الرجوع إلى التوجُّه القومي: الديموقراطية والاستقلال

                                       

                           د.علي محمد فخرو

من أجل إخراج الأمة العربية من جحيم شتى الصراعات التي تجتاح الوطن العربـــي كلّه، سواء أكانت دينية ومذهبية طائفية أم كانت عرقية وقبلية وسياسية انتهازية عبثية، طرح العديد من الكتّاب القوميين نظرة فاحصة مؤداها أن تدخل القوى القومية العربية ميدان السياسة بقوة من أجل سد الفراغ ولملمة الأشلاء وإنقاذ جسد الأمة، المتكالبة عليه قوى الشر الصهيونية والامبريالية وبعض القوى الداخلية، من التفكك والخروج من التاريخ.

لاشك أنها نظرة فيها الكثير من حب الأمة والوطن ورجوعا منطقيا إلى مقولة المصير العربي المشترك وإلى أن إطفاء الحرائق سيحتاج إلى مواجهة قومية شاملة بسبب كثرة المتكالبين وعظم المصائب، لكن ذلك الطرح سيحتاح لنقاش موضوعي هادئ يجنبه منزلقات الاختطاف أو الفشل، دعنا ندخل في صلب الموضوع.
أولا يشتم الإنسان عند البعض بأنهم يريدون ذلك التواجد القومي نقيضا للتواجد الإسلامي السياسي ونافيا لأي دور له في الحياة السياسية العربية، في اعتقادي أن هذا الموضوع يحتاج إلى وضوح تام منذ البداية. أن يقف التيار القومي العروبي ضد الإسلام السياسي الطائفي التكفيري الجهادي المعادي والمهمش للديانات الأخرى، المتزمت المنغلق على مذهب واحد دون المذاهب الإسلامية الأخرى، الممارس للإرهاب والعنف ضدُ كل من لايخضع لمنطقه وفهمه للإسلام أو الموافقة السياسية، أن يقف ضد مثل هكذا تيار إسلامي سياسي متخلف وغير ديموقراطي فهذا موقف صحيح ومطلوب.
أما إذا وجدت الحركات الإسلامية السياسية غير الممارسة لأي من ذلك الجنون والعبث، المؤمنة بالحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان والتنافس الشريف، المقدمة نفسها كأيديولوجية سياسية تعتمد الإسلام لها كمرجعية ولكن دون إدعاء قداسة لشعاراتها وبرامجها السياسية، وبالتالي تقبل بالمواطنة المتساوية في كل الحقوق والواجبات وتقاسم خيرات الوطن ، إذا وجدت مثل هذه الحركات فاننا لن نكون ديموقراطيين ولا عادلين إن نحن رفضنا حقها التام في الوجود والمشاركة السياسية والتنافس مع الآخرين.
هذا موضوع يجب أن يحسم، إذ ليس من مصلحة التيار القومي القفز على تراكمات تاريخية وثقافية جعلت من تجذر الإسلام، كثقافة وقيم ومورد من موارد رابطة العروبة، في قلب وضمير الإنسان العربي واقعا لا يمكن تجاهله ولكن السعي لإبعاده عن المزالق غير الديموقراطية العادلة الإنسانية الحقة، موقفنا من هذا الموضوع سيفصح إن كنا ديموقراطيين وأننا إلى الأبد ننبذ الممارسات الفاشية.
ثانيا يشعر الإنسان بأن البعض ينادي بأن يكون دخول الوجود القومي في الحياة السياسية العربية عن طريق بعض الأنظمة العربية الرسمية من التي لديها قبول وحماس للعمل العربي المشترك، وينسى هؤلاء فشل الحكومات العربية، عبر سبعين سنة من حياة جامعة الدول العربية، في بناء خطوات تراكمية جادة تقرب أمة العرب من أي نوع من الوحدة في أي مجال كان، بل إن العكس قد حدث فالجامعة العربية قد ضعفت إلى أبعد الحدود.
أما مشاريع التوحيد في الاقتصاد والأمن والسياسة، التي طرحت على الأخص في الخمسينيات من القرن الماضي، فأنها تلاشت وحل محلها الصراع والتشرذم والخلاص القطري والاستعانة بالأجنبي، وحتى المحاولات الجادة التي بذلها النظام القومي العربي الناصري لتوحيد بعض الأقطار العربية انتكست بسبب الكثير من الأخطاء التي ارتكبتها البيروقراطية الحكومية.
من هنا، إذا أريد لهذا الدخول الجديد للفكر والعمل القومي أن ينجح في إخراج الوطن العربي من ورطته التاريخية التي يعيشها، فان الدخول يجب أن ينبع منه ويعتمد على إرادة شعبية تحتية وليس على إرادة فوقية يتبرُع بها هذا النظام أو ذاك.
القوى التي ستدخل يجب أن تكون في شكل مؤسسات مدنية سياسية، ديموقراطية في تكوينها وممارساتها، لها قبول وارتباط شعبي غير نخبوي يجعلها قادرة على تجييش الجماهير وإطلاق وتنظيم طاقاتها، ممتدة عبر الوطن العربي كلّه بأشكال ومستويات متعددة.
إن ذلك لا يعني بالطبع عدم الترحيب بأي نظام حكم عربي يتميّز بتوجهاته القومية، لكنه يعني، وبالحاح، أن تفطم الحركات القومية نفسها من رضاع العساكر والبيروقراطية الحكومية الذي كان يغذي ويسمن الطفل القومي ثم يقوم بعد حين، بقصد أو دون قصد، بذبحه.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

685 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع