وماذا عن التهديد الأمني الداخلي؟

                                 

                       د. علي محمد فخرو

من الواجب والضروري ان يهتم قادة دول مجلس التعاون الخليجي بموضوع اخطار وتداعيات ظاهرة داعش واخواتها من رافعي ألوية البربرية الهمجية التكفيرية الجهادية في ارض العرب. انها ظاهرة واضحة للعيان، ومن المؤكد انها ستكون مؤقتة. وخطوات بناء القدرات الامنية الذاتية لدول المجلس من اجل مواجهتها هي حتما خطوات في الطريق الصحيح.

ولكن، طالما ان مواضيع الامن الخارجي في دول المجلس مطروحة بشدة فاننا ندعو القادة الى تضمين جداول اعمال مناقشاتهم بندا آخر يتعلق بالوجود العربي في المجتمعات التي يديرونها، انه خطر قديم يزداد تفاقما وتنذر ارهاصاته بقرب هبوب عواصف، ليست امنية فقط وانما ايضا وجودية. اننا نتحدث عن التراجعات المفجعة في الهوية العربية لمجتمعات واناس دول مجلس التعاون. دعنا نفصل الامر.
في عام 1975 كانت نسبة العمالة الوافدة من مجموع سكان دول مجلس التعاون حوالي 29 في المئة. بعد ثلث قرن في عام 2008، ارتفعت نسبة العمالة الوافدة من مجموع سكان دول المجلس الى 69 في المئة.
دعنا نذكر احصائية اخرى، ثم نعلق. في عام 1975 كانت العمالة العربية تمثل 72 في المئة من مجموع العمالة الوافدة. بعد ثلث قرن تراجعت نسبة العمالة العربية لتصبح 32 في المئة.
اذن نحن امام ازدياد مذهل في اعداد العمالة الوافدة يصل الى اكثر من ضعفي الزيادة في اعداد المواطنين.
ونحن في نفس الوقت امام تراجع مفجع في اعداد العمالة العربية الوافدة بالنسبة للعمالة الاجنبية غير العربية الوافدة. ان ذلك يعني ان نسبة العمالة الوافدة غير العربية بالنسبة لسكان دول المجلس، التي كانت 18 في المئة في عام 1975 قد ارتفعت لتصل الى 37 في المئة من مجموع سكان دول المجلس. نحن هنا بالطبع نتحدث عن مجموع دول المجلس، اما نسبة العمالة الاجنبية غير العربية من مجموع سكان بعض دول المجلس منفردة فانها اعلى من ذلك بكثير وتكون اخطارا هائلة ان لم تواجه من قبل تلك الدول بمفردها ومن قبل دول مجلس التعاون مجتمعة ايضا.
المأساة الكبرى تنتظرنا في المستقبل القريب اذا استمرت الزيادة السابقة في اعداد العمالة الوافدة والتراجعات السابقة في اعداد العمالة العربية الوافدة بنفس الوتيرة. عند ذاك، اي في نهاية ثلث القرن القادم، ستصل نسبة العمالة الوافدة غير العربية من مجموع سكان دول مجلس التعاون الى حوالي 80 في المئة، وسيصبح سكان دول المجلس اقلية صغيرة معزولة لغة وثقافة ودينا. هل نستطيع آنذاك ان نتحدث عن مجتمعات خليجية عربية؟ كلا، اذ سينضم الخليج العربي الى قائمة الاجزاء التي ضاعت او اقتطعت من وطن العرب.
هل ستقتصر الاخطار المهددة للهوية العربية في دول المجلس، هل ستقتصر على التغييرات في التركيبة السكانية التي وصفنا سابقا؟ الجواب هو كلا.
هناك ظاهرة اخرى كتب عنها الكثيرون. انها ظاهرة التراجع في اهم مكونين للهوية العربية في دول المجلس: اللغة العربية والثقافة العربية. ان الزيادة المتعاظمة في اعداد المدارس والجامعات الخاصة غير العربية واضحة للعيان. وما كانت لتشكل هذه الزيادة مشكلة هوية لو ان خريجيها يتقنون اللغة العربية الام كما يتقنون اللغات الاجنبية المستعملة في تدريس الغالبية الساحقة من مواد ومقررات تلك المدارس والجامعات.
وبسبب ضعف هؤلاء في اللغة العربية فان ذلك سينعكس على تواصلهم مع ثقافة امتهم : تاريخها، آدابها، فنونها، فقهها، نتاجات مفكريها واعلامها. وعندما تضعف اللغة ويضعف الارتباط بالثقافة فان الهوية تصبح في خطر كبير. وبدون هوية تضعف المجتمعات والامم وتصبح مرشحة لان تكون على هامش الحضارة وخارج التاريخ.
هل من خطوات لمواجهة الظاهرتين؟ الجواب القاطع هو نعم، بشرط توافر الارادة السياسية والالتزام القومي العروبي.
بالنسبة لمشكلة التركيبة السكانية هناك حاجة لاتخاذ قرار حاسم بان تكون النسبة الاكبر من العمالة الوافدة عربية، ولنتوقف عن سخف الاعتقاد بان العمالة العربية ستجلب معها مشاكل سياسية، فهذا انطباع غير صحيح ولا ينطبق الا على اقلية صغيرة الى ابعد الحدود. بل ومن الضروري العمل على تدريب جزء من العمالة العربية وتوطينها. وستثبت الايام ان هؤلاء سيكونون احرص على سلامة وطمأنينة ورقي مجتمعات دول مجلس التعاون من بعض المواطنين الاصليين.
اما موضوع اللغة العربية فانني شخصيا اعتقد بان الحل الوحيد والسهل لهذا الموضوع يكمن في اتخاذ قرار من قبل كل دول المجلس بان لا يعترف بتخريج اي طالب عربي من المدارس الخاصة، في نهاية المرحلتين الاعدادية والثانوية، الا اذا نجح في اجتياز امتحان رسمي في اساسيات اللغة العربية الكافية لربطه بثقافته العربية. هذا الشرط وحده سيجعل الطلاب وذويهم ومدارسهم وجامعاتهم يقومون تلقائيا بما يلزم لتخريج طلاب متمكنين من لغتهم الام.
هناك الكثير من الخطوات المطلوبة، لكن محدودية حجم المقالة لا تسمح بالدخول في تفاصيلها.
الاستعداد لمجابهة الاخطار الامنية الخارجية واهمال مجابهة الاخطار الداخلية الكارثية المستقبلية سيكون مدخلا لعواصف مستقبلية هوجاء.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

596 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع