زينب حفني
ليس هناك أخطر من العنصريّة حين تستشري بأي أرض! تُصبح حينها مثل النار المستعرة التي تلتهم في طريقها كل شيء دون أن يملك أحد القدرة على الوقوف أمامها أو حماية وجهه من صهد حرارتها!
وللأسف لم يعد يمر يوم دون أن نسمع عن حوادث بطلتها الرئيسيّة هذه الآفة المدمرة! فنجد بالولايات المتحدة الأميركيّة وعلى الرغم من نجاح أوباما الرجل الأسود في اعتلاء سدّة الحكم لولايتين متتاليتين بأقوى دولة في العالم، لم يزل السود هناك مقتنعون بأنهم يُعانون من التمييز العرقي ويحملون بأعماقهم عقدة لونهم، واستعباد الرجل الأبيض لأجدادهم قروناً طويلة!
وها هي ضاحية فيرجسون بمدينة سانت لويس الأميركيّة تعود ثانية لواجهة الأحداث بعد أن هدأت فترة، لتشهد شوارعها أحداث عنف جديدة بعد الحكم الذي صدر بعدم توجيه أي تهمة لرجل الشرطة، الذي قام بقتل الشاب الأسود الأعزل، وتعليق أهل الفتى المقتول على قرار المحلفين بالقول «أرواح السود ثمينة أيضاً». وإذا اتجهنا بأنظارنا إلى إسرائيل سنجد بأنها تُمارس العنصرية بأبشع صورها ضد الفلسطينيين، وقامت مؤخراً الحكومة هناك بإقرار مشروع قانون يشطب اللغة العربيّة كلغة رسميّة ثانية بالبلاد بعد اللغة العبريّة في نكران تام لحقوق الفلسطينيين، ما دفع منظمات حقوق الإنسان الدوليّة إلى الاعتراض على هذا القرار العنصري التعسفي!
التمييز العنصري يُعتبر اليوم المدمّر الأكبر لاستقرار الأوطان وزعزعة أمنها وإشاعة الفوضى فيها، وإذا كانت إسرائيل قد اعتادت ممارسة العنصرية على الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، فالعديد من الدول العربية التي كانت تُمارس التمييز العنصري بأشكاله كافة في وضح النهار بحق مواطنيها، وقعت بعدها في مستنقع الحروب الأهلية والفتن الطائفيّة والمجازر الدمويّة، وتلطّخت يد كل طائفة منها بدم الطوائف الأخرى، ما أدّى إلى فتح أبواب جهنم على مصراعيها!
في بلادي السعوديّة حرص النظام السعودي منذ تأسيسه على احتواء أبناء الشعب كافة تحت لواء المواطنة، لكن نتيجة تشبث الأغلبية بالعصبيّة القبلية القائمة على الأعراف المتوارثة ظلّت حيّة لحد اليوم! وبسبب صولات عدد من مشايخ الدين المتعصبين الذين جلَّ همهم تحريض الناس على التمييز العرقي والطائفي وإيغار قلوبهم! فساهم هذا وذاك في تحريك النار الخامدة تحت التراب، والتي كانت من آثارها الخطرة ما حدث مؤخراً في احتفاليّة عاشوراء بالعواميّة ومقتل عدد من المواطنين الأبرياء!
ما أصابني بالحزن أيضاً، قيام أحد المغردين بكتابة تغريدة تفوح منها عفونة العنصريّة، بتوجيه نقد لاذع لأهالي مدينة جدة تعليقاً على الأمطار التي نزلت على جدة الأسبوع الماضي! وليت الأمر توقف عند هذا الحد، بل وصل إلى خروج مثقف سعودي معروف على التلفاز، وتوجيهه كلاماً غير لائق بحق كاتب سعودي من جدة ومخاطبته بطريقة متعالية «أنا درست قبل أن تحصل أنتَ على الجنسيّة السعوديّة»!
بلا شك النظام لم يتعوّد الالتفات لهذه النعرات العجيبة ولم يُشجّع يوماً عليها، بدليل أن العديد من أبناء الحجاز وصلوا لمناصب عليا حسّاسة بالدولة، لكن المشكلة تكمن في العرف القبلي من ناحية، وفي رجال الدين المتعصبين من ناحية ثانية الذين يقومون من خلال مواقعهم على صفحات التواصل الاجتماعي، والبرامج التليفزيونيّة، ومنابر المساجد، ببث روح التمييز العرقي والطائفي وترسيخ النعرة القبليّة، ولا يُأبهون إنْ أدّت بالمستقبل إلى قلب المائدة على رؤوس الجميع!
لقد آن الأوان لأن تتكاتف الحكومات العربيّة لسن قانون دولي يُجرّم كل من يُحرّض بكلمة أو بقول أو بفعل على العنصرية بأنواعها كافة، خاصة أننا نعيش في زمن مخيف، والكلَّ يتربص بنا وينتظر أي هفوة ليلتقطها ويعبث جهاراً بأوطاننا!
612 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع