هل هناك مسابقة لقطع الرؤوس بالعراق؟

                                     

                            هيفاء زنگنة

ربط الرئيس الامريكي باراك اوباما، في خطابه الأخير، في اعقاب اجتماع حلف الناتو ببريطانيا، ما بين تشكيل الحكومة العراقية الجديدة ومدى الاجراءات الفاعلة التي يمكن ان تتخذها الادارة الامريكية لحماية هذه الحكومة في حربها ضد ارهاب «الدولة الاسلامية».

كان هذا هو الخطاب، أما الواقع فيختلف كثيرا. اذ تجاوز التدخل العسكري الامريكي، منذ اسابيع، مرحلة التستر بالتواجد «الدبلوماسي» في السفارة الامريكية، ببغداد، وعمليات القوات الخاصة والاستفراد باقليم كردستان، ليصبح الاحتلال العسكري، للمرة الثانية، لأهداف لا تقل «انسانية» عن اسباب الاحتلال الاول، حقيقة لا تقبل التساؤل. وباتت مناشدة أمريكا ودول الناتو بالتدخل، أي اعادة الاحتلال العسكري، مشرعنة انسانيا واخلاقيا، بعد ان برز على السطح، لمواجهة داعش، اصطفاف جديد يجمع ما بين أضداد الأمس، أي اسرائيل وايران والسعودية وامريكا. كما انضم اليه يساريون لا يجدون غضاضة في التصريح بان «خطر داعش أكبر من خطر الاحتلال»، متعامين بذلك عن سياسة ذات القوى المستغاث بها التي خصبت جنين داعش وعصائب أهل الحق وكتائب الائمة، على اختلاف اسمائهم، وغيرها من ميليشيات الارهاب، المتناثرة يمينا ويسارا بالعراق «الجديد»، التي يبلغ عددها، حاليا، حوالي الثلاثين ميليشيا ارهابية. معظمها تابع لاحزاب وتيارات مدعومة بميزانية الحكومة. فما الذي سيحققه تشكيل الحكومة الجديدة؟
هناك مستويان للنظر. الاول له علاقة بالعراقيين أنفسهم والثاني يتعلق بدول الجوار والعالم. ان مجرد القاء نظرة سريعة على اسماء المرشحين لاستيزار الحكومة الجديدة، يثير تساؤلا مريرا. كيف يمكن تغيير السياسة الحالية، المنقوعة حتى التآكل بالطائفية والعرقية والفساد، والوجوه هي ذات الوجوه، وجل النزاع عن تدوير المناصب بشكل مماثل للعبة الكراسي الموسيقية والثعلب فات فات وشد ذيله سبع لفات؟
لنتفحص بعض الاسماء المعروضة في سوق التهافت على الكراسي. حيدر العبادي، رئيس الوزراء الجديد، مثلا، شرع يهدد، كما فعل من قبله المالكي، بفتح «ملفات» من يحاول اعاقة تشكيل الحكومة. عن اي ملفات يتحدث؟ هل هي ذات «ملفات الارهاب» المتستر عليها؟ أليس التستر على الارهاب جريمة يعاقب عليها للقانون وهناك عشرات الآلاف من المعتقلين الذين يعانون الأمرين تحت طائلة تهمة الارهاب منذ سنوات؟ ام ان هناك تهمة ارهاب خاصة بعموم الشعب وتهمة ارهاب خاصة بذوي العصمة من السياسيين؟
محمد شياع السوداني، وزير حقوق الانسان، لديه مفهوم فريد لحقوق الانسان. فهو يطالب بمعاقبة أفراد منظمة داعش، محليا ودوليا، الا انه يتعامى تماما عن مجازر ميليشيات النظام الموثقة ضد أهالي المحافظات المنتفضة وعن انزال ابشع انواع التعذيب بالمعتقلين. انه، ايضا، يطبق، عمليا، مستويين لحقوق الانسان لتكون النتيجة انتفاءها. حسن الشمري، وزير العدل، مستاء جدا، أخيرا، لان احكام الاعدام لم تنفذ بسرعة بحق ثلاثة آلاف معتقل محكوم بالاعدام ووجودهم، احياء، في معتقل الناصرية يقتضي حملة اعدامات «تنظيف» سريعة، على الرغم من ان احكام الاعدام قد صدرت بحق المتهمين بعد استخلاص اعترافاتهم جراء حملات التعذيب المنهجية والمدانة من قبل منظمات حقوق الانسان عراقيا ودوليا، الى حد دفع المتحدثة باسم مجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة، الى وصف الاعدامات بانها مثل اقتياد الخراف الى المسلخ. وقد كشف تقرير لمركز بغداد لدراسات حقوق الانسان، اخيرا، عن قيام حسن الشمري بمنع المعتقلين في سجون ومعتقلات وزارته من لقاء محاميهم وذويهم منذ ثمانية اشهر. وينطبق الحال على الوزراء والنواب الكرد الذين يتعالى صراخهم حالما تمس مصلحة أو ميزانية الأقليم الكردي بخدش بينما لا ينبسون ببنت شفة اذا ما تم قتل بقية السكان بالبراميل المتفجرة.
أما المالكي، أمين عام حزب الدعوة، فلا يزال ينفث سمومه الطائفية عبر كلمته الاسبوعية، ودعواته لتشكيل ميليشيات جديدة، وحملات قواته الخاصة التي يشنها باسماء تنضح بروح الانتقام والثأر لا العدالة والقانون كما هو مفترض من رجال الدولة. من بين حملاته «تصفية الحساب» وآخرها «مجموعة الثار لدماء الشهداء».
تذكرني هذه المواقف الانتقائية، بمقولة للكاتب البريطاني الراحل جورج اورويل، مؤلف مزرعة الحيوانات، وموضوعها عن ارهاب الدولة والقمع السياسي وكيفية تحول الضحية الى جلاد. يقول اورويل معلقا على موضوع المساواة: «كل الحيوانات متساوية، ولكن بعض الحيوانات أكثر سواسية من غيرها». يمكن ترجمة المقولة، في الواقع العراقي، ان بعض الرؤوس المقطوعة أكثر اثارة للغضب من غيرها، حيث المواطن مهدد بقطع الرأس أما من قبل داعش او ميليشيات وكتائب النظام وآخرها «سرايا السلام» الناشطة بارشادات وتوجيهات مقتدى الصدر والتي بدأت تنشر افلام قطعها للرؤوس على الانترنت في حالة سباق مع داعش.
ان اعادة تدوير ذات الوجوه التي سارت خلف دبابات المحتل، في حكومات متعاقبة، هو تكريس للركود السياسي المستنقعي الذي يتوافق مع سياسة القوى الاقليمية والدولية المتصارعة على الارض العراقية، التي ترى في ضعف وتفكك العراق سيرورة يجب رعايتها، واذا ما اضفنا الى ذلك عامل نهب الثروة النفطية لفهمنا سر سرعة الاستجابة « الانسانية» لارهاب منظمة داعش مقابل التستر المستديم، منذ احد عشر عاما، على مجازر الاحتلال وحكوماته المتعاقبة، والكثير منها موثق باعتبارها جرائم ضد الانسانية. ولايمكن النظر الى التدخل «الانساني» الامريكي والغربي، عموما، بمعزل عن سرعة الدول الكبرى مثل المانيا وفرنسا واستراليا، بالاضافة الى امريكا، في تقديم السلاح والتدريب الى القوات الكردية على الرغم من انوف «صقور الجو» وفرسان حكومة بغداد. وان بقوا يطبلون لذات وجوه العملية السياسية الطائفية، وخطاب اوباما يلخص الحال، باعتبارهم من يملكون القدرة على التغيير.
ان غياب الولاء للوطن والوطنية كانا سمة حكومتي المالكي والجعفري (بساستها من السنة والشيعة والكرد سوية) وتشكيل حكومة تهمش ابناء الشعب المنتفضين وتستند الى قوانين عنصرية تهدف الى تغيير خارطة العراق لن تتمكن من تحقيق الاستقرار السياسي المبني على استراتيجية عراقية وطنية.
ان حملات الثأر الانتقامية وقطع الرؤوس، ردا على افعال منظمة ارهابية، لن يعيد الينا عراقنا بل يكرس وضعا يصبح فيه الفعل اللا إنساني المدمر لكل القيم التي توصلت اليها البشرية، عبر آلاف السنين من التأسيس الحضاري، هو المألوف والمقبول. ووضع حد لهذه الافعال، هو مسؤولية الحكومات. والخطوة الاولى في الاتجاه الصحيح نحو انقاذ بلدنا هي تحقيق المساواة في الدفاع عن حق الحياة للمواطنين، جميعا، وتطبيق حقوق الانسان بلا تمييز لا تشكيل سرايا وكتائب لقطع الرؤوس، كأن داعش هي المقياس الذي يجب اتباعه.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

755 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع