هدى الحسيني
صارت إسرائيل بالنسبة إلى إيران، كما كانت بالنسبة إلى الأنظمة العربية السابقة، الشماعة التي تعلق عليها كل مشاكلها الخارجية والداخلية من أجل بقاء النظام ونشر آيديولوجيته.
حرب غزة الأخيرة جعلت إيران تتصرف وكأنها كما يقولون «شربت حليب السباع»، وتقدم اقتراحات فوقية وكأن ما جرى أعطاها الحق بأن تقرر عن كل المنطقة ما عليها أن تفعل تبعا لنصائح المرشد الأعلى خامنئي.
والحقيقة أن إيران تتحمل مسؤولية ما يجري في العراق. هي التي شجعت نوري المالكي على اعتماد سياسة مذهبية سوداء، قاتل السنة وقاتل الأكراد، أي أكثر من نصف الشعب العراقي، دمر الجيش العراقي. إيران لا تنسى أنها شربت كأس السم على يد ذلك الجيش. وكان هدف الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» التابع لـ«الحرس الثوري» استكمال الهلال الشيعي الذي كانت تريده إيران أن يمتد ليشمل العراق، فسوريا، فلبنان... شرط ألا تكون في العراق حكومة قوية. وكانت النتيجة مجيء «داعش» بهمجيته وتخلفه فأغرق نصف ذلك الهلال بالدماء والوحشية، واقتطع أجزاء كبيرة من العراق وسوريا، وأفشل كل الخطط الإيرانية، وكذلك سياستها الخارجية التي اعتمدتها لجعل العراق امتدادا لها، وفي الوقت نفسه ساحة خلفية أو أساسا لمشروعها في المنطقة. وكان باراك أوباما الرئيس الأميركي واضحا في حديثه إلى «نيويورك تايمز» يوم السبت الماضي عندما قال: «أعتقد أن الإيرانيين أدركوا أخيرا أن الموقف المتشدد من قبل الشيعة داخل العراق الذي يريد كل شيء سيفشل على المدى الطويل».
كل دولة عربية تدخلت إيران في شؤونها تعرضت إلى مشاكل، وقد تتعرض إلى التقسيم، وكان الناشط في حقوق الإنسان المحامي عبد الله الخليل من الرقة (حيث يحكم «داعش» اليوم)، قد كتب في شهر أغسطس (آب) من العام الماضي، أن الحكومة السورية كانت قامت بتقديم مقبرة أويس القرني في الرقة، حيث دفن الصحابي عمار بن ياسر، هبة للحكومة الإيرانية التي بنت على أطلالها مركزا شيعيا وجامعا كبيرا سُمي «مقام عمار بن ياسر» وصار مقرا للتشيع، قبل أن يدمره الإسلاميون.
الآن وقعت حرب غزة فرأت فيها إيران وسيلة لإبعاد اتهامها عما يجري في العراق، حيث فشلت سياستها فشلا ذريعا، ثم بدأت تتطلع إلى مخرج ورأته في تسليح أبناء الضفة الغربية.
في الفترة الأخيرة شن النظام الإيراني حملة لتسليح الضفة الغربية وعرب إسرائيل، في 23 من الشهر الماضي وعشية يوم القدس قال خامنئي: «إن الحل الوحيد هو إبادة إسرائيل وتصفيتها (...) من هنا يجب تسليح الضفة الغربية كما غزة».
خطة إيران من وراء هذه الاستراتيجية الجديدة هي صرف أنظار العالم، وبالذات العالم العربي، عنها، تحت عنوان: «كلنا يد واحدة ضد إسرائيل»، وهذا يخفف من الضغط السنّي عليها، ويفسح أمامها المجال للاستمرار فيما تقوم به في اليمن، والعراق وسوريا. أما في الداخل الإيراني فإنه يقمع جبهة البراغماتيين.
تقليديا، تعتقد إيران أن الشارع العربي عندما يسمع كلمة فلسطين يتوقف عن كل اهتمامات أخرى. معظم الأنظمة العربية في السابق استغلت القضية الفلسطينية لقمع شعوبها. عمليا تصريحات القادة الإيرانيين ومواقفهم فقدت مصداقيتها في الداخل والخارج. الكل يرى أن إيران تتحرك في عدة دول عربية. تحتاج إيران إلى «جيوش» عربية تقاتل إسرائيل عنها. نجحت عام 2006 مع «حزب الله» فدفع الثمن لبنان. اليوم أدخلت «حزب الله» في سوريا وأيضا لبنان يدفع الثمن، إذ إن نتيجة «انتصارات» الحزب في القصير والقلمون كان تدفق الجهاديين إلى لبنان حيث خاض الجيش اللبناني قبل أيام معركة عرسال.
اللافت في المعزوفة الإيرانية الجديدة تشبيه «داعش» بإسرائيل، ويقود هذه الحملة الرئيس حسن روحاني الذي قال في 29 من الشهر الماضي خلال اجتماعه بسفراء الدول الإسلامية: «من أجل الورم المتقيح (داعش) والورم المتقيح الآخر إسرائيل لا خيار أمامنا سوى وحدة العالم الإسلامي»!
وكان أحمد وحيدي وزير الدفاع الإيراني السابق في ظل محمود أحمدي نجاد والقائد السابق لـ«فيلق القدس» قال في 26 من الشهر الماضي: «إن تسليح الضفة الغربية هو السياسة الاستراتيجية للمرشد الأعلى (...). لذلك على الحكومات الإسلامية بذل أقصى جهدها لتسليح الضفة وحتى تسليح المنطقة المحتلة عام 1948 (...)».
كل ما تريده إيران «منافسة» مصر وتحريض كتائب عز الدين القسام للاستمرار في الحرب على أساس أن هذه الوسيلة الوحيدة لإيصال الشرارة إلى الضفة الغربية التي لم تتحرك إلا بعد مرور ثلاثة أسابيع على الحرب. مصر تعمل على إيجاد حل ووقف لإطلاق النار، وإيران تعتقد أنها بعيدة عن كل النيران، وبالتالي تستطيع تحريك الشارع العربي، فتعقد مؤتمرات وتطلق التصريحات النارية. هي كقيادة جالسة في وطن، وأهالي غزة فقدوا السقف فوق رؤوسهم، ولا يعرفون أين سيبيت الأطفال، وهناك أطفال لا يعرفون أنهم فقدوا أمهاتهم وآباءهم وإخوتهم.
كأن إيران تفتح خريطة العالم العربي أمامها وتضع العلامة الحمراء على الدول الهادئة نسبيا، وتقرر أن الوقت حان لإغراقها في مستنقع الفوضى الدموية، ففي 25 من الشهر الماضي وفي مقابلة على قناة «الميادين» يعلن أمير موسوي المستشار السابق لوزير الدفاع الإيراني «أن إيران اكتشفت طرقا أكثر كفاءة لنقل الأسلحة إلى الفلسطينيين بما في ذلك عن طريق الأردن ومرتفعات الجولان (...) وبسبب قرب الضفة الغربية من تل أبيب وحيفا فإن صواريخ قصيرة المدى ستكون كافية».
همّ إيران تحويل المعسكر السنّي عن صراعه معها، لكنها لا تنجح. الكل صار مدركا لمناوراتها. وقد يكون تصريح موسى أبو مرزوق (حماس) الذي دعا فيه «حزب الله» للانضمام إلى حماس في القتال ضد إسرائيل ووقف الحروب الهامشية (جريدة «السفير» اللبنانية 31 من الشهر الماضي)، ربما قصد فيه إحراج إيران، مع العلم أنه كان على أبو مرزوق أن يدرك أن «حزب الله» لا يملك لبنان وهناك القرار 1701، ثم إنه مشغول بتلبية نداءات إيران في سوريا، وقد سقط له أخيرا شهيد في العراق.
تقول إيران على لسان رئيسها إنها تحشد كل قواتها من أجل استقرار منطقة الشرق الأوسط وسلامتها، ومنع المجازر وسفك الدماء وتثبيت السلام والعدالة في المنطقة.. كيف يتطابق ذلك مع دعوتها لتهريب السلاح من الأردن؟ أليس هذا إشعالا للمزيد من الفتنة المذهبية وتعريض استقرار ذلك البلد للخطر؟ وما مصير فلسطينيي الضفة الغربية إذا ما نجحت إيران في إيصال سلاحها إلى إحدى المجموعات هناك؟ في حين أن إسرائيل لا تزال تطرح معادلة أن الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين!
انكشفت إيران بأنها ليست ذلك البعبع، وتدخلها في الدول العربية يؤدي إلى تمزيق تلك الدول.
دائما، تعلو أصوات القادة الإيرانيين بأنهم مستعدون للشهادة من أجل فلسطين، وتطول حملة التطوع، وفي «يوم القدس» يتم استعراض الصفوف الطويلة لشبان بالأكفان، ينتهي استعراض الرتل، يعود هؤلاء إلى بيوتهم منهكين من سيرهم على الأقدام لساعات، فقد أدوا قسطهم للعلا، طالما أن من يموت هم الفلسطينيون!
666 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع