وانقشعت السحابة السوداء من سماء الخليج

                                      

                     د. محمد صالح المسفر

(1)
بقي المواطن الخليجي مشدودا أمام شاشات التلفزة الخليجية والدولية ليرى ماذا سينتج عن اجتماع المجلس الوزاري لدول الخليج العربية في جدة.

نتابع التلفزة العالمية لعلنا نسمع خبرا يطمئن المواطن الخليجي بأنه لم يعد مطاردا من بعض أنظمة الحكم شكا في أمره أو ريبة في نواياه. ولم تعد بعض حكومات دول مجلس التعاون محل استعداء وشيطنة من البعض الآخر. حقا نتابع وكالات الإعلام الأجنبية لأن بعض نخبنا السياسية مغرمة بالتصريح لوسائل الإعلام تلك بدلا من إعلام العرب، وهكذا قضى معظم المهتمين منا بأمن الخليج واستقراره وحبس أنفاسه طوال يوم السبت الماضي لعله يسمع خبرا يطمئنه بأن حكامنا حكّموا العقل ورشدوا قراراتهم .
(2)
انعقد المجلس الوزاري في جدة في ظروف عربية غاية في السوء، وكان جدول أعماله مزدحما بالبنود الشائكة وتوصلت الأطراف إلى تفاهمات في شأن العلاقات الخليجية الخليجية وأزالت كل عوائق سوء الفهم بين الدول الأعضاء.
في نهاية الاجتماعات داهمتنا تصريحات بعض وزراء خارجية مجلس التعاون، وجعلت الكل في حيرة من أمره فيما سمع، وزير خارجية عمان كان صريحا وقال: دون مواربة، بأن الخلافات الخليجية ــ الخليجية قد حلت وسيعود السفراء إلى الدوحة قريبا، حديث وزير الخارجية الكويتي رئيس الدورة الحالية للمجلس الوزاري في تصريحه الصحفي أضفى بضبابية على حل تلك الخلافات وهكذا عشنا بين سماء العلوي الصافية الصريحة وسماء الوزير الكويتي الملبدة بضباب رطوبة مدينة جدة والتي لا تمنع الرؤية ولكن تربك البحار في بحر سياسة أهل الخليج. الأمير سعود الفيصل جاء بالخبر اليقين عندما رد على سؤال أحد الصحفيين عن حل الخلافات بين دولة قطر والدول الثلاث في المجلس، أجاب بسؤال " وهل تعتقد بأني أتحرك بدون نتيجة إيجابية؟ " ومن هنا نقول انقشعت السحب حالكة السواد عن سماء دول مجلس التعاون إلا أنني أقول مابرحت هناك سحب ضبابية في طريقها إلى الأفول.
إن الفضل الأول لحل هذه الخلافات البينية يعود إلى إرادة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود الذي كلف وفدا من أصحاب السمو من القيادة السعودية العليا بأن يقوموا بجولة خليجية تشمل الدول المختلفة وإيجاد حل لا لبس فيه لهذا الخلاف الذي كاد يعصف بأمن المنطقة واستقرارها، والفضل ثانيا يعود إلى سمو أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي تعاون مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله في تليين حبل الخلافات دون المساس بسيادة أي من الدول الأعضاء.
نحن اليوم في مجلس التعاون نحتاج إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات الخليجية ــ الخليجية ويأتي، في المقدمة أن يفهم الجميع مبدأ السيادة والتي يجب أن تكون حقا معلوما لا يمس، وعند اعتماد مبادئ الاتحاد الخليجي الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله آل سعود عندها لابد من صياغة مفهوم السيادة يما يناسب جميع الدول الأطراف. فالمواطن الخليجي يحتاج من حكومات الدول الأعضاء ألا ينعكس خلافهم على أمنه وسلامته وحريته ومصالحه، لأنه، في حالة المساس بحقوق هذا المواطن يضطرب الأمن وندخل في دوامة أمنية لا تنتهي.
(3)
دعا الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود إلى تحالف إقليمي لمواجهة الإرهاب الجامح في المنطقة وراح يحذر الدول الغربية من شرور هذا الإرهاب، عندما يستشري في المنطقة وعلينا التصدي له بكل الوسائل. هنا أقول لكي يتحقق هذا التحالف الإقليمي فلابد من الأخذ في الاعتبار الدور التركي والذي لا يمكن تجاهله، وتركيا ومصر والسعودية تشكل معا ثقلا استراتيجيا يصعب هزيمته. إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله له دالة على القيادات السياسية في كل من تركيا ومصر والأردن واليمن وكذلك دول مجلس التعاون ويعينه على تنفيذ إرادته السامية في تشكيل ذلك التحالف الإقليمي كل من (أصحاب السمو الأمراء سعود الفيصل وزير الخارجية وخالد بن بندر رئيس جهاز الاستخبارات ومحمد بن نايف وزير الداخلية) من داخل الدولة السعودية ومن هنا نبدأ مسرعين لتشكيل ذلك التحالف ضد الإرهاب.
إن مواجهة الإرهاب والقضاء عليه، يقتضي منا أولا، القضاء على أسباب ومسببات الإرهاب الذي اجتاح بلاد الشام والعراق. إن السبب الجوهري في ذلك يعود إلى نظام الاستبداد في دمشق وبغداد. الطائفية أنشبت أظفارها في القطرين الشقيقين مثخنة جراحها، والإرهاب نشأ فيهما تحت ذريعة استعادة حقوق وحرية وكرامة شعب بكاملة فهل نذهب لاجتثاث الإرهاب، بالقضاء على أسباب نشأته وتكوينه؟ ذلك هو المطلوب.
(4)
أيضا الرئيس الأمريكي باراك أوباما، دعا إلى تشكيل تحالف دولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وسيبعث بوزيري خارجيته ودفاعه إلى حلفائه الأوروبيين للتشاور معهم بشأن الموضوع المشار إليه والانتقال إلى الشرق العربي ليكملا جهودهما في تشكيل ذلك الحلف الدولي.
تقول وزارة الدفاع الأمريكية إن طلعاتها الجوية لتمكين قوات البيشمركا الكردية ومليشيات التحالف الشيعي في بغداد تهدف لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية وتكلف الخزينة الأمريكية 7.50 مليون دولار يوميا. نستنتج من ذكر هذه التكلفة أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تقوى تستطيع ولا ينبغي لها أن تتحمل تلك التكاليف بمفردها وأن أكثر الدول تضررا من الدولة الإسلامية وتمددها دول المنطقة ومن هنا عليها أن تتحمل التكاليف دفاعا عن سلامة هذه الدول العربية التي تفجر فيها تنظيم الدولة الإسلامية وتضخم.
(5)
أذكّر حكامنا الميامين في دول مجلس التعاون الخليجي بأن أمريكا سبق أن مارست معهم ذات الممارسة نفسها، بمعنى أنها استخدمتنا ممولين في كل حروبها دفاعا عن مصالحها بدءا من أفغانستان إلى العراق إلى كل مكان وأخيرا مكنت إيران في العراق على حسابنا وقد قال الأمير سعود الفيصل الكثير في نقد السياسة الخارجية الأمريكي تجاه إيران وما تفعل في العراق تحت سمع وبصر الإدارة الأمريكية. واليوم يأتي وزير الخارجية والدفاع الأمريكيين إلى المنطقة لتشكيل التحالف الدولي ضد الدولة الإسلامية والحركات الإسلامية السنية الأخرى ولا أرى مانعا من تشكيل ذلك التحالف الدولي وأن نكون جزءا منه، لكن يجب ألا نكون ممولين فقط كما حدث في الحرب على العراق وأفغانستان، يجب أن يكون لنا دورنا في رسم سياسة ذلك التحالف وتوجيه بوصلته ومن المهم جدا أن نجني ثماره.
آخر القول:أدعوكم قادتنا ألا تسمحوا للقوى الأجنبية لاستخدامنا لنكسر بعضنا بعضا كما يحصل اليوم وكما حصل في العراق سابقا، فهل أنتم مدركون؟

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

704 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع