في ذكرى رحيله في ٢٠ تشرين الثاني ١٩٤٥.. كيف أسس جعفر أبو التمن حزبه الوطني ؟ وكيف أغلقه المندوب السامي ؟
بعد أن توج الملك فيصل ملكاً على العراق في 23 آب 1921 ، أصبح موضوع تشكيل الأحزاب مطلباً شعبياً لعدة أسباب من بينها هجوم الأخوان (الوهابيين) على الأراضي العراقية ، حيث ترك هذا الهجوم استياء شديد ولاسيما في المدن المقدسة، مثل مدينة كربلاء التي عبرت عن سخطها بعقد مؤتمر في 9 – 12 نيسان 1920 ،
ثم جاءت التصريحات التي أدلى بها المستر تشرشل وزير المستعمرات البريطاني في 23 آيار 1922 بخصوص الانتداب والتي أغضبت الجماهير ودعتها إلى التظاهر وعقد الاجتماعات وتقديم المذكرات والبرقيات الاحتجاجية إلى الملك فيصل والحكومة البريطانية، كل هذه الأمور دعت المواطنين يشعرون بضرورة تنظيم النشاط السياسي في البلاد، فتجددت الدعوة إلى تأليف الأحزاب.
وعلى الرغم من عدم موافقة الملك ودار الاعتماد البريطاني في السماح للأحزاب بالعمل والظهور على المسرح السياسي ، إلا أن الساسة العراقيون اتجهوا إلى تكوين أحزاب سرية ، فأنشأ (الحزب الوطني العراقي) و (حزب النهضة العراقية) ، ولم تختلف منهاجيهما إلا في بعض الأمور الفرعية لكونها تهدف إلى استقلال العراق بالدرجة الأولى ، واخذ الحزبان يعملان في الخفاء بضعة أشهر وينظمان الحركة الوطنية .
وأمام ذلك اضطرت الحكومة إلى السماح بتأليف الأحزاب على أثر صدور قانون تأليف الجمعيات في 2 تموز 1922، وبذلك بدأت الحياة الحزبية في العراق .
ثانياً : أجازة الحزب ونشاطه السياسي
بعد صدور القانون المذكور تقدم جماعة من الحزب الوطني العراقي بطلب إلى وزارة الداخلية في 28 تموز 1922 بتأسيس حزب باسم (الحزب الوطني العراقي) فتألفت الهيئة المؤسسة من (جعفر أبو التمن – احمد الشيخ داوود – مولود مخلص – بهجت زينل – حمدي الباجـﻪجي – محمد مهدي البصير ، عبد الغفور البدري).
وفي النظام السياسي الذي تضمنه منهاج الحزب تم وضع (11) مادة ، نصت المادة الثانية من المنهاج ((بأن الحزب يسعى لأن يؤلف أغلبية في المؤتمر العام والمجالس التشريعية ممن يجتهد في تنفيذ خطط الحزب السياسية و الإدارية و الاقتصادية والعلمية المنوه عنها في هذا النظام ويرشح الأكفاء حسب القوانين المرعية)) .
كما وضع مادة بين فيها (غاية الحزب السياسية) وأهم ما جاء فيها المحافظة على استقلال العراق التام بحدوده الطبيعية ومؤازرة الحكومة الملكية والذب عن كيان الأمة العراقية والنهوض بها إلى مصاف الأمم الراقية، فضلا عن المواد الأخرى التي بينت أهداف الحزب الاقتصادية والاجتماعية .
والملاحظ ان الحزب الوطني العراقي هو امتداد لجمعية حرس الاستقلال التي تأسست عام 1919،والتي شابه برنامجها في كثير من مواده الأساسية مما دعا العناصر الوطنية إلى الالتفاف حوله على اختلاف طبقاتها وسماتها الاجتماعية، وأيدته أكثرية ساحقة من أهالي بغداد، فضلاً عن رجال العشائر في الفرات الأوسط ، ولم تكن أهداف الحزب تركز على المشاكل الداخلية بقدر تركيزها على تحرير البلاد من النفوذ الأجنبي.
تزامن مع أجازة الحزب الوطني العراقي ، إجازة حزب آخر هو حزب النهضة العراقية وذلك في 19 آب 1922 وقد ترأس الهيئة التنفيذية للحزب أمين الجرجفجي وقد شابه منهاج هذا الحزب مع منهاج الحزب الوطني العراقي ، مما دعا إلى تعاونهما ، فعقد زعماؤهما اجتماعات متعدد للاتفاق على سياسية موحدة لتنفيذ خططهما السياسية ، وتمكن الحزبان من استمالة بعض الصحف الوطنية إلى جانبهما أمثال جريدتي(المفيد) و(الرافدين) اللتان أخذتا بتأييد سياستهما في معارضة وزارة عبد الرحمن النقيب ومطالبتها بتأجيل المفاوضات المتعلقة بالمعاهدة العراقية البريطانية إلى ما بعد اجتماع المجلس التأسيسي ، وقد دعا مهدي البصير و حمدي الباجـﻪ جي وبهجت زينل بعدم عقد أية معاهدة قبل تأليف المجلس التأسيسي.
وفي 20 و 21 آب 1922 عقد الحزبان اجتماعاً مشتركاً برئاسة محمد الصدر ، تقرر فيه القيام بمظاهرة سلمية يعربان فيها عن أماني الشعب ورغباته وتقديم مذكرة إلى الملك فيصل بمناسبة مرور عام على تتويجه يعرضان فيها مطالب الجماهير، وسعى الحزبان إلى توحيد جهودهما من اجل السعي إلى وضع الأسس الديمقراطية للدولة العراقية ، وذلك بالإسراع في عقد المجلس التأسيسي وإصدار الدستور، واستثمار الذكرى السنوية الأولى وتتويج الملك فيصل فقدما مذكرة مشتركة إلى الملك تضمنت عدداً من المطالب منها :
الكف عن التدخل البريطاني في الأمور الإدارية .
تأليف وزارة من الأكفاء المخلصين لكي تطمئن الأمة بإصلاح الحالة فيزول الاضطراب وتهدأ الخواطر .
لا تعقد أية معاهدة ولا تجري أية مفاوضة فيها قبل تأليف المجلس النيابي .
وفي يوم 23 آب ذكرى تتويج الملك ، أقام الحزبان مظاهرة كبيرة كانت ناجحة بجمع طبقات الشعب المختلفة فضلاً عن القيادة السياسية للحزبين، وأخذت تهتف بحياة الملك وسقوط الانتداب، ولما بلغت المظاهرة البلاط الملكي وقف السيد محمد مهدي البصير يلقي كلمة الحزب الوطني العراقي تلاه السيد محمد حسن كبة معبراً عن رأي حزب النهضة ، تضمنت هذه الخطب بعد تقديم التهنئة للملك ، المطالبة بجمع المجلس التأسيسي وتأليف وزارة وطنية لا تركن إلى أوامر الانتداب، وأمام ذلك خرج السيد فهمي المدرس- كبير أمناء الملك – ممثلاً عن الملك في استقبال المظاهرة والرد على تحيات الجماهير وكلماتها .
وبينما كان فهمي المدرس يتكلم وصل موكب السير برسي كوكس متوجهاً إلى البلاط لتقديم التبريكات ، فانفعلت الجماهير لرؤيته وعلت الهتافات منادية بحياة الملك وسقوط الانتداب . وقد أساء هذا الفعل المندوب السامي ودفعه إلى الاحتجاج ما اضطر الملك إلى تقديم الاعتذار وعزل فهمي المدرس أرضاء له، لكنه رفض ان يوقع أمر القبض على الزعماء الوطنيين .
اغتنم المندوب السامي مرض الملك في اليوم التالي للتتويج واستقالة وزارة الكيلاني إلى إصدار بيان إلى الشعب العراقي باستلامه لزمام الحكم وأنه مضطر لاتخاذ تدابير لحفظ الآمن والاستقرار في البلاد ، فأصدر أوامره في 25 آب 1922 بحل حزبي الوطني العراقي والنهضة العراقية وإلقاء القبض على زعماؤهما وإبعادهم إلى جزيرة هنجام في الخليج العربي .
وبذلك غاب الحزب الوطني العراقي عن العمل السياسي منذ توقفه ونفي زعماؤه إلى الجزيرة المذكورة في 26 آب 1922 ، ليعود مرة اخرى عام 1928 وبهيئة تأسيسية جديدة .
من خلال ما تقدم يمكن ان نقول بأن المدة القصيرة التي قضاها الحزب الوطني العراقي في العمل السياسي كانت مليئة بالأحداث والنشاط الدؤوب لأعضاء الحزب وهيئته التأسيسية ، وقد أدت الظروف السياسية الحرجة التي يمر بها العراق ومحاولة بريطانيا تمرير المعاهدة إلى السرعة في إيقاف نشاطه ، ولدوره المؤثر في تحريك الشارع العراقي وقيادة الجماهير ، جعلت المندوب السامي لا يكتفي بأيقاف نشاطه بل بأبعاد زعماءه عن البلاد .
عن بحث : الخلفيات الاجتماعية والفكرية لأعضاء الهيئة المؤسسة للحزب الوطني العراقي 1922 .
---------
المدى:د.محمد يونس عبد الله الياسري - د. أحمد مريح المنصراوي
1352 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع