ديانا مقلد
«سنذهب إلى العراق والأردن ولبنان، أينما يريدنا الشيخ أبو بكر البغدادي أن نذهب فسنذهب.. أمل الأمة برقبتك يا شيخ».
ليس قائل هذه الجملة (النداء) بجهادي عراقي أو سوري أو حتى عربي.
إنه شاب بريطاني من أصول يمنية وُلد وعاش في بريطانيا وتعلم فيها، وكان ناجحا في عمله. ويشرح والده المفجوع برؤية ابنه يقاتل مع «داعش». إن أربع جامعات بريطانية وافقت على التحاق ابنه بدراسة الطب. لكن «أبو مثنى اليمني»، كما أعلن اسمه، اختار الذهاب للقتال مع تنظيم داعش في سوريا، وأقنع شقيقه ذا الـ17 عاما بالانضمام إليه، وها هو يعلن أنه مستعد لبذل روحه بإشارة من زعيم «داعش» العراقي ذي الشخصية الغامضة والدموية أبو بكر البغدادي.
و«أبو مثنى اليمني» هذا ظهر مع مجموعة شبان آخرين من بريطانيا وأستراليا في شريط دعائي لـ«داعش» يتحدثون فيه بالإنجليزية، ويحثون مزيدا من الشباب الغربي على الانخراط في «أم المعارك»، التي يعتقدونها قائمة في «بلاد الشام».
شكل هذا الشريط وفيديوهات وصفحات إلكترونية وصور لمقاتلين وافدين من أوروبا يقاتلون مع «داعش» صدمة كبرى لدى الرأي العام الغربي. لسنا هنا أمام شبان من بلادنا قادهم الأفق المسدود سياسيا واجتماعيا نحو القتال والتطرف، بل نحن أمام موجة انجذاب مطرد لمجندين غربيين للقتال مع هذا التنظيم. وبحسب المعلومات الأمنية، فنحن نتحدث عن ثلاثة آلاف مقاتل من بلجيكا وفرنسا وبريطانيا وأستراليا، فيما يشكل الجهاديون البريطانيون أكبر قوة من بينهم.
هذه الحقائق تعيدنا إلى الوضع الذي أرّق المجتمعات الغربية بعد هجمات نيويورك وواشنطن في عام 2001، التي شكلت الولادة الأولى لأجيال تنظيم القاعدة المعولمة، أي تلك التي تعلمت وعاشت في الغرب. تضاعف الارتباك مع الولادة الثانية، التي جسدها التحاق غربيين بالسلفي الجهادي «أبو مصعب الزرقاوي» في العراق، والآن أتت الولادة الثالثة التي مثلها تنظيم داعش؛ فها نحن نشهد انخراطا أكبر لمقاتلين من الغرب مع تنظيم يكاد يكون الأعنف والأكثر قسوة في قتاله وممارساته باسم الدين والأمة. السؤال نفسه يطرح مجددا؛ ما الذي يدفع شبانا إلى ترك مجتمعهم وحياتهم المستقرة نسبيا، بل والناجحة أحيانا، وإلقاء أنفسهم في التهلكة. هل هي أزمة هوية وانتماء وعجز عن الاندماج في المجتمعات الغربية، أم انجذاب نحو عقيدة ودين وانتماء أكبر؟ ما هذا الإغراء في الثقافة الجهادية بنموذجها الداعشي الذي يدفع بشبان إلى الانفضاض عن حياتهم السابقة والانخراط في حياة يمكن أن تفضي بسهولة إلى موت زؤام؟
تنكب حاليا التحليلات للبحث عن سبب إحباط هؤلاء الشبان من المجتمعات التي عاشوا فيها في الغرب، وانجرافهم خلف خطاب متشدد، واعتناقهم لقضية تقوم على رفض حياتهم وحياة ذويهم، كما لو كان ما يخوضونه من قتال مغامرة مثيرة، وهو ما بدا من خلال ما يتناقلونه في فيديوهاتهم وشهاداتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
كان سبق للباحث الفرنسي «جان بودريار» أن حمل الصورة الإعلامية التي عدها حليفة «العولمة» والهيمنة الغربية كثيرا من تبعات هذا الإرهاب، من وجهة نظر فلسفية ونفسية، ترى بأن كل قوة مهيمنة تحمل، بالضرورة، بذرة تدميرها الذاتي، بل ورغبتها وإرادة شعوبها في الموت. فكان أن صور «بودريار» أحداث 11 سبتمبر (أيلول) وكأنها حلم جماعي «فانتازي» غربي، تحقق، ولو بعد حين، بفعل التكثيف المتراكم للعنف المشاع، تصويرا وبثا، على مدار الساعة.
الآن، وبعد العنف الكبير الذي انفجر في منطقتنا، يبدو وكأن العالم أمام فراغ مخيف، إذ لا أحد؛ سواء في الغرب أو هنا، لديه أي فكرة عما ستؤول إليه هذه الظواهر.
503 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع