علي السوداني
وهذا يومٌ آخر من دفتر البرد والثلج ، وخلطة ملتبسة من بهجةٍ وحزن شفيف . شعورٌ هائل بتضخّمٍ كبير في دفتر الخسارات .
عند سرّة الخمسينات من عمرٍ هلَكَ بيومٍ لنا وستة علينا ، يعيش الدرويش تحت ثقل إحساسٍ هائل بشيخوخة مباغتة مثل صفعة زائدة . أظنّها والمنى أن يكون ظنّيَ إثمٌ ، مصورة بطقطوقة حسين نعمة " بيّنْ عليَّ الكبر " والمناجاة المميتة بين سعدي الحلي ووليده خالد " لا يولدي تدري الكبر هدْني " وهاتان قد فرّختا ثالثةً من فاضل عواد اسمها " دمعتي بطرف العين بس أرمش اتطيح " وصاحب الحانة عادل القبطيّ ، يزقُّ في حلقي كؤوساً من عَرَقٍ صرفٍ مختومٍ بمغربية عبد الحليم حافظ الصفراء المتربة " مشيت على الأشواك " وكائنٌ نابتٌ في مؤخرة الحان الجميل ، يقترح على شيخ ندل زوربا الولد الطويل روماني ، مقاماً دامياً اسمه الأوشار ، منسوجاً على قامة رشأ لا تميل ، وأنا البطران سليل البطر ، إن استمررتُ بالكتابة هكذا ، فعلى القارئين القدامى المخلصين ، أن يشتروا نسختين ورقيتين من الجريدة ، واحدة ستتلف من قوة الدمع ، والثانية لإكمال القراءة بخشمٍ يعزف ، لكن ليس من أثر الزكام .
هذه هي المناظر المتاحة حتى الآن . تنفيرات وتقزيزات تمطر عليك من شاشة التلفزيون . كائنات مشوّهة خلقها الله وابتليت الأرض بها . سياسيون كذابون لا يستحون . معمّمون دجالون مضلّلون . أُدباء وكتّاب يلوكون كلام الخديعة ، يأكلون ويوصوصون حتى إذا مالَ الدولار ، مالوا حيثُ يميلُ ، وفوق كل هذا الجبل العظيم من القهر ، يئنُّ الدرويش وينوحُ ويتناوح قدّام حسبةٍ غير عادلةٍ من علامات الكِبَر ، والبائنة منها هي أنهُ قام بتقليم وتدريم أظافر قدمه اليمنى ونسي أخيّتها اليسرى . مشاهدة كلّ الشرائط المصرية بالأبيض والأسود . سعال متّصل . أسئلة سخيفة يرشّها على مساء العائلة . ألنبش المعلن لدحائس ما بين الأسنان . مراقبة قطط الزقاق واكتشاف أنها بدأت تتماوأ وتتغازل وتتحاضن قبل حلول رعشة شباط اللبّاط . ألقبض على اللحية بطريقة النادم على العيش . تنغيم جملة " ألله كريم " خمسة آلاف مرة كلّ ساعة . مباصصة حادة صوب مشرورات صغيرة ترفرف على حبل غسيل الجيران ، مثل وريقات توت ساترة . زرع الركبتين في الصدر وممارسة لعبة أحلام اليقظة . إعادة مشاهدة فلم عتيق ، علَّ البطلة لا تموت كما ماتت أول مرة . عنوان المكتوب له صلة قوية بالمتن . شكراً وإلى لقاء .
771 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع