بمقال نعي التحالف الكردي - الشيعي المنشور هنا يوم 30 مايو (أيار) الماضي، أوردت الكلمات التالية: «ويقينا أن التحالف لم يتبق له حتى ذكريات أطلال مقار التعاون والتنسيق».
وبعد أكثر من خمسة أشهر ظهر من فريق رئيس الوزراء من الشيعة من يقر بأن التحالف الكردي - الشيعي في مرحلة السلطة يستفز العرب السنة. وهو وصف صريح يمثل انعطافا فكريا.
ومن تبسيط الأمور تفسير التصعيد الكردي - الشيعي بأنه «هجوم مقابل» ضد اجتماعات أربيل، التي فشلت في سحب الثقة عن حكومة المالكي. فقد يكون هذا سببا، إلا أن المعضلة أكبر بكثير، ولا تتعلق بتشكيل قيادة عمليات دجلة، الذي يعد ناقوس إعلان لمرحلة يستحيل الاستمرار فيها وفقا للعبة جر الحبل بين طرفين. بعد أن تجاوز البيت الشيعي مرحلة الإحساس بالخطر على السلطة، وسعي رئيس الوزراء إلى فرض سلطة الدولة على الإقليم، بإجراءات تعيد السيطرة «الكاملة» للحكومة المركزية، على محافظة كركوك النفطية، بدأت عمليا بتشكيل قيادة عمليات دجلة.
لقد تمكن الأكراد من بناء قوة ذاتية كبيرة، وحاولوا في مرات كثيرة دفع الحكومة المركزية إلى تغطية مصروفات قوات البيشمركة وتحويلها إلى حرس للإقليم. وجرى تداول مكثف حول تشكيل فرق عسكرية من شباب الكرد، غير أن الجدية ليست موجودة في بغداد، التي لم تر التزاما «لرئاسة» الإقليم بالواجبات التي تقع عليها، مقابل الحقوق المالية الضخمة التي تحصل عليها، على حد وصف مسؤولين مهمين، ولعدم قناعة فريق المالكي بالمادة 140 الدستورية المتعلقة بتطبيع الوضع في «المناطق المتنازع عليها»، وفق التسمية الدستورية، و«المختلطة» كما تسمى حاليا في بغداد. خصوصا بعد التوسع في المعالجة على أساس إعادة النظر بقرارات رسم حدود المحافظات منذ عام 1968.
ويثبت تشكيل محافظة صلاح الدين منتصف السبعينات، أن كل قرارات التوسع والتغيير في المحافظات العربية لم تصدر لغرض طائفي قطعا، وإلا لكان من الضروري إبقاء مدن تكريت والبيجي والدور وسامراء السنية 100 في المائة مع بغداد، وربط الفلوجة بها، وليس تجريدها مما يقرب من مليوني عربي سني. وأي محاولة لربط مستقبلي لسامراء وحدها ببغداد سيكون قرارا طائفيا غير مبرر 100 في المائة. وأي استغلال لتطبيق المادة 140 لتمرير خطط على مستوى المحافظات العربية سيكون خطيرا للغاية.
الحكومة «الاتحادية» متهمة بالتصرف بطائفية في عدد من الملفات، غير أن سياستها تجاه نهج رئاسة إقليم كردستان تتناغم كليا مع الهواجس العربية السنية في كركوك والموصل وديالى وصلاح الدين، لأنها معنية بما يحدث مباشرة، وتحظى بتعاطف الأنبار. وهذه السياسة غالبا ما تتداخل فيها المضادات. ويزيد من هذا التناغم اعتراضات رئاسة الإقليم على إعادة ضباط الجيش السابق إلى الخدمة وكلهم من البعثيين، فيسجل المالكي نقاطا لصالح سياسته في التصدي للأزمة، ويكسب تأييد قادة الجيش عموما في حالة حدوث مجابهة.
لا شك في أن كتلة المالكي تعتبر أقوى الكتل الشيعية حاليا، لأسباب ترتبط بالتنظيم والمال والسلطة والضغوط المضافة. ومن المستبعد أن يحدث تقارب أو إعادة صياغة معادلات بين الشيعة والكرد. وفي الوقت نفسه، فإن التصادم العسكري مكلف على الجانبين. فمن الناحية الكردية، يدفع التصعيد بغداد إلى التفكير في وقف ميزانية الإقليم البالغة 17 في المائة من الميزانية العامة. كما أن العراق يمتلك قدرة تأمين مواد تموين القتال.
ومن جانب آخر، فإن المجتمع الدولي لا يتحمل حربا شاملة على الأكراد. غير أن هذه التحديدات لا تلغي احتمالات «مرجحة» لشن حرب اقتصادية وسياسية وأمنية تستهدف رئاسة الإقليم، عبر مراحل تدريجية تمتد لعدة أعوام. بما في ذلك مناوشات عسكرية،واستقطاب قوى كردية معارضة.
من الآن فصاعدا، يرجح أن تحاول حكومة بغداد إعادة الإقليم إلى الحدود التي كان عليها قبل حرب 2003. تمهيدا لتخييره بين الخضوع لسلطة المركز أو الانفصال. وستزداد لهجة التحدي المركزية، خصوصا مع توافر معلومات عن تردد شخصيات معارضة للحكومة إلى أربيل. فبغداد على قناعة بتقديم الإقليم تسهيلات لمعارضين وخصوم للحكومة، ومنهم بعثيون كبار. وفي كل الأحوال، من المفترض الحرص «المتقابل» على تسوية الأزمة سياسيا، لا سيما أن الرئيس طالباني بقي على الدوام حريصا على التفاهم، والعمل على حل المعضلات عن طريق الحوار الهادئ بعيد الأمد.
1099 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع