خالد القشطيني
تكلم الدكتور خير الدين حسيب، رئيس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية في مقابلة تلفزيونية جرت مؤخرا تحدث فيها عن التفاهمات الدولية بالنسبة للعالم العربي. لفت نظري منها إشارته إلى مشروع الدولتين، إسرائيل وفلسطين.
أستطيع أن أفهم أن الدول الكبرى متفاهمة في هذا الموضوع، وهو تأييد فكرة الدولتين (ينبغي أن يقال ثلاث دول على اعتبار أن غزة أصبحت دولة بحد ذاتها) كوهم فضائي يضاف إلى الأوهام الأخرى التي تعيشها شعوبنا وترتاح لها. الدول الكبرى، وكل من يملك عقلا يفكر به، تعرف أن الفكرة لم تعد في حيز الإمكان، ولكنها لعبة بريئة نتسلى بها. ولا تريد الدول الكبرى أن تكدر مزاجنا وتمنعنا من التسلي بها.
بعد نكسة 1967 طرحت فكرة إعادة الأراضي المحتلة لأصحابها، الأردن ومصر وسوريا، حسب المبدأ القانوني الذي يقضي بإعادة كل شيء إلى ما كان قبل الحرب. بيد أن الفلسطينيين خرجوا عن الخط، من منطلق العركة على الكعكة والإمارة ولو على حجارة. نادوا بإقامة دولة خاصة بهم. حالما تقبلت الحكومات العربية هذا التغيير في الموقف، قلت ستضيع فلسطين. كان من الصعب استعادة اللقمة على ما هي عليه من فم الذئب لتعطيها لمنظمة التحرير وياسر عرفات (الإرهابيين في عرف إسرائيل) بدلا من الملك حسين والأردن، فقد تضاعفت وتعقدت المشكلة. لم أتمالك غير أن أقول ضاعت فلسطين!
ودخل الموضوع في شتى المفاوضات الماراثونية التي استغلتها إسرائيل في بناء المستوطنات وفق مخططات مصممة لقتل فكرة أي دولة في الضفة. هناك اليوم ما يقرب من ربع مليون مستوطن صهيوني متعصب ومتشبث بفكرة إسرائيل من نهر الأردن للبحر المتوسط. كيف تتخطى هذا الواقع الجغرافي؟ لم يأت هؤلاء الناس من أميركا للضفة ليتقبلوا العيش في ظل حكم عربي إسلامي ويعيشوا مع مواطنين يتبادلون معهم أشد الكره والاحتقار. إذا حاولت حكومة إسرائيل إخراجهم من مستوطناتهم بالقوة فسيقاومونها بما يؤدي لنشوب حرب أهلية بين يهودي ويهودي. وهذا ما لن تسمح به حتى الدول الغربية. وماذا عن الوقائع العملية؟ كيف ستربط غزة بالضفة؟ كيف ستربط المستوطنات بعضها ببعض؟ هل يمكن أن تصبح دولة فلسطين كيانا ممكنا اقتصاديا لا يعيش على الصدقات؟
طرح اليساريون والديمقراطيون من الجانبين منذ 1967 شعار العيش في دولة موحدة ديمقراطية يعيش فيها اليهود والعرب على قدم المساواة، وهي فكرة قديمة نادى بها الكثيرون في الثلاثينات بشعار الدولة المزدوجة القومية. تجددت هذه الأفكار مؤخرا على صعيد هذا الواقع القائم الآن. المشكلة فيها أن اليهود يصرون على أن تبقى إسرائيل دولة يهودية ويبقى قانون العودة قائما. الصعوبة الأخرى هي الخوف من ازدياد نسبة العرب بحيث يشكلون الأكثرية. كيف تبقى دولة يهودية وأكثريتها عرب؟
بيد أن الوضع الحالي وضع مريح جدا لحكومة نتنياهو، فهو يفعل ما يشاء بالضفة وسكانها دون أن يتحمل مسؤولية رعايتهم أو حكمهم. تقوم له بذلك السلطة الفلسطينية كمأمور بلدية وشرطة وناظر مدرسة مجاني، لا يدفع لهم فلسا واحدا أو يعبأ بمساءلتهم، وهو وضع لم يحظ بمثله أي مستعمر في التاريخ.
1356 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع