من المعروف أن فكرة الصالونات الأدبية ليست بجديدة، وربما كان من أشهرها صالون الأديبة "مي زيادة" الذي يعود بالطبع إلى مكانة صاحبته الرفيعة في دنيا الأدب. وكانت زيادة قد أنشأت صالونها في مصر إبان عصر التنوير، وهو ما أتاح أمامها الفرصة لاستقطاب أهم الأدباء والمثقفين من أمثال عبّاس العقاد، ومصطفى الرافعي وغيرهما ممن أثروا حينها الساحة الثقافية الأدبية.
لي مع تاريخ الصالونات ذكريات جميلة، فهي منبر حر لتبادل الآراء، وملتقى رحب لكافة التيارات الفكرية، وقد تمّت استضافتي في عدد منها بالعالم العربي. وكان أهم ما يُميّز الصالونات التي حضرتها، أنها لم تكن مقتصرة على الوجود النسائي فقط، بل كان يحضرها مثقفون رجال أيضاً.
يعلم الجميع أنني بعيدة عن كافة النشاطات الثقافية الداخلية لاعتبارات خارجة عن إرادتي! ولكنني وجدتُ نفسي أقف أمام السجال الذي دار بين الكاتبتين "لمياء باعشن" و "نبيلة محجوب" وهما زميلتان أكنُّ لهما كل التقدير. مندهشة من اللغة التي خاطبت كل منهما الأخرى والتي دارت حول فكرة تأسيس صالون أدبي نسائي داخل نادي جدة الأدبي يكون بمنأى عن المثقفين الرجال، وهو ما اعتبرته باعشن دعوة للتخلف وعودة بالمرأة المثقفة إلى الوراء!
لم أستطع منع نفسي من قول كلمة حق! وعادت بي الذكرى إلى الوراء عندما كان يرأس النادي الأدبي في جدة الأستاذ "عبد الفتاح أبومدين" الناقد الأدبي المعروف. كانت قد وقعت أيامها زوبعة أحدثتها الشاعرة القديرة "فوزية أبو خالد"، حين ألقت قصيدة استفزّت بعض الحاضرين من المحسوبين على التيار الديني وأدّت إلى حجب كافة النشاطات النسائية.
أكرر دوماً بأن الأدب لا جنسية ولا موطن له. ولا أؤمن بوجود لغة مقتصرة على عالم المرأة. ولا أقر بمبدأ العزل الوقائي! أنا من المناديات بعدم وضع حاجز قاتم بين الرجل والمرأة في كافة المجالات الحياتية. وكما أن الرجل يُمثّل شريان الحياة، فالمرأة هي من تصنع الرجال، ومن هذا المنطلق أرفض بشدة وضع فواصل بينهما وشطر المجتمع إلى نصفين!
أرى بأن من تقرر حمل شعلة الأدب بيدها، أن تُناضل من أجل أن تقف على قدم من المساواة مع الرجل، فهمومنا واحدة وقضايانا متشابكة، ولا خصوصية في عالم الفكر بتياراته المتباينة. وبدلاً من أن تنجرف خلف هذه الزوبعة كاتبتان لهما مكانة رفيعة في دنيا الأدب، والنزاع على أمور سطحية لن تُخرجنا من عنق الزجاجة! كان الأولى أن تسعيا إلى ما فيه صلاح المرأة السعودية. وأن تتحد المثقفات السعوديات لتأسيس اتحاد نسائي معترف به رسمياً ودولياً، يستطعن من فوق منبره المطالبة بحقوقهن المدنية التي لم تزل حبيسة الأدراج لحد اليوم!
من يُنقّب في تاريخ صدر الإسلام، سيجد بأنه مثل هذه الصور القاتمة ضيقة الأفق لم يكن لها وجود على أرض الواقع! وكانت المرأة حاضرة على الدوام، تُناضل بجسارة إلى جانب الرجل في كافة مجالات الحياة رغم بساطتها مقارنة بزمننا الشديد التعقيد!
إن المناداة بالعزل لن يكون حلاً جذرياً لمشاكلنا! الحل يكمن في المواجهة وفتح باب النقاش الحر البناء بين الجنسين. وأنا واثقة بأن الكثيرات من المثقفات اللواتي يُطالبنَ اليوم بهذا الفصل، يحرصن على حضور فعاليات ثقافية خارج السعودية ويُشاركهنَّ زملاء من داخل بلادهن، دون أن يُظهرنَ أي نوع من التبرّم أو المعارضة! إذن لمَ هذه المواقف المتباينة؟! أليس من الواجب على المثقفة السعودية أن تتعامل مع واقعها بعصرية؟! هل تظن بأن تمسكها بهذه الازدواجية سيخلق لها مكاناً آمناً في مجتمعها؟! هنا يكمن السؤال الحقيقي!
1023 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع