مهجريات : من خواطرعربي مغترب*

                                

                      صالح جواد الطعمة

    

"اقرأ على العراق السلام..." نوري السعيد 14-15/ تموز 1958

            

لقد روي عن نوري السعيد (رئيس الوزراء في العهد الملكي) أنه ظلّ يردد قبل مقتله في 15/ تموز 1958 ما فحواه "اقرأ على العراق السلام إن نجح العسكر بهذا الانقلاب" مشيراً إلى" ثورة 14 تموز 1958".  

لم يخطر ببالي أن أعير هذه الرواية أي اهتمام آنذاك، إذ كنت – كغيري من ملايين العراقيين – مغموراً بطوفان من النشوة والثقة والفخر لقيام الثورة المذكورة وسقوط ما اعتدنا وصفه بـ "العهد البائد أو المباد"، بل كنت استخف بها استخفافاً كبيراً لا بسبب نظرتي السلبية لسياسة نوري السعيد واقترانه الوثيق بالاستعمار البريطاني فحسب بل لتفاؤلي إلى حدّ الإسراف (أو السذاجة في نظري اليوم) ببداية عهد جديد يعد بازدهار العراق ويكفل لمواطنيه قسطاً أكبر من الحريات والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والأمان.

غير أن هذه الرواية سواء كانت حقيقية أم مختلقة (كالشائعات المتشائمة الاخرى) ظلت تطاردني وأنا في المغترب كلما تعرض العراق لمحنة- وما أكثر ما تعرض له من محن منذ مقتل نوري السعيد حتى يومنا هذا – متسائلا عما كان يدور في خلده عند ما فوجىء بقيام ثورة 14 تموز.

لقد مرّ العراق منذ تأسيسه الحديث ( 1920) حتى يومنا هذا (2008) في مرحلتين كبريين: امتدت أولاهما ثمانية وثلا ثين عاماً قبل مقتل نوري السعيد (1920-1958) ومضى على الأخرى نصف قرن،- خمسون عاماً مما يسمى بالحكم الجمهوري- (1958-2008)، وقد شهد العراق خلالهما هزات ومآسي متعددة ، غير أن ما عاناه من المحن في المرحلة الأولى لا يمكن أن يقاس بما حل به (بعد مقتل نوري السعيد) من المحن والمجازر والاغتيالات الجماعية، والحروب وأساليب القمع الوحشي والخراب اللا محدودفي مختلف النواحي والتشرد الكوني للملايين من أبنائه  حتى ليخيل إلي أن نوري السعيد لم يكن على ضلال بل كان بعيد النظر في التعبير عن نبوءته (اقرأ على العراق السلام) إن صحّ أن تنسب إليه.

إن ما يهمني من ذلك ليس إطلاق الأحكام على نوري السعيد أو على العهد الملكي أو النظام الجمهوري بمراحله المتباينة، بل التساؤل – وقد يكون عبثاً التساؤل- عما دفع نوري السعيد إلى أن يقرأ على العراق السلام آنذاك.. أكان السبب عدم ثقته بالانقلابات العسكرية أو قدرة الجيش على إدارة البلاد؟ أو خوفه من تعاقب المغامرات العسكرية أو الحزبية الضيقة الأفق التي لا تدرك طبيعة الكيان الفسيفسائي للعراق؟ أكان الدافع إيمانه بأن "العهد المباد" كان في طريقه إلى ترسيخ هوية للعراق تتجاوز انتماءات مواطنيه المختلفة قومياً ودينياً ومذهبياً وعشائرياً ولغوياً؟ هل كان يتوقع أن يتعرّض العراق لمؤامرات إقليمية أو غير إقليمية يسفر عنها هذا التمزق أو التناحر العنيف الذي بدأنا نشهده اليوم والاقتتال الهمجي بين المواطنين من عرب وأكراد وتركمان و كلدان وغيرهم من الأقليات القومية أو من مسلمين ومسيحيين وصابئة ويزيديين( إيزيديين) وشيعة وسنة وغيرها من الانتماءات التي حاولت "الهوية العراقية" أن تتجاوزها أو تحقق لها التعايش البنّاء المتآخي حقاً؟ او أخيرا: هل كان يخشى أو يظن أن يكون بين وارثيه من يجرأ على أن يفوقه استعانة بالأجنبي تارة يتآمر معه في السر و الخفاء و تارة أخرى يبارك له غزوه جهارا في وضح النهار؟

ليس من اليسير في حقيقة الأمر أن نكشف عما كان يدور في خلد نوري السعيد عندما أطلق قبل خمسين عاما المقولة المنسوبة إليه " اقرأ على العراق السلام..."  ولكنّ من اليسير القول بأن عراق اليوم يذكرك بأطلال الشاعر الجاهلي يقف عليها باكياً ملتمساً فيها العزاء حين لا يجدي نفعاً بكاءٌ أو عزاء وقد يثيرلديك تساؤلات شتى كتساؤل شاعر العراق الكبير بدر شاكر السياب يناجي وطنه و هو في مغتربه الكويتي:

اني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون!

أيخون انسان بلاده؟

ان خان معنى أن يكون فكيف يمكن أن يكون؟

 
* جامعة إنديانا

 بلومنجتن / انديانا حزيران 2008

* المقالة قديمة نشرت في عدد من المواقع..أرسلها أحد الأصدقاء..شكرا له

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

698 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع